|
لكل مدينة في الدنيا نسيج معنوي يُغزل منهُ معناها وعناصر مادية يتكون منها مبناها ، ولكل منها صورة ونكهة وقالب يميزها عن بقية المدن .
وللعواصم – إلى جانب الرمزية المدنية والإنسانية والحضارية – رمزية سياسية وعسكرية واستراتيجية تستمدها من الروح الجامعة لكل مجتمع ولهذا فإن غزاة أي بلد يركزون على إسقاط العاصمة لأنها العمود الفقري لمعنوية كل الشعب .
وبهذا المعنى السياسي والعسكري فإن الدفاع عن العاصمة أي عاصمة – يفترض أن يكون الجامع لكل من لديه عرقٌ ينبض بأي معنى من معاني الحياة والوطنية والكرامة !.
ولأن أي عاصمة هي مركز السياسة والإدارة ومحور تشكل الثقافة الوطنية فإنها مهوى كل أبناء الوطن دون تمييز، وإن تباينت الفرص والقدرات على الإقامة بها، فهي رمز ائتلاف المختلف ومجمع الأشتات ، وهي وطن كل أبناء الوطن من يسكنها جسداً ومن يساكنها روحاً ، إنها رمز الوطن المتعدد والدولة الواحدة ! أو التي يفترض أنها واحدة أرضاً مهما تعددت التضاريس وشعباً وإن تشعبت الأحلام وتعددت اللهجات ودستوراً مهما اختلفت الرؤى وعَلَماً ولو كثرت الأعلام والرايات وهي نشيد كل الأناشيد !!!.
تتسع إنسانياً أكثر من مساحة الجغرافيا في الواقع وفي الحُلمْ؛ لكن ما نشهده على أرض الواقع من مفارقات تفوق الخيال ومن الأمثلة أننا نرى ممن يسكنون العاصمة يعجزون عن الشعور بالانتماء إليها مهما طال المُقَامْ على أرضها رغم أن بعضهم يملكون فيها قصوراً لكن وجدانهم يبقى تائهاً يقهره انتماؤهم القروي أو القبلي أو الانشغال بشجرة العائلة بدلاً عن شجرة الوطن ما يجعلهم عاجزين عن إيجاد معنى الانتماء الوطني كبوابة للانتماء للإنسانية.
يعيشون في مستقرهم بلا حياة ولا حياء ، وأنا هنا لستُ ساخراً منهم ولا ساخطاً عليهم لأن المشاعر ملك أصحابها طالما بقيت أحاسيسهم حبيسة ذواتهم ، ولكني أدعوهم للرأفة بأنفسهم لربما استوعبوا أن بين الوطنية والحب علاقة يعد تجاهلها خطاً جوهرياً بل خطيئة !، وأنهم بكراهيتهم يصبحون شركاء في نهش وجه هذه العاصمة التي لو منحناها بعض الحب والوفاء لكانت أجمل عواصم الدنيا أو منها على الأقل .
يا أعزاءنا لستم في كوكب آخر نحن شركاء في بناء الحاضر والتأسيس للمستقبل ، ولسنا شركاء في الإفساد وتشويه وجه صنعاء ، وتعلمون أن البناء بلا حب أسوأ أنواع الدمار الشامل المادي والمعنوي !!.
قال البيرت مورافيا – الروائي الإيطالي الشهير – في آخر زيارة من زياراته المتكررة لصنعاء القديمة عام 1989: (لو كنت مسؤولاً عن صنعاء القديمة لنظفتها بلساني) تعبيراً عن مستوى العاطفة والحنان اللذين شعر بهما نحو هذه المدينة البديعة كناية عما تفعله أي أم من الكائنات الحية مع مولودها !، والمعنى الإنساني للانتماء والارتباط العاطفي بكل تفرعاته وتفاصيله تفوق قوته قوة الانتماء والرمزية السياسية التي تمثله أي عاصمة كخلاصة لتكوينات وعناصر الوطن ، هذا المعنى للعلاقة بالعاصمة بالتأكيد لا ينقص من مكانة بقية المدن في الوجدان بنكهاتها وطبيعة أهلها وخصائصهم والتنوع النسبي لثقافاتهم وفنونهم واختلاف المناخات والتضاريس والمحاصيل والعادات ، هذا التنوع للمدن والمحافظات اليمنية يكوِّنُ في مجمله لوحة تعبر عنها صنعاء ، وهو تعبير فيه من التداخل والتكامل والجدلية ما يحتاج إلى كتلة من الحب والإحساس والذوق والشعور بالمواطنة والإنسانية ما يعجز البعض عن استيعابه لأن بين عقله وقلبه حجاب.
لقد كان للوعي بهذه القضية رغم محدوديته الدور الفاعل في صد هذا العدوان الشرس على اليمن الذي ركز في بدايته على العاصمة لأن من يديره يدرك رمزيتها وماذا يعنيه سقوطها لا – سمح الله – وأثبت الأبطال لسلمان أن صنعاء كما يقول الزامل المعروف : بعيدة وأن الرياض أقرب إلى السقوط إذا توفرت الشروط ! ولم يكن العدو يتوقع أن يصد اليمنيون كل تلك الهجمة الشرسة والشاملة ، فكيف سيكون الأمر لو أن غالبية اليمنيين أعطوا عاصمتهم ما تستحقه من حبٍ واحترام ، فالحب مصدر السعادة للمحب قبل المحبوب ، ولو استوعب اليمنيون أهميته وحرصوا على حمايته والمحافظة على روحه لأدركوا قوة اليمن وعظمتها، ولما أتيح للبدو أن يتحولوا – ويا للعار – من قراصنة وقطاع طرق في كينونتهم وواقعهم الحقيقي إلى عنوان تُحتَلّ باسمه اليمن التي كان لها أصل حضاري في جزيرة العرب، ولما تمكنوا من الاستفراد ببعض سواحلها اعتماداً على التواجد الصهيو أمريكي بريطاني القديم الجديد ولما استطاع هذا البدوي القفز إلى سقطرى بواسطة هذه القوى وهذه الألاعيب المكشوفة معتمداً على اعتقاده بأن أرواح أبناء السعيدة باتت بعيدة عن جزيرة السعادة !.
الوحدة بالحب وليس بالعنف هي درع اليمن الواقي ،
إلى أحبابنا : أن تعيشوا في مدينة لا تحبونها فهذا كابوس يجب البحث عن كيفية التخلص منه !؛
مبتدأ الإنسانية أن ترى العالم في أعماقك وخبرها أن تجعل مِنها دِيناً يحترم كل الأديان !
—————————————
*عجز بيت من الشعر الحميني مطلعه : ما مثل صنعاء اليمن كلا ولا أهلها مع إبدال كلمة (حَبَّها)، أي أحبها بدلاً عن الكلمة الأصلية في القصيدة (حلَّها) أي سكنها وهي قصيدة مغناة ومن أجمل الأغاني الصنعانية معنى وأعذبها لحناً من كلمات : أحمد بن حسن المفتي -رحمه الله.
في الثلاثاء 08 سبتمبر-أيلول 2020 06:57:29 م