|
لا بد من التسليم للقول بأن اليمن وصلت إلى مرحلة كان لا بد فيها من إحداث حركة انتقال وثورة تعمل على تفكيك المنظومة الثقافية والاجتماعية والسياسية وتعيد بناء تلك المنظومة وفق رؤية عصرية تفاعلية، وبحيث تكون القضية المنطقية أقرب من فرضيات الصواب منها إلى فرضيات الخطأ لأنها بالضرورة لا بد أن تذهب إلى المستقبل من نقطة الامتلاء.
والمتأمل لما يحدث في واقعنا يجد فراغاً لا متناهياً ولا يجد امتلاءً يفسر اللحظة ويعي تفاصيل تموجاتها، والقول بتأجيل الامتلاء كمشروع حضاري قول عبثي، لأن التأجيل هو الدلالة الحسية على العدم والفراغ الذي تتحرك فيه أجرام السياسة في فلك التيه الذي يظلل هذا الوطن.
فالتيه الذي نشهده من خلال تناقض القوى في مواقفها وتفسيرها وتعاطيها مع الأحداث، يجعلنا نقف مدهوشين من ذلك الفراغ الذي يصر في آذان الساسة ونكاد نشهد نحن المواطنين صريره يجتاح الأرض ويسلم الرقاب للهيمنة الأمريكية التي ظل الناس بمنأى عنها وإن ناوشت فمن مكان بعيد.
لقد عمل الربيع العربي على تفكيك النظم وأخلَّ بالنسيج العام فكان حظ الفراغات التي تشتهي الامتلاء أكثر، لذلك لاحظنا لغة التبريرات للمارينز حتى يسد الفراغات التي تركها الربيع العربي ومثل ذلك ليس تطويراً أو تحديثاً في الرؤية والموقف السياسي كما يراه البعض، بل انهيار قيمي وأخلاقي، فالإسلام الذي يجد مبرراً أخلاقياً في التفاعل مع الآخر لا يساوم في بعدين مهمين هما البعد الروحي والبعد الأخلاقي، فإشاعة روح الحق والخير والعدل والسلام قيم ومبادئ لا يمكنه المساومة عليها كما لا يمكنه المساومة على رموزه الروحية والدينية فالقضايا هنا محسومة ولا يمكن للميكافيلية أن تبرر وسيلة للوصول إلى غاية، إذ أن البراجماتية تقف عند حد فاصل قيمي وأخلاقي ومبدئي ولم يشهد التاريخ مثل هذا الانحدار الذي وصل إليه الإنسان المعاصر.
كنا نتمنى أن يظل الإسلام بمنأى عن نزوات الساسة وطموحهم الجامح إلى كرسي الحكم، فقد تشوه الإسلام كمنظومة روحية وأخلاقية وتشوهت قيمه وأبعاده الإنسانية بتلك التصرفات الرعناء التي لبست الأحزمة الناسفة وتفجرت بالعبوات الشيطانية ورأت في الآخر المغاير عدواً مطلقاً ثم انكفأت على ذاتها فرأت في الموالي عدواً ثم شهدنا تماهياً فأصبح التمترس المذهبي خياراً يعمل على تبرير أفعال عدو الأمس المطلق ويرى في المختلف معه عدواً، وهكذا دواليك تجد مصفوفة من التبدلات القيمية والأخلاقية من جماعات تلبس جلباب الدين فتطعنه من داخله طعنات نجلاء تركت ظلالها في الممارسات الدنيئة التي تأتي كردة فعل من الآخر، إذ دل توالي النيل من المقدسات الإسلامية ومن الرموز على تبدل قيمي أفسد الدين وشوّه قيمته الإنسانية، فأعداء الإسلام ليسوا خلف أسوار الحدود ولكنهم هناك في نقطة مظلمة أفسدها الران في منطقة خلف الضلوع التي تدعي الإسلام.. وتبعاً لذلك فقد أصبح كل فرد مطالباً بمراجعة نفسه وموقفه وفكره حتى نهذب كل شيء في حياتنا من أوجاع وأدران التاريخ ونخرج من دائرة الفراغ ودائرة العدمية .
