“المتميز” .. بين تميز السبك وجمال الأسلوب وقوة التأثير وروحانية المعنى
عفاف محمد
عفاف محمد


رصد التاريخ تراجم شعرية لنا عكست طبيعة الأدب والفن في عصور سالفة وحاضرة، ولعل كتاب “الشِّعر والشُّعراء” من أقدم الكتب المصنفة في تراجم الشعراء، ألَّفه أبو محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري أحد أئمة القرن الثالث الهجري، وهو من طبقة الجاحظ عند المعتزلة، ويعد المؤلف إماما متمكنا له مؤلفات ومصنفات عديدة في جوانب متعددة ويعد كتاب “الشعر والشعراء” من أهم الكتب التي ترجمت لشعراء وأدباء عديدين في عصور سابقة وقد تلته كتب كثيرة وثق فيها المؤرخون والكُتاب والمثقفون تراجم قديمة ومعاصرة لشعراء كانت لهم أدوارهم الفعالة مع المجتمع.
ويعد الشعر – في المفهوم العام- عبارة عن قالب فني موسيقي يتركب من تفاعيل عروضية ويحمل موضوعا ما سواء كان هزليا ام جادا أم على سبيل التندر والفكاهةأو ذو هيئة علمية رصينة.

ولا يخفى أن الشعر قد لاقى اهتماما كبيرا عبر مختلف العصور، فهو الفن الذي تطرب له الآذان وتصغي له الأفئدة بالإضافة لملامسته القضايا الحساسة وتصويرها بشكل فني مؤثر وجذاب، وكما ذكر شاعرنا القدير عبدالقدوس الوزير بقوله:
إن الشعر له عارضتان الأولى: مادية هيكلية وهو المبنى الراسم للنص في قالبه العمودي أو التفعيلة، والعارضة الثانية: روحية معنوية لا حسية وهي معنى الشعر الذي أراده الشاعر من منظومه المقصود في أبياته المرصوصة في ثنايا الكتاب، وهناك من الشعر ما لا يحمل معنى وإن كان مبناه قويا صلبا .

ولما كانت القبائل اليمنية أهل نخوة وغيرة وحميّة وقيم وأنفَه وحس قيمي فقد كان للزوامل إلى جانب القصيد عندها التأثير الأقوى كونه يعد من أقوى منابر الإعلام ومناطق الإفهام ولا يخفى حضوره الطاغي في فترة العدوان خاصة عندما تصدر كلماته من شاعر قد ألم بالأوضاع و بأسلاف القبيلة وحوى في زامله الشوخ والاتقاد والرفض للخنوع وحوى أعراف القبل وشد من عزائمها ودعاهم لقيمها ومبادئها وما يجب عليهم بمنطق صادق تجتمع فيه القوة والإحكام والإبداع والإلمام، وهو يخط على ما عليه تراث القبيلة للزوامل من ألحان بلهجة قَبَلِيّة صارخة.

وفي حديثي لكم عن الشعر والزامل سأطرق لكم باب أحد الشعراء لنطل وإياكم على شاعر معاصر ممن واجهوا العدوان الجائر على يمن الإيمان ونتطلع معاً لسمات قصائده ودورها الفعَّال في تحريك الهمم وإيقاظ الشعور وإلهاب الأحاسيس، حيث التحمت قصائده بالزامل وتركت اثرا فنيا بالغ التأثير، فهو من الشعراء الذين تأثروا بالبيئة الصعدية واكتسب منها الكثير فبات لشعره معنا مأخوذا من اسمه (المتميز).. شاعرنا هو الشاعر الفذ
/ عبدالسلام محمد عبدالرحمن المتميز -محافظة صعدة/ مدينة صعدة/ منطقة رحبان- عضو المكتب الثقافي لأنصار الله.
عضو رابطة علماء اليمن- ماجستير تربية.

تلقى علومه الدينية على يد عدد من كبار العلماء في صعدة كالعلامة الكبير السيد صلاح الهاشمي حفظه الله، والعلامة الكبير السيد حسن الفيشي رحمه الله، ودرس القرآن الكريم لدى السيد العلامَّة الحُجَّة السيد بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه.

