هل يتحوَّل العدوان على اليمن إلى حربٍ في الداخل السّعوديّ؟
شارل أبي نادر
شارل أبي نادر

كان لافتاً ما ذكرته مؤخراً صحيفة “الواشنطن بوست” الأميركية، بأنها تتوقع هزيمة مدوية للسعودية في حربها على اليمن، وأن “الحوثيين” حسب وصفها سيتجوّلون في شوارع العاصمة السعودية الرياض قبل نهاية العام الجاري.

اعتبرت الصحيفة أنّ اليمنيين الحوثيين “استغلّوا ضعف الجانب العسكري والسياسي السعودي، بعد سيطرتهم على مناطق واسعة شرق اليمن وتقدّمهم باتجاه مأرب”، ثم عادت وتوقّعت “انهيار النظام السعودي، ولا سيّما بعد الأزمات الماليّة والعائليّة التي عصفت بالبلاد، جراء سياسة الطيش التي ينتهجها الأمير الشاب محمّد بن سلمان”، لافتةً إلى أنّ معنويات المقاتلين اليمنيين في ذروتها، ولن يوقفهم أيّ تهديد من قبل السلطات في المملكة.

للوهلة الأولى، يتفاجأ أيّ متابع بمضمون ما أفصحت عنه “الواشنطن بوست”، ليس لكون ما ذكرته يتمحور حول قدرات الحوثيين، فالموضوع لم يعد مستبعداً، إذا استندنا إلى المسار الأخير للمواجهة بين تحالف العدوان الذي تقوده السعودية، والجيش واللجان الشّعبية اليمنية ووحدات “أنصار الله”.

المفاجئ في ما نشرته الصحيفة الأميركية الأكثر شهرة، هو سبب إقدامها على هذا التصريح الَّذي يؤثر سلباً بشكل كامل، ليس في معنويات العدوان السعودي فحسب، بل في مصداقية العلاقة بين الرياض والإدارة الأميركية أيضاً، إذ تتباهى الأخيرة بدعمها السعودية في هذه الحرب وغيرها.

كما أن هذا الدعم تدفع الرياض ثمنه غالياً من أموالها ومواقفها المرتهنة لواشنطن، فكيف يمكن أن تقوم صحيفة أميركية بهذا العمل المؤذي للعلاقة المذكورة؟ وما هي الرسائل التي يتضمَّنها هذا التصريح الحسّاس؟ وهل نشرت الصّحيفة فعلاً واقعاً ممكناً وقريباً من التحقّق؟

صحيح أنَّ وسائل الإعلام الأميركية تملك هامشاً غير بسيط من الحرية في ما تنشره، بما فيه انتقاد حلفاء واشنطن أو انتقاد الإدارة الأميركية نفسها، ولكن تبقى هناك مساحة من الالتزام بسياسة واشنطن لا تتخطاها، وذلك في ما يختصّ بالأمن القومي الأميركي أو يرتبط به أو يؤثر فيه.

ويؤثر تصريح “الواشنطن بوست” في الأمن القومي الأميركي بنسبة كبيرة، من خلال التصويب على علاقة الإدارة بدولة حليفة تستفيد منها بمليارات الدولارات سنوياً، وبشكل دوري لم يتوقَّف منذ الخمسينيات، كثمن لعقود الأسلحة والمعدات، أو كبدل لصيانتها سنوياً، أو كبدل للاستشارات العسكرية والفنية، إضافةً إلى ما تقدمه المملكة في مواقفها المرتهنة بشكل دائم لمصلحة سياسة واشنطن، وخصوصاً في الشرق، وبالتحديد في العلاقة مع إيران أو في الموقف من القضية الفلسطينية والتطبيع وما شابه.

في الواقع، ومع التطرق أكثر إلى تفاصيل ما أشارت إليه “الواشنطن بوست”، يمكن أن يحمل الموضوع أحد التفسيرين الرئيسين أو الاثنين معاً، وهما:

 

أولاً: لناحية التهويل على السّعودية

ربما يدخل تصريح الصّحيفة ضمن التهديد المبطّن للسعودية، لناحية إرغامها على تأكيد وتثبيت التزامها بالمحافظة على علاقة الدعم الأميركية لها، والمدفوعة نقداً وعدّاً بآلاف المليارات من الدولارات سنوياً، وذلك من خلال إشارتها في سياق التقرير إلى “أن تنامي قدرات الحوثيين العسكرية، واعتمادهم على أنفسهم في تصنيع الكثير من الأسلحة الاستراتيجية، يؤهلهم ليصبحوا أكبر قوة في المنطقة، كما أنّ حرصهم على توطين خبرات التصنيع العسكري يعطيهم المزيد من استقلال القرار وقوة الموقف يوماً بعد آخر”.

