حريتُنا وفلسطين من المسؤول عن ضياعهما؟
عبدالعزيز البغدادي
عبدالعزيز البغدادي

واقع الأمة الراهن يوضح أن علاقتها بفلسطين تساوي علاقتها بالحرية وجوداً وعدماً تفاعلاً وسكوناً ، حالها حال فلسطين منذ بداية التآمر عليها الذي ما كان للصهاينة أن يقطفوا ثماره لولا تآمر الحكام العرب وضعف تمسك الإنسان العربي بحريته ووعيه بحجم التآمر وعدم قدرته على اختيار حكامه كأهم سمة من سمات المجتمعات الحرة.


هذا التآمر ترافق مع الاحتلال البريطاني الداعم له بكل قوة وما سبق وعد بلفور وصاحَبَه وما لحقه من قضم للأراضي وانتشار للعصابات الصهيونية الإرهابية التي ارتكبت أبشع الجرائم والمجازر بحق الفلسطينيين وكذا شراء بعض الذمم وإعلان قيام دولة الكيان الصهيوني (إسرائيل) والتي تقف اليوم وراء تصنيف من هو إرهابي ومن هو حمامة سلام وصديق للسامية بالتزامن مع بعض الكيانات الخليجية المستحدثة طبقاً لخطة سايكس بيكو وبقية الخطط المدروسة وفتح أبواب الهجرة للصهاينة من الأقطار العربية وأوروبا والعالم إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة المصحوبة بتهجير الفلسطينيين من أرضهم وإقامة المستوطنات اليهودية المحيطة بالبلدات الفلسطينية للتضييق على أهلها ودفعهم إلى الهجرة ومنذ ذلك الحين أي منذ عام 1948 وعملية التهجير والاستيطان تتصاعد ، وقد تسارعت في الفترة الأخيرة بصورة ملحوظة وتتحدث تقارير عن أن بعض دول الخليج التي أزاحت الستار هذه الأيام عن العلاقة الحميمية التي تربطها بهذا الكيان هي الممول الرئيس لمشاريع الاستيطان هذه وبالأخص الإمارات والسعودية ما يعني أن استخدام مصطلح التطبيع على هذه العلاقة وجوداً وامتداداً هو استخدام خاطئ لأنه يوحي بأن هذه الدول أو الدويلات المطبعة كانت في حالة حرب مع الكيان الصهيوني وأن هناك انتقالا من حالة استثنائية إلى حالة طبيعية لعلاقة إنسانية مع ملائكة للرحمة.


هذه الخدعة في استخدام مصطلح التطبيع تحاول الإيحاء بأن نضالات الشعب الفلسطيني وتضحياته ومعاناته لا معنى لها وأن هذه الدول والدويلات الغارقة في الملذات والفساد المادي والأخلاقي والسياسي قد سئمت حالة الحرب وهي اليوم تحتفل وترقص في أحضان مصاصي الدماء ابتهاجا لدخول بوابة السلام والرخاء كما يتم تسويقه لشعوب هذه الدول والكيانات والشعوب العربية والعالم ؛


إنني لست مع من يحمل السلطات وحدها أي سلطات كامل المسؤولية عن هذه المأساة الإنسانية التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً فالشعوب بنظري تتحمل بشكل أو بآخر قدرا من المسؤولية عما تعانيه نتيجة خنوعها لحكامها وما يصدر عنهم من تصرفات غوغائية وغير مسؤولة ، تبدأ هذه المسؤولية من التهاون في وصول بعض الشخصيات غير السوية وغير الكفؤة إلى مركز القرار وبالتالي السكوت عن تصرفاتهم وما ينتج عن ذلك من آثار كارثية.


فمن غير المقبول أن يصبح وصول الحاكم إلى الحكم كالقضاء والقدر لأن الشعوب المستضعفة إنما تُستضعف نتيجة خضوعها للحكام وصمتها عما يصدر عنهم من جرائم على شكل قرارات ، وليس من العدل ولا من المنطق أن تنخرط سلطة تدعي أنها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني في مفاوضات تُطلق عليها مفاوضات سلام مع كيان لا يتوقف لحظة عن هدم بيوت الفلسطينيين وتهجيرهم وتكسير عظام أطفالهم وملء المعتقلات من أبناء الشعب الفلسطيني ومن مختلف الأعمار دون أي اعتبار إنساني.


لا ينبغي السكوت عن بقاء أي سلطة ظالمة أو مستهترة بحقوق شعبها وإلا تحمل هذا الشعب القسط الأكبر من المسؤولية وانعدمت الجدوى من أي ثورة.
بهذا المعنى فإن هذه الموجة من إعلان العلاقة المشبوهة مع كيان الاحتلال الصهيوني باسم التطبيع لا بد أن تواجه برفض قوي وفعال له معنى الثورة لأن هذا الاندفاع الخياني يحمل دلالات واضحة بأن الأنظمة المُطبِّعة غير مكترثة بشعوبها وتتعامل معهم كالعبيد وتسخر من المواطنة لدرجة أن بعضها تُطلق على جنسية الدولة (التابعية) أي أن المواطن ما هو إلا تابع وضمن ممتلكات الملك!.


لا يمكن للشعوب العربية أن تتحرر ما لم تتحرر من حكامها المستبدين وتُدرك أن التآمر على القضية الفلسطينية إنما هو تآمر على حرية الإنسان العربي في كل أنحاء الوطن العربي وأن وقوف بعض الحكام العرب ضد إيران مثلاً وهي الدولة الأكثر تمسكاً بحريتها واستقلال قرارها في المنطقة وتدعم الشعب الفلسطيني والشعوب المستضعفة رغم ما تتعرض له من حصار واستهداف اتباعاً للسياسة الأمريكية ، هذه التصرفات إنما هي خدمة مجانية وغير مسؤولة لمن يسعى لاستعبادنا عن طريق بعض الدُمى الذين يسمونهم حكاماً.
يا من تستعين بالشيطان على أخيك.. ألا تعلم أن للشيطان أهداف؟!


في الثلاثاء 22 ديسمبر-كانون الأول 2020 07:21:21 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=3209