عمل مدرسا لعدة سنوات، وله عدة بحوث ومؤلفات علمية لم تطبع بعد، وله ديوان شعر تحت الطبع.
له مشاركات شعرية في عدد من المحافل الشعبية والرسمية التوعوية والعلمية، والمساجلات الشعرية كاحتفالات المراكز الصيفية، والمناسبات والفعاليات الجهادية والوطنية، وبعض المشاركات الخارجية في لبنان والعراق في بعض فعاليات القوى المناهضة للصهيونية والهيمنة الأمريكية.

نال عددا من الأوسمة والدروع التكريمية في عدد من المهرجانات الأدبية، كمهرجان الرسول الأعظم لعدة سنوات، ونال وسام (أشعر الشعراء) من الأستاذ الناقد الكبير أحمد الوشلي رئيس مجلس كبار النقاد العرب للعام ٢٠١٣_٢٠١٤م عضو مجلس الشورى في الجمهورية اليمنية.

له ما يربو على عشرين أنشودة مما أنشدته (فرقة أنصار الله) الإنشادية، وما يقارب ستين زاملا تعبويا وتوعويا مما أنشده المنشد المبدع عيسى الليث في مواجهة العدوان السعودي الأمريكي الظالم على اليمن.

منها على سبيل المثال:
– إلى الجبهات ربي يناديني.
– شامخ كياني
– الطاهش البطاش
– يالله باسمك هاجت امواجي
– فارس منبر وميدان
– يالله ياعالم بهمسي والاسرار
– يقبل سعود جنيف والا ننتجف
– يا هل العز يا شعبي
– ارض اليمن رملها بارود
– قابض على الكورنيت لوسرت الكويت.
– فرصة لقطع الشر ياحلف الشر
– الدفاع الجوي
– فاوض عدو الله بخشم البندق
– أعظم تحية للجان الشعبية
– يا دعاة المعارك والقتال
– يا ذيول الأمركة
– هبَّت هبايب النود
– يا قرن شيطان القوى العدوانية
– سميت باسم الله على أبواب نجران
– رجال البحرية… وغيرها الكثير.

حِرت من أين أبدأ الرحلة مع هذا الشاعر وكيف سأعبر في أفيائها الغنَّاء، وهل يمكنني الطواف على جميع أشجارها الباسقة وزهورها العطرة وثمارها اليانعة وهل سأصل إلى مرفأ الختام.. إنها رحلة شيقة بالفعل مع شاعر تميز وتألق وأبدع.. إنه مهندس معماري وفنان تشكيلي وسبَّاك ماهر في صياغة النص بحرفية عالية وتميز فريد يخرج الزامل الشعبي على يديه بأوزان مختلفة وقواف متعددة فيبدو للقارئ لأول وهلة أنه غير متناسق، وما إن يعيد القراءة ويمعن النظر حتى يتجلى الإبداع في أرقى صوره ليعود بعدها لقراءته مرات ومرات، وما إن يشدو به ليث اليمن وصوتها الأبي وقيثارتها الصادحة حتى تتبدى تلك الزوامل وكأنها سبائك من الألماس وشلالات من العطر تنسكب في أذن السامع فيحلِّق معها حيث فضاءتها الملكوتية وميادينها الجهادية كما كان حال الجميع مع زامل إلى الجبهات ربي يناديني ذلك الزامل الذي كان له الأثر الكبير داخليا وخارجيا، ومن الزوامل المشابهة زامل “فارس منبر وميدان”.

وهنا نلاحظ العلاقة الوثيقة بين الزاملين من حيث التركيب الشعري ومن حيث الألفاظ ومن حيث العزف على وتر العاطفة في الزاملين، ففي زامل “إلى الجبهات…” نجد هذا المقطع:

أشوف أشلاء لاطفالي وثكلى دمعها حمرا
أفز اتحزم الألي
وحط النار في المجرى
وفي زامل : “فارس منبر وميدان”
نجده يقول :
عهد لعينك الحمرا
واشلائك الحرى
بنحرر المسرى
ووعد الحر دين

