|
الهها هو الريال، وعقلها هو البرميل، وحكمائها اغلقوا عليهم ابوابهم وتركوا الملك لسلمان وابنه "المهفوف".. هذا وصف سنتمسك به تاريخيا حتى ولو سرا، فأنا اعرف كما تعرف انت، انه حين تنتهي الحرب، سيعود اليمني لطبعة الذي يتنازل لجاره حين يعترف له الجار بأنه أخطأ في حقه.. لكني سأتمسك بذلك، او هكذا ادعي الان..
دولة، رأت العالم، كله يحملها كوارث الارهاب، فنصبت سيركا ضخما أضرمت فيه النار، وتحاول ادخال اليمن فيه، لينشغل العالم بهذا المشهد..
هل رأيت، مافعلته داعش مع الطيار الاردني؟.. هذا هو نفسه التي تعمله الرياض مع اليمن، والفرق ان العالم اشمئز قليلا لاحراق الطيار، أما تجاه اليمن، فحتى الاردن، بلاد ذلك الطيار، مصطفة تصفق للمهفوف الذي يوزع لهم المصالح ولليمنيين الموت..
كأننا في كباريه ليلي، تحول فيه العالم كله الى راقصات ووسطاء يستجدون أن تتساقط عليهم بعضا من أموال المهفوف..
وفي المقابل، لدينا جبروت آخر، أحق بالوصف.. جبروت بلاد، لها نهج واحد للتعامل مع المعتدي من خارج حدود تربتها..
لنقل أن تاريخ البشرية 5000 سنة.. يمكنك أن تقرأ عن دول اندثرت، وحروبا غيرت التاريخ، لكن في كل هذه الالاف ستجد ذات الحكاية اليمني منتهية بذات السطر: وتوحد اليمنيون في محاربة الاحتلال، الذي جاء بعضه استجابة لدعوة بعضهم..
لم نتفق بعد كيمنيين، على محاربة الامارات والسعودية.. يتوجب علينا الشعور بالخزي أن نتحدث عن اطماع استعمارية للامارات، الدولة التي مساحة امارة الحرب علينا فيها "ابوظبي"، تزيد قليلا عن حارة "الصافية" التي كانت حاضرة في اطراف صنعاء قبل خمسين عاما..
ولا ادري، كيف يمكن ان نتفق، انا في هذه النقطة اتهم صنعاء، أكثر من خصومها، بأنها مكتفية بالدفاع الحربي، ولاتبذل أى جهد لتوسيع التضامن الوطني ضد كل مايحدث، ربما يعود ذلك الى أن المؤتمر وانصار الله، حتى الان عاجزين عن التحالف، ماهو متحالف منهم في غالبه هو تحالف الموظفين، الذين يسعون لاستغلال ظروف الحرب لتقاسم الوظائف، كنوع من توفير مصادر دخل، وهذه طريقة صنعاء الثابتة، لايهمها الايدلوجيات والشعارات، المهم ان يتمكن افرادها من الحصول على وظائف اولا، وان بقي جهد بعد ذلك يتم تصريفه على الشعارات والافكار كفائض..
هناك نواة تحالف وطني قوي، بين الطرفين، لكن صوتها يخفت يوما بعد يوم، او بالاصح، لايكاد صوتها يعلو حتى يرتفع اصوات الموظفين الذين يريدون ان يبقى التحالف في حدود تأمين وظائفهم بلازيادة ولا نقصان.
ونعم، ياصديقي، سيصاب العالم بالذهول، ان قدر له أن يقرأ بطولات البلد الأفقر من كل شيئ الا كرامتها، وتحالف الأغنى بكل شيئ الا من الرشد والحق والمسئولية.
بلد بهذا الانقسام.. بهذا الفقر.. بهذا الضعف، يعيد تصحيح كل معادلات التاريخ الحربي للبشرية.
هنا حيث الحرب الأغنى في العالم، تسقطها المقاومة الأفقر في العالم كله ايضا..
لانبالغ، ياصديقي..
نعم، يستحيل ان يصدق العالم أن يمنيا ببندقيته يصيب طائرة الاف 16 في الجو بالحيرة، حتى انها تعود لتبحث عن أقرب صالة عزاء او حفل او حتى سيارة مواشي او برتقال في طريق عام فتقصفها، حقدا على بلاد مقاتل لاترى الا غبار انتصاراته تحت سماء ادعت سيطرتها عليها..
لهذا ربما نشعر باليأس، من أن يفهم العالم حربنا.. ونكتفي بالحديث عنها مع ارضنا..
بعد يوم حربي طويل، يجلس المقاتل اليمني صامتا، يتناول اعواد القات وعينه تخاطب التراب الذي يجلس عليه، فهو بعد كل المعركة لايملك فراشا يجلس عليه، فيستند الى تراب خالط دمه..
بقيت ساعة كاملة صامتا على أمل أن يرفع المقاتل عينه باتجاهي، ويقول لي شيئا، لكنه لم يفعل.. وكانت جلسته مهابة لي، لكأني كنت جالس قرابة طائر الفينيق، الذي لم اصدق وجوده حتى كانت تلك اللحظات في جبهات الحروب..
الاغرب، ان المقاتل اليمني، حين تسأله باندهاش عن مايحققه، لايقول سوى كلمتين، لايحسن التباهي ابدا، يصرف كل قدرته على التباهي في العمل، ثم لايبقي منها شيئ للحديث عن مايفعل..
يقول لك: كانوا هنا، والان رديناهم هناك.. ويسكت..
يالهي.. كل حرف من هذه الحروف، يمكن ان يكتب تحتها الاف الصفحات عن المقارنات والصمود والبطولات والامكانيات والعمليات..
لكن يشعر المقاتل بالصداع أن اطلت الحديث عما يفعل.. يأخذ قاته ويذهب بعيدا عنك، حيث لايسمع الا صفير الريح يداعب وجه الارض من حوله.. يكون ثالثهم، ابناء الخلود والديمومة والثبات.. الريح والارض، واليمني.
ولعله يمكننا الحديث عن كل جبهة بمفردها.. فأنت تجرني الان لما لم استطع فعله لوحدي، الكتابة عن اليمن، وهي تقاتل لتحيا كما عرفها التاريخ كله، بلاد خلقت متفردة بذاتها.. صوابا وخطأ..
في الإثنين 09 يناير-كانون الثاني 2017 09:49:23 م