العدالة بين شجاعة القاضي وخذلان المؤسسة!
عبدالعزيز البغدادي
عبدالعزيز البغدادي

(إلى القاضي اللبناني الشجاع محمد مازح)

المقصود بالقاضي الشجاع نموذج القاضي النزيه والعادل ، أما المقصود بالمؤسسة فهي المؤسسة القضائية التي تَجْمَع هيئات القضاء في ورشة عمل دائمة لرسم السياسات ووضع التشريعات الناظمَة لعملها وعلاقاتها بما يوجد القاضي النموذج الذي يستحق وقوفها ووقوف المجتمع إلى جانبه لضمان الحصانة والحماية القانونيتين ، ويمثل هذه المؤسسة في الوطن العربي والعالم مجالس القضاء التي تمثل الأنظمة السياسية الكسيحة غالباً الموحدة في بعضها والمتعددة في البعض الآخر ، ومهما أضفي على وظيفة القاضي من رمزية التبجيل ، فهو موظف عليه واجبات وله حقوق ولا يَستقيم ويُحترم عمل سلطة القضاء بدون الموازنة بينهما ، هذه المقدمة تدور بذهني كلما واجهت قضية رأي عام كسلطة رابعة !، ولتشابه المعاناة بين اليمن ولبنان يجدر المرور بما أصدره القاضي اللبناني محمد مازح / قاضي القضايا المستعجلة في مدينة صور اللبنانية من أمرٍ على عريضة تقدمت بها السيدة / فاتن علي قصير عبر البريد الالكتروني في 26/ 6/ 2020 بعد مشاهدتها مقابلة السفيرة الأمريكية (دوروثي شيا ) في لبنان على قناة العربية (الحدث ) ، فهي قضية تستحق دراسة معمقة تلم بجوانبها القانونية والقضائية ومدى التأثير السياسي عليهما ولكني هنا أكتفي بالمرور السريع بما يتناسب مع حيز اليوميات ؛


في 26 /6 /2020 تقدمت السيدة اللبنانية فاتن علي قصير بعريضة استدعاء تضمنت أنها استمعت لمقابلة السفيرة الأمريكية مع قناة الحدث وأنها تسيء للشعب اللبناني وتثير الفتن والعصبيات وتؤجج الصراعات المذهبية والطائفية إلى آخر ما جاء فيها وطلبت اتخاذ تدبير بوضع حل لهذه التصريحات؛


وفي اليوم 27 /6 /2020 أصدر القاضي مازح أمراً على عريضة قضى بمنع أي وسيلة إعلامية لبنانية أو أجنبية تعمل على الأراضي اللبنانية سواءً كانت مرئية أو مسموعة أو مكتوبة أو الكترونية من إجراء أي مقابلة مع السفيرة الأمريكية أو أي حديث معها لمدة سنة تحت طائلة وقف الوسيلة الإعلامية المعنية عن العمل لمدة مماثلة بحال عدم التقيد بهذا الأمر وتحت طائلة الوسيلة الإعلامية المعنية بدفع مبلغ ( 200,000 ) مائتي ألف دولار أمريكي كغرامة إكراهية بحال عدم الالتزام بمندرجات هذا الأمر ، وقد تباينت ردود الأفعال بين مؤيد ومندد ومنها : ما كتبه الأستاذ المحامي نديم البستاني في 28/حزيران/2020 بعنوان ( رأي قانوني ) المنشور في صحيفة النهار اللبنانية المتبنية لخط يرى أن التدخل الأمريكي في شئون لبنان يمثل الحضارة والحرية !! ووصف المحامي أمر القاضي بالمهزلة بحق القانون والقضاء ومن يقرأ تسبيباته يجدها المهزلة بعينها للأسباب التالية :


