مؤسسة الفعل الثوري حق عام يسنده القرآن والدستور!
عبدالعزيز البغدادي
عبدالعزيز البغدادي

ديمومة الثورة واستمراريتها قضية عامة ترتبط بديمومة واستمرارية الحياة، وهي حقٌ عام يهدف وجوباً إلى منع المزيد من تقسيم المقسم وتجزيء المجزأ في هذه الأمة ، وفي الآية (11) من سورة الرعد (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) دعوة واضحة لاستمرارية تغيير الإنسان نفسه واعتبار التغيير أو الثورة (عملية مستمرة) تبدأ بالنفس لتمتد آثارها إلى أي مدى في العالم ، وهذا المبدأ أو العملية تدعمه آيات أخرى أيضاً تؤكد على أن إصلاح وتغيير النفس أو الذات مدخل لتغيير الآخر ، ومن هذه الآيات : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ) آية (7) سورة البقرة ، و(كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) آية (3) سورة الصف، وآيات ومبادئ أخرى كثيرة تشكل قواعد لاستمرارية الثورة وتبين أسس بناء هذه الاستمرارية بما ينظمها ويحكمها من الانفلات والفوضى والتسيب مع بقاء أفقها المفتوح الشامل لتغيير النفس كمنطلق لتغيير العالم ، وهو ما يجعل فعل الثورة المنظمة مؤسسة للتغيير المستمر كحاجة لمواجهة المتطلبات المتجددة والمشروعة دعوة مفتوحة توضح خاصية فريدة من نوعها في تعريف علاقة الإنسان بالسلطة والمسؤولية في الإسلام وتعطي الفرد المسلم دفعة من الحرية المسؤولة والاختيار والمساواة في حق الدعوة إلى التغيير تأسيساً على بناء الذات القدوة بما قد يفوق مقتضيات المواطنة المتساوية مسنودة بدعوة إلهية للتحرر من الاستبداد ومقاومة أي مفاهيم مغلوطة عن العلاقة المؤدلجة بين الخالق والمخلوق وهذا العمل قد يخلق فرصة للقضاء على أسباب الفتن ويمنع استغلال الدين(مؤسسة الفعل الثوري) بهذا المعنى سيؤسس بإذن الله لعمل ثوري عظيم !؛


الخطاب القرآني عام ومجرد وبالطبع ملزم ويتضمن نداءات عامة وواضحة لا تقبل المغالطة والمراوغة والخداع أو الاستحواذ، خطاب يرفض التكفير والبشاعات التي مارستها داعش والقاعدة في سوريا والعراق واليمن وليبيا والعالم ومحاولات السطو على السلطة والاستحواذ عليها في كل بقاع الأرض (يأيها الناس، يا أيها الذين آمنوا، يابني آدم، …..)؛


عمومية الخطاب والمخاطب تؤكد أن الدعوة لاستمرارية التغيير مسؤولية ومبدأ من قام بها تحمّلَ مسؤولية وتبعات عمله وما يتحمله وهي أمانة تلزم من يتحملها القيام بواجبها وتحقيق النتائج في الدنيا قبل الآخرة وليست امتيازاً شخصياً أو أسرياً أو فئوياً ومن الضروري خضوع القائم بها للمساءلة الدنيوية ، وهذا لا ينفي الحساب الأخروي !، واستمرارية الثورة تمنع الخلط بين مقتضيات الدعوة الدينية القائمة على الترغيب والترهيب وما يترتب عليها في الدنيا والآخرة وبين الدعوة إلى الدولة المدنية أو العلمانية القائمة على النظرة الدنيوية وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب في أداء الوظيفة العامة ، والدعوة إلى عدم الخلط لا تعني بالضرورة القطيعة بينهما لأن القطيعة مستحيلة في المجتمعات التي يغلب عليها التدين، ففي هذه المجتمعات يوجد قاسم مشترك ينبغي أن لا يتجاهله أصحاب الدعوة الدينية والمدنية والعلمانية معاً، هذا القاسم المشترك هو حقوق الناس في الدنيا التي لا يجوز التفريط بها فهي حقوق حالّة واجبة الأداء في الدنيا وربما العقاب في الآخرة، وما هو واجب الأداء في الدنيا ينبغي على السلطات سواءً كانت صبغتها مدنية أو دينية إلزام الكافة القيام بمقتضياتها ، أما ما يتعلق بالأمور الغيبية فمرجع التقصير فيه إلى الله عالم الغيب والشهادة .

فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ آية 21، 22 سورة الغاشية )؛


ومن خصائص الدعوة إلى استمرارية الثورة أو الشرعية الثورية بموجب هذه الدعوة المفتوحة المرتكزة على الأساس القرآني (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) عدم قبول الاتكال والتواكل لأن رسالة التغيير مسؤولية فردية وجماعية مستمرة والنفي القاطع لإمكانية حدوث أي تغيير بدون تحريك القدرات الذاتية القائمة على الأسس والمبادئ وبلغة العصر التمسك :(مبدأ سيادة القانون) والابتعاد عن الأمزجة واستخدام الدين ستاراً لبعض الممارسات الفاسدة والأخطاء القاتلة ، واحترام تضحيات الشهداء بمراجعة وتطبيق المبادئ التي ضحوا بأرواحهم في سبيل تحقيقها وهي مهمة قائمة لا تطلب من الإنسان سوى بذل ما في وسعه والتحلي بروح المسؤولية (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) والوسع يضيق ويتسع بقدر سعة وضيق النفوس والأرواح كما قال المتنبي :

(على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ * وتأتي عـــــلى قدر الكرامِ المكارمُ
وتكبرُ في عين الصغيرِ صــــــغارها * وتصغرُ في عينٍ العظيمِ العظائمُ) .


في الثلاثاء 25 أغسطس-آب 2020 07:07:39 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=2800