العقيدة العدوانية الأمريكية
أنس القاضي
أنس القاضي

 

تقدم الولاياتُ المتحدة الأمريكية نفسَها كدولة تبشيرية بقيَمها توسعية في جغرافيا بدون حدود دولية.

ذهب قادةُ الولايات المتحدة الأمريكية إلى أنهم قد خلقوا نظاماً صالحاً لكل الأمم، وترتب على ذلك بأن كُـلَّ من يعارض النظام الأمريكي ليس عدواً للأمريكيين فسحب، ولكنه عدوٌّ لنفسه أَيْـضاً وعدو للبشرية؛ لأَنَّه يعارض تنظيم حياته على غرار الديمقراطية الأمريكية.

من الملاحَظ أن عقيدةَ قوة جاذبية النموذج الأمريكي وضرورة تطبيقه على البلدان الأُخرى، ما زال يتم التعامل مع هذه العقيدة كمسلّمة في السياسة الخارجية الأمريكية حتى يومنا هذا، وهكذا يترافق مع كُـلّ حرب عدوانية أمريكية رفعٌ لشعار الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

نشأ لدى لأمريكان مفهوم إشباع حاجات الشعوب الأُخرى من خلال جذبها إلى طريقة الحياة الأمريكية بقوة السلاح، وبناءً على ذلك برّرت الحروب الأمريكية كحروب عادلة؛ تلبيةً لمصالح الشعوب.

وعلى سبيل المثال فَـإنَّ الحروبَ الأمريكية في أفغانستان والعراق وليبيا ويوغسلافيا خاضتها الولاياتُ المتحدة تحت شعار الديمقراطية وتحرير شعوب هذه البلدان من الدكتاتورية، ومن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر رفعت الولايات المتحدة الأمريكية شعار محاربة الإرهاب في تدخلاتها، وفي العصر الراهن تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية قواعدَ عسكريةً احتلالية في كُـلٍّ من سوريا والعراق أقامتها باسم التحالف الدولي لمحاربة داعش.

يتحدث المؤرخ الأمريكي البارز، جوليوس، بمزيد من التفصيل عن هذه العقيدة الأمريكية:

“إن القدر الإلهي المرموق أصبح تبريراً لأي استيلاء على أرض إضافية يكون لدى لولايات المتحدة الأمريكية النيةُ والقدرة على أخذها”.

وفقاً للرسالة الأمريكية المزعومة القدر الإلهي المرموق، يتم القيام بالأعمال العسكرية؛ مِن أجلِ تحرير هذه الشعوب؛ ولهذا السبب فَـإنَّ تحويل حرب معينة إلى حرب عادلة لا يستلزم إلا إطلاقُ اسم الحرب العادلة على هذه الحرب العدوانية. فإذا ما قامت الولايات المتحدة الأمريكية بعمل عدواني يُصوَّرُ أنه إنقاذٌ للطرف المعتدى عليه وبأنها حربٌ عادلة؛ ولذلك فَـإنَّ أية حرب أمريكية على وجه الإطلاق هي من وجهة النظر الأمريكية حرب تحرير عادلة تقوم بها نيابة عن الشعوب، وهذا المذهب السياسي هو الأَسَاس النظري للسياسة الخارجية الأمريكية ولفلسفة القوة.

 

العالم السياسي الأمريكي المعروف مورجنتاو:

“مُزج المفهوم التبشيري في العلاقة بين واقعنا الأمريكي الداخلي وبين سياستنا الخارجية ليشكل شيئاً ثالثاً هو الحملات الصليبية، فنحن كمبشرين برسالة التجربة الأمريكية كنا نقدم مساعدتنا للآخرين وهم أحرار في قبولها أَو رفضها، أما نحن كفرسان صليبيين فسنفرضها فرضاً على بقية العالم، وستكون الحدود الفعلية لهذه الحملة الصليبية هي حدود القوة الأمريكية، أما حدودها الممكنة فستكون حدود الكرة الأرضية”.

لقد تحول النموذج الأمريكي إلى صيغة فكرية للخلاص الشامل ستلتزم بها الأمم ذات التفكير الصحيح طوعاً أما الأمم الأُخرى فيجب أن تخضع لها كرهاً.

 

من الحقائق الفعلية كما يسلِّم مورجنتاو:

“إن فكرة الرسالة الأمريكية إلى شعوب العالم الأقل حظاً هي بكل تأكيد أيديولوجية سياسية، أي هي إضفاء طابع عقلاني وتبريري على السياسات التي تجري ممارساتها لأسباب أُخرى هي أسباب أنانية في المحل الأول”.

كانت الولايات المتحدة الأمريكية أول بلد يبدأ حرباً إمبريالية لإعادة تقسيم العالم؛ تنفيذاً لعقيدتها العدوانية، وكانت تلك هي الحرب الأمريكية على الوجود الاستعماري الإسباني في أمريكا اللاتينية التي شنتها الولاياتُ المتحدة عام 1898م على مستعمَرة كوبا، وقد اعتبر لينين هذه الحرب حدًّا فاصلاً تاريخيًّا في الانتقال من رأسمالية ما قبل الاحتكار في الولايات المتحدة إلى الرأسمالية الاحتكارية الامبريالية، وقد لاحظ لينين أن ذلك العصرَ في أمريكا قد رسمت حدودَه على نحو قاطع الحربُ الامبريالية الإسبانية الأمريكية، أي الحرب بين لِصَّين استعماريين على تقسيم الغنائم، وقد كانت الحربُ الإسبانية الأمريكية فاتحة مرحلة جديدة في تفسير المبدأ الاستراتيجي للاحتواء.


في الإثنين 09 نوفمبر-تشرين الثاني 2020 07:04:21 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=3064