1- أن كل لبناني تتوافر له في هذه القضية الصفة والمصلحة واستثناء لقاعدة ( القاضي لا يحكم بعلمه ) فإنه في مثل هذه القضية يحكم بعلمه لأنها قضية مشهودة للعموم بل إن تصريحات السفيرة الأمريكية ليست فقط تخالف اتفاقية ڤينا للعلاقات الدبلوماسية بل وتشكل جرائم مشهودة تطال كل اللبنانيين وتمس مصالحهم !.
2- وجه لبنان الذي ينبغي أن يكون منهاجاً إلزامياً يبدأ باحترام سيادة لبنان وعدم التدخل في شئونه .
3- لم يفرق الأستاذ المحامي بين حرية الرأي وبين المساس باستقلال لبنان وتحريض اللبنانيين ضد بعضهم .
4- وصف المحامي للضرر المترتب على تصريحات وأنشطة السفيرة الأمريكية بالضرر الاحتمالي فضيحة قانونية وأخلاقية !.
5- خلط المحامي بين حق الانتماء لحزب الله وبين تسجيله فالتسجيل لا ينشئ الحق وإنما يبينه ؛ جمع كبير من الزملاء المحامين بمثل هذه التجاذبات لا يكترثون لشرف المهنة ولا يهتمون بالتفريق بين الانتماء السياسي والارتهان للخارج ومعلوم أن المحاماة مهنة علمية حرة تشكل إما ركيزة أساسية في بنية القضاء الحر والنزيه أو معول من معاول هدمه تماما كالقاضي !


أمر القاضي يستند إلى : ( لا يحق للأجنبي كائناً من كان إثارة النعرات الطائفية والمذهبية والسياسية في بلد ما وتعريض سلمه الأهلي للخطر وواجب الدبلوماسي القانوني والأخلاقي احترام سيادة الدولة ونظامها وإتقان اللغة الدبلوماسية فما الذي أثار الأستاذ البستاني ؟!.


وزارة الخارجية اللبنانية استقبلت السفيرة في 28/6/2020 لتعتذر لها بدلاً من تنبيهها بالالتزام باتفاقية ڤينا وقواعد القانون الدولي ، لتصرح عقب اللقاء بأن المسؤول عن تدهور الاقتصاد اللبناني هو الفساد متجاهلة أن جيوش المفسدين في لبنان والوطن العربي ومعظم أنحاء العالم من إنتاج وإدارة أمريكا الداعمة للإرهاب والفساد الممنهج وواضح أن الهدف من تكرار زياراتها وتصريحاتها هو مخالفة أمر القاضي كشكل من أشكال انتهاك السيادة !
وفي 30 /6 /2020 استدعى مجلس القضاء القاضي محمد مازح لمساءلته ودعم سفيرة الإرهاب عوضاً عن الوقوف إلى جانبه ، وفي اتصال هاتفي أجرته معه قناة المنار يوم الثلاثاء 7 /7 /2020 أكد فيه أن تحية السيد حسن نصر الله له شرف عظيم وقال : كان أهون عليّ أن أُسأل في قضايا خاصة على أن اُسأل في قضية وطن ، وفي صفحته على الفيسبوك خاطب السيد حسن : (قلدتني اليوم أرفع وسام أيها الحبيب سماحة الأمين العام.. يا لشرف عظيم نلته من بين الأنام.. حُلما جاء تأويله رأيتهُ في اليقظة وفي المنام … قُبلاتي لعمامتكم الطاهرة مكللة بألف سلام.)


واقع القضاء في الوطن العربي يؤكد أن القضاء برسم السياسة التابعة فهناك قضاة يصدرون أحكاما تجعل من بقائهم عارا على القضاء وكل قاضٍ حر شريف معرض لما تعرض له القاضي مازح ولذا يجب البحث عن السبل التي تحول دون أن يبقى مجلس القضاء في أي دولة أداة من أدوات دعم الفساد وترسيخ دعائم الظلم وهذا موضوع بحث مستمر !.


(ربّما خابَ رجاءٌ * وأتى ما ليسَ يُرجى)
(أبو تمّام)


في الثلاثاء 14 يوليو-تموز 2020 08:10:03 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=2689