وفي هذين المقطعين نجد الشاعر يستنفر العاطفة بالإشلاء والدموع ويضع الحل في الوقت نفسه (أفز اتحزم الآلي) بما لكلمة “أفز” من وقع بالغ على النفس، حيث الفعل لا يحتمل التأخر وكأنه استيقظ فجأة ليجفف تلك الدموع ويثأر لتلك الأشلاء.
وفي زامل “فارس منبر وميدان” بعد أن تعهد الشاعر لتلك العيون الحمرا والأشلاء الحرى بتحرير المسرى يؤكد الشاعر في الشطر التالي أن وعد الحر دين في تلميح غير مباشر بضرورة الانطلاق لتحرير الأرض اليمنية وصولا إلى الأقصى بإذن الل،ه والشعب اليمني حر بالتأكيد وسيفي بالعهد”، ويمكن تقسيم قصائد شاعرنا إلى عدة أقسام منها الحماسي الموجه للخارج مثل “الطاهش البطاش”، وزامل “سمرت نا القاذف على عظم الكتف”، ومنها الزوامل الاستنفارية كزامل “إلى الجبهات ربي يناديني” ومنها الزوامل التي تغمرها الروحانية فتتدفق عذبة كالسسبيل، وتبدو ساكنة هادئة كقلب الناسك حين يناجي ربه في هدأة الليل وسكونه كالزامل الذي يقول فيه:

يا الله يا عالم بهمسي ولاسرار
فيك الرجا ما نقصد اسواك ثاني
لاتخزني يوم القيامة بالاوزار
ألقاك ابيض وجه شامخ كياني
وأنت يا ليل جدد فيك صدق العهودي
في رضا الله حيا بالصعاب الشديدة
في سكونك سمعت الله يملا وجودي
في ظلامك تأملت الدروب الرشيدة

فما أجمل وأعذب هذه التدفق في مقام العشق الإلهي الخالص، في السكون كأن الله يملأ وجوده، وفي الظلام لاحت الدروب المشرقة الرشيدة

كم تبدو الصورة مدهشة حقا حين يكون هناك تمازج وانسجام بين الروحانية والصور الجمالية والتضاد الأروع..

وبالإضافة لما سبق فإن لشاعرنا باع طويل في الشعر الفصيح، فله العديد والعديد من القصائد المطولة وأيضا الكثير من المقطفات الشعرية التي يلقيها في الفعاليات ونذكر منها قصيدة “إرث الأنبياء” التي ألقاها الشاعر في ملتقى علماء اليمن ضد التدخل الأمريكي ويقول في مطلعها:

جهارا ولم يعد الأمر سرا
فهل جئت تمنحهم منك صبرا

في القصيدة المذكورة إباء وشموخ وتحد في وبلاغة وجمال وانسياب وإشارات وايحاءت لمسيرة الأنبياء عصا موسى، طور سينا، الكهف ….والعديد من الألفاظ الدالالية..

وقد ترجمت أحاسيس الشاعر المتميز الملقب بأشعر الشعراء مدى تفاعله مع الخطوب التي عصفت بقومه، حيث قام بإشعال منارة النّداء على كل قمّة، وعبَّر تلك الكلمات المشتعلة في دعوة عاجلة للنّكف القبلي..

أطلقت قريحتة قصائد كان لها وقع بليغ، وقد حمل هذا الشاعر الثائر الحكمة والأسلوب السلس والرغبة والقوة في قتال الأعداء والاندفاع بقوة

للقتال بحماس صادق وكلّه غضب وعزم وشحْذ وإصرار له القول وعليه الفعل، حين ينادي القوم بكلماته وعيناه للجبهات فإنّه يتواجد في أقوى منبر وكلماته أبلغ آية وأفضل رسالة وأشد وقعا واقوى تأثيرا على أسماع أحرار القبائل..

أشعل القلوب حماسة وحشرها إلى المواجهة المقدّسة أفواجاً، وباتوا من وقع قصائده صواريخ لا يقف لبأسها عدد ولا يغلبها أحد ولايرهبها مدد وكل قَبِيلَة تتباهى ببأسها وتسعى لتبييض وجوه رجالها بتصدّر أقوى المواقف وأعنف الضربات، فلله دره من شاعر قلَّ الزمان أن يجود بمثله.


في الإثنين 22 يونيو-حزيران 2020 07:39:31 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=2624