موالاة السلطة أو معارضتها من الحقوق البديهية لأي مواطن، وممارسة هذا الحق بمسؤولية يحفز السلطة لتحسين أدائها ، المشكلة تكمن في لغة السلطة ومنهجها وسلوكها في إدارة مؤسسات الدولة ، وفي أساليب المعارضة ومدى احترام الجميع للواجبات الدستورية والتزام بمبدأ العدالة وحرصهم المشترك على احترام مبدأ السيادة الوطنية وتجريم الاستقواء بالخارج، فليس من حق أي سلطة الاستعانة بأي دولة أو تحالف أو منظمة بدعوى دعم شرعيتها لحكم الشعب الذي يتوجب عليها خدمته من خلال إدارة المؤسسات التي يفترض أنها ملكه كما تنص على ذلك الدساتير والقوانين وليس من المسموح لأي حزب أو كيان سياسي أو ديني أو اجتماعي معارض كذلك الاستقواء في معارضته بدولة أو تحالف أو منظمة أو مؤسسة أو أي جهة خارجية ضد سلطة محلية سواء كانت شرعية أو سلطة أمر واقع لأن تدخل أي دولة أو تحالف أو منظمة في شئون دولة أخرى جريمة من جرائم القانون الدولي كما هو مبين في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة (محور القانون الدولي ) ومن السخف وصف أي عدوان بأنه دعماً للشرعية ومن البجاحة المغرقة في الوقاحة وصف النظام العميل بالنظام الشرعي كما يروج له من قبل العدوان نفسه !!!؛
. لقد درجت السلطة التي حلُم الشعب بالثورة عليها على الإمساك بأدوات السلطة والمعارضة في يد واحدة والتلاعب بهما ، ولهذا ظل النظام الذي قفز رأسه من قعر المجتمع إلى قمة السلطة بدون أساس أو مسوغ قانوني أو سياسي أو حتى أخلاقي وهو منهج يفتقر إلى الذكاء والمسؤولية في آن مهما اعتقد أصحابه صوابيته ظناً منهم بأن المعارضة القوية خطرٌ يتهدد الأمن والاستقرار وهو اعتقاد ثبت خطأُه ، ومن المحزن في إدارة هذه اللعبة اللامشروعة لجوء النظام عمداً وعدوانا إلى استرضاء أتفه المثقفين وأتفه المشايخ وأتفه الموظفين ، وتوزيع المناصب والأموال عليهم أي أنه حوّلَ السلطة إلى مجمع لكل من لا يرعى للشعب صاحب الحق الشرعي في السلطة والثروة إلّاً ولا ذمة وإلى جيش من المنافقين والمرتزقة وبائعي الضمائر وهم من أثبتت الأيام أنهم أتباع كل ناعق وخريجي مدرسة المثل الشعبي المعروف والمنهج السياسي الموصوف (من تزوج بأمنا كان عمنا )هذا الجيش اللفيف تحول إلى أدوات قذرة في بنية سلطة صالحة لكل زمان ومكان ، أذكر أن أحدهم وقف مع أحد أدوات نظام الفساد المسمى بالسابق موقفا مزلزلا حين بلغه كذباً وزوراً أنه مستهدف بالإبعاد من موقعه القضائي الذي تجاوز الثمان سنوات وما يزال هذا المتنعم بالانتماء لهذه المدرسة ثابت الأقدام في سلطة الفساد الراسخة التي تصف أمثاله برجال الدولة لأنه أثبت للمتسلطين إخلاصه في خدمة ما تريد تماماً كما خدم النظام السابق في ما أراد أي أن يطوع العدالة لإرادة السياسة مع أن مدة ولايته القانونية لا يجوز أن تتجاوز الخمس سنوات لكن يد سلطة الفساد ما تزال أقوى من يد العدالة والقانون لأن الدولة وفق قانون مؤسسة الفساد ملك رجل الدولة الأول ومُواليهْ بدون أي قيود قانونية حقيقية يتصرف بأموالها وسلطاتها كما يحلو له، وصار مصطلح رجل الدولة يستخدم في سياق استمرار التعامل مع السياسة على أنها لعبة الفاسدين باعتبارهم بنظرها مثال لرجال الدولة ، هذا النهج عواقبه أكثر من وخيمة لأن الواجب الوطني يحتم احترام المسؤولية في مؤسسات الدولة ويقتضي تحويل العمل السياسي من لعبة إلى مسؤولية والمعارضة إلى مسؤولية أيضا وليس منبرا للمناكفة والاندفاع نحو كيل التهم والأكاذيب ضد السلطة جزافاً ولا ينبغي أن يفهم هذا الطرح على أنه دفاع عن التسلط ولكنه دفاع عن مبدأ احترام المسؤولية والالتزام بالمصداقية كمبدأ ينبغـي على السلطة والمعارضة الالتزام به كما يجب النظر إلى كليهما كفرسي رهان يقوما على واجب إتاحة الفرصة لمعارضة تحت سمع وبصر سلطة سياسية واجتماعية مسؤولة عن مرحلة وطنية من المفترض أن تكون مدركة لجسامتها وواجبها في إخراج اليمن من دوامة العنف التي يعاني منها منذ عقود بل منذ قرون لأن البديل عن المعارضة السلمية القوية بالتزامها بالمبادئ هو المعارضة المسلحة وهو طريق استمرار هذه الدوامة والبحث عن العمالة والارتزاق والتدخل باسم الشرعية !؛
إن الالتزام بالمسؤولية القانونية والدينية والأخلاقية لا ينبغي أن يكون إطارا فضفاضاً يتيح لقوى السلطة والمعارضة التلاعب به بل لابد أن يكون إطارا واضحًا وضوحاً صارماً لا يجوز الخروج على ما يتضمنه من ثوابت وأبرزها وأخطرها كما أسلفت تجريم التبعية والاستقواء بالخارج بأي صورة من الصور أو وجه من الوجوه !!؛
وكل سلطة في أي زمان ومكان مسؤولة عن حفظ التوازن في المجتمع بمنطق العدالة لا بمنطق المحاباة، بمنطق محاربة الفساد لا بمنطق إدارته وتدوير نفايات الفاسدين، وأي معارضة تسعى لخلق مشكلات داخلية في ظل العدوان إنما هي جزء من العدوان وليست معارضة مشروعة كما أن أي سلطة تستغل هذا الظرف أيضاً لإسكات المعارضة البناءة إنما هي سلطة غاشمة وغير مسؤولة فالشعب مصدر السلطة وهو كذلك مصدر الشرعية الثورية المستمرّة!!.
(ومن يغتَربْ يَحسبْ عدوّا صديقهُ * ومن لا يكرِمْ نفسه لا يُكرَّمِ)
(زهير بن أبي سلمى) .