من هنا، وفي إشارتها إلى تنامي قدرات “أنصار الله” في تصنيع أسلحة نوعية وإدارة معركة استراتيجية على صعيد إقليمي ودولي، وكأنها تقول للسعودية إن عليها المحافظة على الولايات المتحدة الأميركية كشريك أساسي يحميها من الخطر “الحوثي” المحدق بها، وما عليها إلا متابعة استيراد الأسلحة الأميركية، مهما غلا ثمنها، مع المحافظة على عقود الصيانة والاستشارات الفنية المنظمة مع الأميركيين.

 

ثانياً: لناحية مستوى القدرة القتالية لدى اليمنيين

يحمل تقرير صحيفة “الواشنطن بوست” أيضاً بُعداً جدّياً عن معطيات صحيحة بنسبة كبيرة، حول ما يملكه الحوثيون من إمكانيات عسكرية واستراتيجية تؤهّلهم لتحويل معركتهم في مواجهة التحالف السعودي، من دفاعي في أرضهم إلى هجومي في الداخل السعودي، ومسار معركتهم حتى الآن يرفع، وبنسبة كبيرة، إمكانية فرضهم هذه المعركة داخل السعودية، وذلك من خلال النقاط التالية:

– لناحية القدرة القتالية، أثبت الجيش واللجان الشعبية اليمنية ووحدات “أنصار الله” قدرة متميزة في عمليات المواجهة، دفاعاً وهجوماً. وقد أدخلوا بصمودهم وثباتهم على أكثر الجبهات مدرسة جديدة إلى مدارس القتال المعروفة تاريخياً، ورأينا بعض عناصرها في الجبال الوعرة على حدودهم الشمالية مع السعودية، ورأينا عناصر أخرى من هذه المدرسة القتالية التي ابتكروها، في نجاحهم بمعركة دفاعهم المشهورة عن الساحل الغربي، وتحديداً عن مدينة ومرفأ الحديدة.

– لناحية القدرات النوعية التي امتلكوها وبرعوا في إدارة المعركة الاستراتيجية من خلالها، مثل الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، مع إدخالهم مؤخراً سلاح الدفاع الجوي الّذي خفف بنسبة كبيرة تفوق العدوان الجوي، فهم اليوم قادرون عبر تلك الأسلحة النوعية على تنفيذ ضغط هائل على العدوان، في استهداف مواقعه ومراكزه الحيوية، من مطارات ومنشآت عسكرية أو منشآت مدنية، أو في تغطية أي عملية هجومية برية في الداخل السعودي، وذلك في المحافظات الحدودية الثلاث (نجران وعسير وجازان)، ولدى اليمنيين أكثر من تجربة دخول بري ناجح في العمق السعودي المحاذي لخط المواجهة، من مثل الربوعة في محافظة عسير، أو في مناطق سعودية مشرفة على مدينة نجران مباشرة، أو غيرها من المناطق الحدودية في جازان.

في النهاية، وبمعزل عما رمت إليه صحيفة “الواشنطن بوست” من تقريرها، لناحية التهويل على السعودية أو تصوير القدرة اليمينة على حقيقتها وإمكانياتها القتالية المتقدمة، والتي تخوّلها نقل المعركة إلى الداخل السعودي، أو لناحية الأمرين معاً، يبقى أمر الدخول إلى العمق السعودي وارداً، وبقوة، لا لأن اليمنيين قادرون فحسب، بل لأن استمرار العدوان السعودي على بلادهم من دون أيّ أفق واضح لناحية وقفه، سوف يدفعهم إلى ذلك، لعلّهم يفرضون عبره مخرجاً للحرب، تستصعب السعودية حتى الآن استيعابه برضاها.

 

نقلاً عن الميادين نت


في الثلاثاء 09 يونيو-حزيران 2020 07:23:30 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=2587