فالعدمية التي تنشأ نتيجة تجمع البائسين وتتمظهر بالثورية- دون أن تحمل مضموناً ثورياً حقيقياً يقود إلى الانتقال الحقيقي- توسع دائرة الفراغ، وهو الأمر الذي تبدو ملامحه في الموقف السياسي للقوى وتعمل على تغيير « الحكم/ المعارضة » السياسية التي تعاني من جدلية وجهها كلما دعت الحاجة إلى ذلك .
فالقضية الوطنية أصبحت قناعاً سياسياً لا يضمر إلاّ الوصول إلى السلطة بأي لون أو شكل، فالذين قالوا إن قضيتهم قضية وطن وقضية حرية وقضية عدالة اجتماعية ولا مطمع لهم في السلطة، تحدثوا عن ضرورة مشاركتهم في السلطة ورأينا كيف مارسوا شتى أنواع الابتزاز السياسي من أجل الوصول للمناصب .
والذين كانوا يتحدثون عن قضايا الجوع والتشرد والبطالة والإقصاء والتهميش والطغيان والاستبداد وتجارة الموت والدم المسال في الساحات باعوا الوطن، ورأيناهم كيف يعدون الخطط ويوزعون الأسلحة ويقسمون الوطن إلى قطاعات عسكرية للانقضاض على السلطة خارج أطرها الدستورية وقيمها الانتقالية التي تواضع المجتمع اليمني كله من أقصاه إلى أقصاه عليها.
وبعد عقد من الزمان بدأت أحداث 2011 م تلقي بظلال الفرز والتمايز وتميط اللثام وتعمل على تفكيك البنى التي كانت تبدو حينها أنها أكثر تماسكاً وتفاعلاً مع لحظتها الثورية التي جاءت من الفراغ لتبدع فراغاً أشد وأنكى من ذلك الذي كانت عليه اليمن قبل 2011 م، فالذين تحدثوا كثيراً عن الله سبحانه وتعالى ومحمد- صلى الله عليه وآله وسلم- وبكوا واستبكوا ووقفوا واستوقفوا جفّت منابع دموعهم الآن بعد أن شاهدوا في الأفق شلالات الحنين تتدفق في مصب أنهارهم الجارفة، والذين شغلوا الشاشات تنظيراً ونقداً واشتغالاً ذهنياً على المصطلحات الفلسفية الكبيرة لم يكن حظ الوطن منهم إلا قصيدة رثاء طويلة تبكي المآلات والمصير المجهول، والذين تحدثوا عن العمالات وشبكات التجسس لم يكونوا إلا أوفر حظاً من سواهم، والذين لعنوا الفساد وأعلنوا التطهر والشرف فاحت روائحهم النتنة في الصحافة الوطنية كأشد الناس استغراقاً فيه، فالتباس المفهوم دال على جوهر الواقع وحقيقته .
وما يحدث لا يمكننا السكوت عنه أو تبرير واقعه، لأنه يحفر في صميم التجربة الوجودية وينخر في الجسد الوطني العام ويهدد المستقبل بالفناء والارتهان وبالخروج من دائرة الحياة والوجود، ذلك أن أسئلة الوجود التي بدأت في القرن الماضي مع بداية عصر النهضة وتواترت، ماتزال هي ذاتها تحاصر الإنسان المعاصر، فالتأخر والشعور بالهزيمة والشعور بالاستهداف من الآخر قضايا ماتزال عالقة في مسار الفكر العربي الوجودي ولم يحسم جوهرها الموضوعي حتى الآن، ذلك أن الإنسان العربي ما يزال يعيش واقعاً ضبابياً تتنازعه فيه الأمواج والتيارات ولم يصل إلى الحقيقة الكامنة في ذاته والقادر على تفجير كل الإمكانات وتوظيفها بما يحقق له الوجود والندية وتجاوز وهم الهزيمة والاستهداف والشعور بالنقص.
