|
تتسارَعُ العملياتُ الميدانيةُ التي تقومُ بها وحداتُ الجيش اليمني واللجان الشعبيّة وأنصار الله، على طريق تحرير كامل الجغرافيا اليمنية، ومع تركيز هذه العمليات في المرحلة الأخيرة على محافظة البيضاء، وبالتحديد على المديريات والمناطق التي ما زالت تشهد تواجداً للمجموعات الإجرامية من “داعش” و”القاعدة”، مثل القيفة ويكلا ومعسكر الكامب وجبل نوفان شمال مديرية ولد ربيع، كانت لافتةً مؤخّراً عمليةُ تحرير القسم الأكبر من المديرية الأخيرة (ولد ربيع) وعلى مسافة تجاوزت ألف كلم مربع تقريبًا، من المجموعات المتشدّدة التابعة لتنظيمي “داعش” و”القاعدة”.
تكمُنُ الأهميّةُ الاستراتيجية للعملية الأخيرة (تحرير مديرية ولد ربيع)، في أنها تحملُ نقاطًا حساسة جِـدًّا، سوف تكون لها تأثيراتٌ أَسَاسية ورئيسة في مسار عملية الدفاع ضد تحالف العدوان بشكل عام، بالإضافة لما تحمله من تأثيرات سلبية على ما تبقى في الوسط الشرقي لليمن، من نفوذ وتواجد ميداني لمرتزِقة تحالف العدوان وللمجموعات المتشدّدة التي تقاتل تحت راية الأخير. ويمكن تحديد هذه النقاط بالتالي:
عسكريًّا وميدانياً
تعتبر محافظة البيضاء من أكثر المحافظات اليمنية المرتبطة جغرافيًا بشكل مباشر مع العدد الأكبر من المحافظات الأُخرى في اليمن، حيث ترتبط بمحافظات مأرب والضالع وشبوة وحضرموت وأبين والجوف وتعز وصنعاء وإب، كما أنها تمسك أهمَّ معابر الطرق الرئيسية بين شرق وغرب اليمن وبين شماله وبين جنوبه.
انطلاقاً من هذه الجغرافيا المميزة، يمكن فهم قيمة ما تمثله السيطرة على محافظة البيضاء في مسار الحرب التي تشن على اليمن منذ ست سنوات تقريبًا، وحيث تتداخل جغرافيتها مع أغلب مواقع المرتزِقة وتحالف العدوان والمتشدّدين، يمكن وانطلاقا من تحريرها، امتلاك أكثر من قاعدة هجومية مناسبة لاستكمال عمليات تحرير اليمن، نحو مدن الساحل الجنوبية (المكلا وزنجبار) أَو نحو حضرموت شرقًا أَو نحو لحج وعدن جنوبا أَو نحو تعز جنوب غرب، أَو نحو مأرب شمالًا.
مع تحريرِ كامل محافظة البيضاء، (الباقي منها غير المحرّر يبلغ حوالي 30 بالمئة حدًّا أقصى)، يكونُ الجيشُ واللجان الشعبيّة ووحداتُ أنصار الله قد حقّقوا فصلًا نهائيًّا بين وحدات العدوان ومرتزِقته والمتشدّدين، بين مأرب وبين الساحل في شبوة وحضرموت في الشرق، الأمر الذي يحرم جبهته في مأرب من أقوى وأشرس المقاتلين من المتشدّدين التابعين لتنظيمي “القاعدة” و”داعش”، الأمر الذي سوف يُسَرِّعُ من حسم معركة تحرير مأرب.
بعدَ تحريرِ مأرب، يخسر العدوانُ ومرتزِقتُه آخرَ وأقوى نقطة ارتكاز ميدانية وعسكرية في وسط وشرق اليمن، الأمر الذي سوف يُفقِده النقطة الأخيرة التي طالما عوّل عليها، في أغلب محاولاته للضغط على صنعاء عبر صرواح وتبة نِهم، أَو في محاولاته المتعددة للضغط على صعدة عبر مفرق الجوف والحزم انطلاقاً من مأرب، وحينها لن يعود حتماً قادرًا على تنظيم أية محاولة ميدانية وبأيِّ اتّجاه، مما يجعل استمراره في معركته سرابًا واستحالة أكيدة، خَاصَّةً بعد أن تثبتت هزيمتُه وتأكّـد عجزه في الحديدة ساحلاً، وعلى كافة جبهات الحدود الشمالية مع محافظات نجران وعسير وجيزان السعودية.
شعبيًّا وسياسيًّا
تُشَكِّلُ حَـاليًّا محافظةُ البيضاء ومديرياتها، خزَّانًا لا يستهان به من القبائل اليمينة القوية، القادرة على القتال، وبالتالي القادرة على احداث فارق غير بسيط عند قيامها بدعم طرف معين، وبعد تحرير المحافظة من المتشدّدين، والذين طالما كانوا مدعومين من التحالف، بالمال وبالسلاح وبالتغطية الجوية عند أي طارئ، سوف تتحرّر تلك القبائل من ضغوط العدوان والمرتزِقة، وسيؤمن وقوفها مع الجيش واللجان الشعبيّة للأخيرة، أكثر من نقطة قوة، شعبيًّا وسياسيًّا وعسكريًّا، بشكل لا يُستهانُ به، مما سيساهمُ حتمًا في ترجيحِ كفةِ جبهةِ صنعاء الوطنية في وسط اليمن الشرقي بشكل كبير، وخَاصَّةً في مأرب، وبالتالي سوف يتثبت ويقوى أكثر فأكثر نفوذ تلك الجبهة (جبهة صنعاء الوطنية)، مقابلَ تدحرج وانهيار قدرات المرتزِقة وتحالف العدوان بشكل عام.
مِن هُنا، وإزاءَ ما يمكنُ أن يحقّقَه تحريرُ كامل محافظة البيضاء في البُعدين العسكري والميداني، من نقاط إيجابية لصالح الجيش واللجان الشعبيّة ووحدات أنصار الله، مع ما يمكن أن يؤمِّنَه هذا التحرير أَيْـضاً لهؤلاء (جبهة صنعاء الوطنية) على الصعيدين الشعبي والسياسي، من الطبيعي والمنطقي أن يجد العدوان نفسَه في وضع غير مناسب لإكمال معركته، وبالتالي سيجد هذا العدوان أن هناك استحالةً واضحة في تحقيق أيٍّ من أهدافه التي وضعها عند بداية عملياته العسكرية في اليمن، الأمر الذي سوف يدفعه (إذا قرّر عدمَ الذهاب نحو الانتحار أَو النهاية القاتلة) لأَنْ يبحثَ عن مخرجٍ مناسب لعدوانه، يحفظُ من خلاله ما تبقى له من ماء الوجه، ويخرج من مستنقع اليمن، عبر تسويةٍ مشرِّفةٍ وعادلةٍ لجميع الأطراف، وذلك قبلَ فواتِ الأوان.
في الإثنين 24 أغسطس-آب 2020 07:12:05 م