مما لا شك فيه أننا نمرُّ بمرحلةٍ تاريخية مفصلية، هذه المرحلةُ تحتاجُ إلى مهاراتِ التفكير، في تحليل وتشخيص المواقف الصعبة والتعامل معها، وتحتاج إلى مهاراتٍ إنسانيةٍ في العمل والفهم والتحفيز، وتحتاج إلى قُدرةٍ على التنفيذ بمعرفة متخصصة وخبرة فنية؛ إدراكاً منا أن الذي أعلن عدوانه من منطلق مذهبي وأصولي علينا يتعامل مع تكنولوجيا المعلومات في مختلف أنشطته سواءٌ أكانت عسكريةً عملياتيةً أَو حتى الأنشطة الذهنية، وليس بغافل عن بال أحد أن المعلومات في هذا الزمن أصبحت هي المصدر الرئيسي في الهيمنة، حتى الهيمنة الاقتصادية، فالتكنولوجيا حولت الاقتصادَ العالمي من اقتصاد يحتاجُ إلى المعلومات إلى اقتصاد قوامُه المعلومات.
ومن هنا يأتي تأكيدُنا على ممارسةِ الدور القيادي في هذه المرحلة العصيبة من التأريخ -وهي المرحلة التي نشهدُ فيها تداعيَ الأمم على اليمن كما يتداعى الأكلةُ على قصعتهم- بوعي جديد، وتفاعُلٍ أجدَّ وبفكر جديد، يتسم بالشمولية والدقة، والنظرة الثاقبة، وتوقع المستقبل والاستعداد له، بل وصُنعه أَيْـضاً وليس انتظار قدومه.
وطالما وقد تحمل أنصار الله مسؤوليةَ القيادة والريادة في هذه المرحلة فلا بد لهم من التجدّد والأخذ بمبدأ المبادرة وصفات الرائد والقائد، ليقودوا شعبَهم بكل دراية ووعي واقتدار إلى مرحلة التعامل مع التغيرات، أي مرحلة الانتقال من عقلية عصر الصناعة إلى عقلية عصر المعلومات، والفرقُ بينهما أنه في عصر الصناعة كان يتم الحصولُ على المعلومات كلما كانت هناك حاجة إليها في حين تتواجد المعلومات في عصر المعلومات بشكل دائم وهي تدور في حيز التشغيل، وكما كان الحال في عصر الصناعة يتصرف القادة فيه وكأنهم أصحاب القرار، ولا بد من إدراك الحقيقة التي نحن عليها أن هذا المبدأ قد تغير بتغير الأحوال والمستويات الحضارية والمعرفية، إذ فقدَ القادة في عصر التكنولوجيا خاصية صنع القرار بل أصبحت مهامهم أكثر يسراً وأكثر تفاعلاً مع الحدث، من خلال العمل على تشغيل المعلومات المتوفرة، وهذا هو الحال الذي نحن عليه في عصر التكنولوجيا ولا بد من الوعي به، والاشتغال على الخطط الاستراتيجية التي تصنع المستقبل وليس انتظار المستقبل حتى يأتيَ، والاشتغال على الخطط لا يمكن أن يكون عفو الخاطر بل برؤىً وأفكارٍ قادرة على التحَرّك والتفاعل مع واقعها من خلال بنية تنظيمية وبنية توجيهية، وبنية رقابية، ترصد الحالاتِ المنحرفةَ؛ لتعمل على تعديلها حتى تتسقَ مع البناءات المختلفة.
وحتى لا تذهبَ بنا التأويلاتُ بعيدًا، نقول: إن التخطيط يشمل تعريف الأهداف ووضع الاستراتيجيات والخطط؛ مِن أجلِ تنسيق الجهود والأنشطة، والتنظيم هو تحديد المهام التي يجب القيام بها، وتحديد من يقوم بها، وكيفية تجميع المهام، والتوجيه يشمل تحفيز المرؤوسين وتوجيههم واختيار أقوى وأفعل قناة اتصال، ونبذ الخلافات.
والرقابةُ تقومُ برصد الأنشطة؛ للتأكّـد من أدائها لما هو مخطَّطٌ لها واتِّخاذ الإجراءات التصحيحية تجاه الانحرافات.
وعلينا أن ندركَ أن العدوانَ لن يتوقفَ بتوقُّفِ نشاطه العسكري على اليمن بل سيستمرُّ في استهداف العناصر الوطنية والكوادر الوطنية الثقافية والعلمية والسياسية، كما حدث في العراق وهو ماضٍ في تفكيك القوى الوطنية التحرّرية.
وأنصارُ الله سيكونون مستهدفين؛ باعتبَارهم قوةً وطنيةً في خط المقاومة الإسلامية؛ لذلك ووفقاً لما هو متوفرٌ لنا من معلومات لا يلزمُ السكوت والصمت بل التفكير والتخطيط والتنظيم والتوجيه لنكونَ وجوداً قوياً غيرَ قابل للفناء أَو الإلغاء، ومثل ذلك يلزم الارتباط العضوي مع الحاجات الأَسَاسية للإنسان وفق أحدث النظريات الإنسانية التي ترى الحاجاتِ الأَسَاسيةَ هرماً تضيقُ قمَّتُه باتساع قاعدته، وبالتالي تقل عندها عوامل الصراع ومفرداته ويحدُثُ الاستقرارَ، والاستقرارُ يجعل من الاستراتيجيات صخرةً صلبةً تتحطَّمُ عندها المؤامرات.