والمتأمل لما يحدث في واقعنا يجد فراغاً لا متناهياً ولا يجد امتلاءً يفسر اللحظة ويعي تفاصيل تموجاتها، والقول بتأجيل الامتلاء كمشروع حضاري قول عبثي، لأن التأجيل هو الدلالة الحسية على العدم والفراغ الذي تتحرك فيه أجرام السياسة في فلك التيه الذي يظلل هذا الوطن.
فالتيه الذي نشهده من خلال تناقض القوى في مواقفها وتفسيرها وتعاطيها مع الأحداث، يجعلنا نقف مدهوشين من ذلك الفراغ الذي يصر في آذان الساسة ونكاد نشهد نحن المواطنين صريره يجتاح الأرض ويسلم الرقاب للهيمنة الأمريكية التي ظل الناس بمنأى عنها وإن ناوشت فمن مكان بعيد.
لقد عمل الربيع العربي على تفكيك النظم وأخلَّ بالنسيج العام فكان حظ الفراغات التي تشتهي الامتلاء أكثر، لذلك لاحظنا لغة التبريرات للمارينز حتى يسد الفراغات التي تركها الربيع العربي ومثل ذلك ليس تطويراً أو تحديثاً في الرؤية والموقف السياسي كما يراه البعض، بل انهيار قيمي وأخلاقي، فالإسلام الذي يجد مبرراً أخلاقياً في التفاعل مع الآخر لا يساوم في بعدين مهمين هما البعد الروحي والبعد الأخلاقي، فإشاعة روح الحق والخير والعدل والسلام قيم ومبادئ لا يمكنه المساومة عليها كما لا يمكنه المساومة على رموزه الروحية والدينية فالقضايا هنا محسومة ولا يمكن للميكافيلية أن تبرر وسيلة للوصول إلى غاية، إذ أن البراجماتية تقف عند حد فاصل قيمي وأخلاقي ومبدئي ولم يشهد التاريخ مثل هذا الانحدار الذي وصل إليه الإنسان المعاصر.
كنا نتمنى أن يظل الإسلام بمنأى عن نزوات الساسة وطموحهم الجامح إلى كرسي الحكم، فقد تشوه الإسلام كمنظومة روحية وأخلاقية وتشوهت قيمه وأبعاده الإنسانية بتلك التصرفات الرعناء التي لبست الأحزمة الناسفة وتفجرت بالعبوات الشيطانية ورأت في الآخر المغاير عدواً مطلقاً ثم انكفأت على ذاتها فرأت في الموالي عدواً ثم شهدنا تماهياً فأصبح التمترس المذهبي خياراً يعمل على تبرير أفعال عدو الأمس المطلق ويرى في المختلف معه عدواً، وهكذا دواليك تجد مصفوفة من التبدلات القيمية والأخلاقية من جماعات تلبس جلباب الدين فتطعنه من داخله طعنات نجلاء تركت ظلالها في الممارسات الدنيئة التي تأتي كردة فعل من الآخر، إذ دل توالي النيل من المقدسات الإسلامية ومن الرموز على تبدل قيمي أفسد الدين وشوّه قيمته الإنسانية، فأعداء الإسلام ليسوا خلف أسوار الحدود ولكنهم هناك في نقطة مظلمة أفسدها الران في منطقة خلف الضلوع التي تدعي الإسلام.. وتبعاً لذلك فقد أصبح كل فرد مطالباً بمراجعة نفسه وموقفه وفكره حتى نهذب كل شيء في حياتنا من أوجاع وأدران التاريخ ونخرج من دائرة الفراغ ودائرة العدمية .
