|
لأنه صاحب شخصية استثنائية، فقد استطاع أن يجمع بين العمل التربوي والإعلامي والسياسي والثقافي والأدبي، فكان معلما متميزا، وكاتبا متألقا، وصحفيا لامعا، وسياسيا بارعا، وشاعرا مجيدا، وناقدا مبدعا، ومناضلا فذا، وثائرا حرا، ووطنيا مخلصا، ويمنيا وفيا لوطنه وشعبه، ومجاهدا مقداما، إنه فقيد الوطن الكبير الأستاذ محمد يحيى المنصور رئيس مجلس إدارة وكالة الأنباء اليمنية سبأ، الذي غيبه الموت عصر أمس الأول بعد صراع مع المرض.
رحل محمد المنصور وبرحيله فقد الإعلام الوطني قامة وطنية لها ثقلها ووزنها وحضورها اللافت في المشهد اليمني ، رحل المنصور بعد مسيرة عطاء حافلة بالألق والإبداع والتميز، بدأها من الحقل التربوي مدرساً في مسقط رأسه بمديرية المحابشة، قبل أن ينتقل للتدريس في العاصمة صنعاء ، وفي التسعينات انضم الفقيد المنصور إلى عضوية حزب الحق، ليشغل بعد فترة منصب رئيس الدائرة الإعلامية للحزب، وخلال هذه الفترة برز اسمه في الوسط السياسي والإعلامي وكان لكتاباته الصحفية الناقدة واللاذعة أثرها لدى النظام السابق الذي صنفه ضمن القائمة السوداء المغضوب عليها ، ليتولى بعد ذلك رئاسة تحرير صحيفة الأمة الناطقة باسم حزب الحق حيث عمل بمهنيته العالية على الارتقاء برسالتها الصحفية من خلال استقطاب الكتاب البارزين والتنوع الصحفي الذي طرأ على صفحاتها ، لتشهد الصحيفة قفزة صحفية هي الأكثر وهجا منذ تأسيسها .
مهنيته الصحفية وحنكته الإدارية دفعتا به في 11أكتوبر من العام 2015م إلى تولي مهام رئاسة مجلس إدارة مؤسسة الثورة للصحافة والطباعة والنشر، ورئاسة تحرير صحيفة الثورة ، المؤسسة الصحفية الأولى في البلاد ، بموجب القرار رقم 51 الصادر عن اللجنة الثورية العليا، القرار الذي حظي بترحاب واسع داخل مؤسسة الثورة للصحافة والطباعة والنشر ، فالمنصور ليس وافدا غريبا على هذه المؤسسة الصحفية العريقة ، فهو أحد موظفيها البارزين، وخلال فترة رئاسته للثورة المؤسسة والصحيفة شهدتا تطورا ملحوظا رغم الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، وشهدت صحيفة الثورة نقلة نوعية مهنية متميزة، وفي هذه الفترة تعرفت على الأستاذ محمد وبدأ تواصلي معه عبر الهاتف وشبكات التواصل الاجتماعي وخلالها نلت شرف موافقته على أن يكون لي عمود صحفي يومي في صحيفة الثورة، وكان رضوان الله عليه يحيط عمودي الصحفي بتصويباته وتعديلاته المهنية التي كانت تتركز في غالبيتها على عناوين المقالات ، إلى إن تلقيت منه رسالة عبر الماسينجر قال لي فيها ( ما شاء الله عليك اختيارك للعناوين أكثر من رائع ) وهي رسالة جعلتني أركز كثيرا في اختيار عناوين المقالات إلى هذه اللحظة .
بعدها تولى مهام رئاسة مجلس إدارة وكالة الأنباء اليمنية سبأ ، وهناك ترك بصماته الواضحة التي يتذكرها الزملاء في الوكالة ، تعامل معهم بتواضعه المعهود، ودماثة أخلاقه المشهودة، رغم شحة الإمكانيات، إلا أن عقليته الفذة ومهنيته المتميزة نجحت في الارتقاء بمستوى الرسالة الإعلامية لوكالة الأنباء الرسمية وظل حتى داهمه المرض مواصلا لمسيرته الإعلامية ، يقارع قوى العدوان ويتصدى لمؤامراتهم القذرة من خلال قلمه الحر، الذي ظل صادحا بالحق ، في مواجهة الباطل ، منتصرا للوطن والشعب وثوابتهما ومكتسباتهما، على خطى رفيق دربه الكاتب الصحفي القدير الشهيد عبدالكريم الخيواني رضوان الله عليهما ، وما ميز فقيد الإعلام الوطني الأستاذ محمد يحيى المنصور روحه المرحة وعلاقاته الواسعة مع مختلف المكونات والأحزاب السياسية ، فكانت له مواقفه الثابتة التي تعبر عن قناعاته الراسخة ، ولكنه لم ينغلق على الآخرين، وظل منفتحا عليهم ، يستمع إليهم ويتناقش معهم ويبدي رأيه ويطرح مقترحاته ، ويبدي ترحيبه بأي أفكار أو رؤى تصحيحية لأفكاره ورؤاه حول بعض القضايا والمواضيع مثار النقاش.
بالمختصر المفيد، رحيل الأستاذ محمد المنصور خسارة فادحة لليمن، ومصاب جلل أصاب الأسرة الصحفية والإعلامية ، التي كان يمثل أحد فرسانها وأعلامها البارزين ، وبرحيله تكون الجبهة الإعلامية الوطنية قد خسرت قطبا من أقطابها المشهود له بالوطنية والمهنية ، تنقل زائرا للجبهات محفزا ومساندا للمجاهدين من أبطال جيشنا ولجاننا الشعبية ، شكل جبهة إعلامية مناهضة للعدوان ، وظل صامدا ثابتا على مواقفه حتى توفاه الله رحمة الله تغشاه ، وطيب الله ثراه ، وجعل الجنة سكناه .
قلت قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ووالدينا ووالديكم وعاشق النبي يصلي عليه وآله .
في الإثنين 23 نوفمبر-تشرين الثاني 2020 07:06:00 م