في خطابه المشحون بصدق العاطفة والإحساس بفداحة الفقد عند نعي الشهيد صالح الصمّـاد، خاطب قائدُ الأنصار الجميعَ بالقول: من يريد أن يعرفَ قُدوتنا، فقدوتُنا صالح الصمّـاد، وقد أثبت الواقع خلال عامين أن الاقتداء بالصمّـاد مهمة صعبة المنال، ومن أعظم الجهاد، فقد اجتمعت بالشهيد الرئيس والمجاهد والمواطن صالح علي الصمّـاد مزايا أخلاقية قلَّ أن تجتمع بفرد واحد، لا سِـيَّـما عندما يصبح شاغلاً للمنصب السياسي الأهم والأعلى في الدولة، ومن هذه المزايا:
1) الصدق والنزاهة، وهما خصلتان تشترط إحداهما الأُخرى، فبالصدق المقرون بالنزاهة ولج الصمّـاد إلى قلوب الملايين، ولم تكن لصدق الصمّـاد تلك القدرة على التأثير إلا لأَنَّه صدق خالٍ من أبسط شوائب التصنع، أما اقتران السياسة بالنزاهة عند الصمّـاد فيدحض بقوة كُـلّ مدع بأن السياسة لا تتفق مع الأخلاق، ويذكر بقول زعيم البلاشفة فلاديمير لينين بأن النزاهة أفضل سياسة.
2) يقول الذين كانوا يلتقون بالشهيد الصمّـاد إنه كان يجيد الاستماع إلى محدثه مهما كانت مرتبة هذا المحدث أَو الأمر الذي يتحدّث عنه، وهذه ملكة يفتقدها الكثيرون؛ لذلك لا يتيحون لمحدثهم إكمال ما يريد قوله فيقاطعونه، مما يشعره بعدم أهميّة ما يطرحه، وفضلاً عن دلالة عدم القدرة على الاستماع للآخرين على شيء من النزق والغرور الشخصيين، فإن فقدان هذه المزية يعقد العلاقات بين الناس ويدفع إلى المزيد من التباعد بينهم مهما كانت تربطهم من علاقات عمل.
3) تحدث الكثيرون عن أن الصمّـاد كان شديد الاهتمام بقضايا الناس، سريع الاستجابة لشكاواهم ولفعل ما يستطيع فعله لأجلهم، وهنا سأذكر حالتين عرفتهما ولمستهما، فقد حدثت مشكلة بين أحد الزملاء من أعضاء هيئة التدريس في الجامعة وبين أحد المواطنين في إطار علاقات عمل، حيث عجز هذا الزميلُ عن الإيفاء بما عليه من التزامات مالية؛ نتيجةَ تعطل العمل وَانقطاع المرتبات، ما أَدَّى إلى تقدم الطرف الآخر في علاقات العمل هذه بشكوى وتم إيداع الزميل السجن، وعندما حاولت نقابة أعضاء هيئة التدريس وبعض الزملاء مساعدته للإفراج عنه ومنحه مهلة معقولة لدفع التزاماته المالية ولم يتوفقوا، اتصلت الزميلة الدكتورة ابتسام المتوكل بسكرتارية الرئيس صالح الصمّـاد لشرح مشكلة الزميل وطلب المساعدة في إخراجه من السجن، فكان جواب الرئيس الصمّـاد سريعاً، إذ أمر فوراً -لا سِـيَّـما أن إيداع الدكتور السجن كان مخالفاً للقانون- بالإفراج عن الدكتور ليعود إلى محاضراته ودروسه من غير أن يسأل من هو (وهل هو محسوب علينا أم ضدنا).
وفي الحالة الثانية تقدمت الزميلة د. ابتسام المتوكل بشكوى إلى مكتب الرئيس الصمّـاد، تتعلق بممارسات واجهتها عندما كانت نائبة عميد كلية الآداب لشؤون الطلاب، وكانت المفاجأة أن الرئيس الصمّـاد لم يهمل الشكوى بحجّـة انشغاله بقضايا كبيرة، ولم يكتفِ بالاطلاع عليها، بل بادر إلى الاتّصال بالزميلة الدكتورة ليطلبَ المزيد من التوضيحات ويصدر توجيهاته باتِّخاذ ما يلزم من إجراءات بشأن ما تضمنته الشكوى.
وهكذا يمكننا القول في الذكرى الثانية لاستشهاد الصمّـاد: إن الوفاء الحقيقي للشهيد القدوة يتمثّل في محاولة الاقتداء به قدر المستطاع.