فالعدمية التي تنشأ نتيجة تجمع البائسين وتتمظهر بالثورية- دون أن تحمل مضموناً ثورياً حقيقياً يقود إلى الانتقال الحقيقي- توسع دائرة الفراغ، وهو الأمر الذي تبدو ملامحه في الموقف السياسي للقوى وتعمل على تغيير « الحكم/ المعارضة » السياسية التي تعاني من جدلية وجهها كلما دعت الحاجة إلى ذلك .
فالقضية الوطنية أصبحت قناعاً سياسياً لا يضمر إلاّ الوصول إلى السلطة بأي لون أو شكل، فالذين قالوا إن قضيتهم قضية وطن وقضية حرية وقضية عدالة اجتماعية ولا مطمع لهم في السلطة، تحدثوا عن ضرورة مشاركتهم في السلطة ورأينا كيف مارسوا شتى أنواع الابتزاز السياسي من أجل الوصول للمناصب .
والذين كانوا يتحدثون عن قضايا الجوع والتشرد والبطالة والإقصاء والتهميش والطغيان والاستبداد وتجارة الموت والدم المسال في الساحات باعوا الوطن، ورأيناهم كيف يعدون الخطط ويوزعون الأسلحة ويقسمون الوطن إلى قطاعات عسكرية للانقضاض على السلطة خارج أطرها الدستورية وقيمها الانتقالية التي تواضع المجتمع اليمني كله من أقصاه إلى أقصاه عليها.
وبعد عقد من الزمان بدأت أحداث 2011 م تلقي بظلال الفرز والتمايز وتميط اللثام وتعمل على تفكيك البنى التي كانت تبدو حينها أنها أكثر تماسكاً وتفاعلاً مع لحظتها الثورية التي جاءت من الفراغ لتبدع فراغاً أشد وأنكى من ذلك الذي كانت عليه اليمن قبل 2011 م، فالذين تحدثوا كثيراً عن الله سبحانه وتعالى ومحمد- صلى الله عليه وآله وسلم- وبكوا واستبكوا ووقفوا واستوقفوا جفّت منابع دموعهم الآن بعد أن شاهدوا في الأفق شلالات الحنين تتدفق في مصب أنهارهم الجارفة، والذين شغلوا الشاشات تنظيراً ونقداً واشتغالاً ذهنياً على المصطلحات الفلسفية الكبيرة لم يكن حظ الوطن منهم إلا قصيدة رثاء طويلة تبكي المآلات والمصير المجهول، والذين تحدثوا عن العمالات وشبكات التجسس لم يكونوا إلا أوفر حظاً من سواهم، والذين لعنوا الفساد وأعلنوا التطهر والشرف فاحت روائحهم النتنة في الصحافة الوطنية كأشد الناس استغراقاً فيه، فالتباس المفهوم دال على جوهر الواقع وحقيقته .
وما يحدث لا يمكننا السكوت عنه أو تبرير واقعه، لأنه يحفر في صميم التجربة الوجودية وينخر في الجسد الوطني العام ويهدد المستقبل بالفناء والارتهان وبالخروج من دائرة الحياة والوجود، ذلك أن أسئلة الوجود التي بدأت في القرن الماضي مع بداية عصر النهضة وتواترت، ماتزال هي ذاتها تحاصر الإنسان المعاصر، فالتأخر والشعور بالهزيمة والشعور بالاستهداف من الآخر قضايا ماتزال عالقة في مسار الفكر العربي الوجودي ولم يحسم جوهرها الموضوعي حتى الآن، ذلك أن الإنسان العربي ما يزال يعيش واقعاً ضبابياً تتنازعه فيه الأمواج والتيارات ولم يصل إلى الحقيقة الكامنة في ذاته والقادر على تفجير كل الإمكانات وتوظيفها بما يحقق له الوجود والندية وتجاوز وهم الهزيمة والاستهداف والشعور بالنقص.
في الجمعة 04 ديسمبر-كانون الأول 2020 07:46:26 م