|
كم من الفرص تضيع على الأفراد والجماعات إما بفعل اللامبالاة أو التفريط أو الاتكالية ، وعدم الإحساس بالمسؤولية ، وما أقصده بالفرص الضائعة بالطبع الفرص المشروعة التي تسنح لأي فرد أو جماعة يصل أو تصل إلى السلطة وتحاول الحفاظ عليها ، وليس بين الوسائل المشروعة بالطبع الاستعانة بالعدوان او التدخل الأجنبي والاستقواء به على شريك الوطن !، نعم من حق أي فرد أو جماعة الوصول إلى السلطة باستخدام الشرعية الدستورية أو الثورية الداخلية إذا ضاقت بها السبل ، ولأداء مهمة أو رسالة تحقيق العدالة وإزاحة أسباب الظلم كونهم جزءاً من الشعب وتعرض لشكل من أشكال الاضطهاد وهذا الحق الذي يكتسب الشرعيتين (الثورية والدستورية !) إنما هو لمبدأ البحث عن العدالة وليس لفرد أو فئة بذاتها؛
ووفق هذه القاعدة فإن كل محطة تاريخية من محطات تغيير السلطة أو الاستيلاء عليها في ظل ظرف معين بعنوان ثورة أو انقلاب أو حركة تصحيح أو انتخابات أياً كان مستوى نزاهتها تعد محطات تاريخية وبالتالي قد تصبح فرص ضائعة ، وأرجو ألا يُفهم أن هذه دعوى للفوضى المفتوحة على مصراعيها ، وإلا كان معنى ذلك دعوة للفتنة الدائمة ، ما أقصده أن محطات تغيير السلطة ينبع من طبيعتها المتحولة مهما تشبث بها المتشبثون ، لكني ربطت بين فرصة اكتساب أي محطة للمشروعية بما يقوم به أصحابها من إعادة ترتيب الأوضاع بما يحقق العدل ويشعر معه المواطن بالأمن والعيش الكريم ، وهي الرسالة الأسمى التي ينبغي لأي سلطة القيام بها ، وفوات الفرص المقصودة هو ما ينتج عن تراخيها في أداء هذه الرسالة وواجباتها إذ يتحول قائد الفرصة الضائعة مهما كانت نواياه من حامل للرسالة والمسؤولية إلى حامل هم المواءمة بين المصالح والغنائم غير المشروعة وهذا لعمري إنما هو طريق ضياع كل الفرص المشروعة منها وغير المشروعة بل طريق الخسران المبين للدنيا والآخرة والعياذ بالله ، لأن كليهما مرتبط بالآخر ارتباط المقدمات بالنتائج ، فما الحياة الدنيا سوى طريق لحياة الآخرة وفقاً للمفهوم الإسلامي (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) ؛
هذا التقديم للموت على الحياة في الآية فيه إشارة واضحة لقِصَر عُمْر الإنسان مهما طال فحياته بهذا المعنى سواء العامة أو الخاصة ليست سوى فرصة كثيراً ما تضيع على من تغره السلطة وتقضي على من يكتوي بنارها سواء وصل إليها على ظهر دبابة أو عبر صندوق انتخابات أياً كان مستوى تزويرها أو أو أو …إلخ؛
ومن أعراض هذا الداء محاولة الطغاة المصابين به صرف أنظار الناس عن كرسي السلطة وادعاء الزهد فيه وقد رأينا كيف أمسك به بعضهم بأسنانه وأظافره وكيف كان أداة بيد من يقود العدوان اليوم في ارتكاب أبشع الجرائم للوصول إلى الكرسي ، ثم في تجويع الناس وتركيعهم وتضليلهم ، والاستمتاع بتعذيبهم وشن أنواع الحروب عليهم على مدى عقود حكمه وفي سبيل البقاء ممسكا به رغم تشبيهه للجلوس على هذا الكرسي بمن يرقص على رؤوس الثعابين ليظهر بمظهر المضحي عنهم ، وواقع الحال أنه كان يرقص على أرواح الناس ومعاناتهم بفساده الممنهج ولامسؤوليته ، والوقائع والشهادات والأمثلة كثيرة ، ومن يرى أن تشخيص ونقد أخطاء الحكام وسلوكهم في أداء الوظيفة العامة غير مقبول أخلاقياً اعتماداً على مقولة ( اذكروا محاسن موتاكم ) خاطئ لأن دفن أخطائهم تشجيع لهم على استمرار شره التسلط بل هو جريمة لما فيه من خلط بين السلوك الشخصي للحكام وسلوكهم في أداء وظائفهم ، فالسلطة مسؤولية قانونية وشرعية وأخلاقية يترتب على ممارستها حقوق عامة وخاصة ، ومن يصل إليها لابد من خضوعه لمرآة النقد والبعد عن التمجيد والتفخيم ورفع الصور في حياته لئلا يغتر ويتمادى ، وبعد موته لتعلق عمله بالمصلحة العامة التي لايجوز التفريط بها سواءً بالعفو أو بالسكوت فالسكوت جريمة سلبية والعفو الذي نمارسه مع الرؤساء أو يمارسه الرؤساء مع المجرمين جريمة لما يعنيه من تفريط بالمصلحة العامة فالعفو العام الذي يمارسه الرؤساء ليس حقاً لهم يخضع لمزاجهم أو تقديراتهم الخاصة ومن يوسوس لهم لكنه مسئولية لابد أن يتقيدوا بشروطها وأحكامها ، والعفو العام لا ينبغي أن يستخدم وسيلة للدعاية أو كسب الولاءات ،
ولأن الفرص الضائعة تختلف باختلاف الظروف التاريخية يجب التركيز على تجنب التوهان في الاختلافات والإمساك بعنصر الأمن والعدالة والتمسك بهما ليس من منطلق السعي لطول البقاء في السلطة فهذا خارج إرادة الإنسان مهما بلغ من القوة والذكاء (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) ، ما يخلد الحاكم هو سلوكه مهما قصرت مدة حكمه والأمثلة كثيرة على خلود ذكرى من لم تَزِدْ مدة بقائه في السلطة عن ثلاث سنوات وتلاشي ذِكْر من دام حكمُهُ أكثر من ثلاثة وثلاثين سنة ومقياس الخلود هنا واضح بأنه في الدنيا والآخرة فصاحب الذكرى العطرة تبقى ذكراه على مر العصور وحياته القصيرة في السلطة مطلب اقتداء فهو خالدٌ في الدنيا والآخرة ، وبذلك فان أقصر السلطات عمراً وأكثرها بؤساً هي تلك التي تسعى لمراضاة الظلمة والمفسدين بالمناصب أو بالمال العام وهذا المسلك هو بوابة الضياع ومقياس مدى الالتزام بحمل الأمانة أو التفريط بها ، والتمسك بالسلطة هو أقرب الطرق للهلاك والمنافقون وعلماء السلطان في كل عصر هم من يزينون له طريق الضلال وأول من يتبرأ منه !.
مطية العمرِ تذروهُ رياحُ السياسةْ
فمتى يحصدُ الشعب قمحَ أحلامه؟!.
في الثلاثاء 07 يوليو-تموز 2020 07:34:57 م