|
من يعمل في وظيفة عامة لا يمكنه التحصن عن النقد باستعمال مقولة: (من لا يعمل لا يخطئ)، فالمقولة لا تعني إطلاق يد أي موظف عام مهما علت درجته وعدم خضوعه للرقابة والمحاسبة ومن له الحق الأصلي في الرقابة والمحاسبة هو المجتمع لأن الوظيفة العامة تخصه يمارسها عبر عدة وسائل منها وسيلة النقد عبر الصحافة والإعلام بكل وسائلهما والأعمال الفنية المختلفة، وكل أشكال وأساليب التعبير عن الرأي؛
لهذا فإن حرية الرأي والتعبير من أهم وأخطر الحريات الأساسية المرتبطة بكافة قضايا الحريات وحقوق الإنسان، ومن واجبات الموظف العام أن يرعى هذه الحريات بل وأن يتلمس كل أشكال المساس بها ويزيل كل المعوقات التي تقف في طريق التعبير عن الرأي ويحاول تصحيح أخطائه من خلال دراسة الرأي العام المتعلق بوظيفته .
صحيح أن على من يمارس حقه في التعبير عن الرأي أن ينتهج أسلوب النقد البنّاء، ولكن ليس من حق الموظف العام الموجه له النقد أن يقرر بأن هذا النقد بنّاء ومقبول وذاك هدام وغير مقبول ولا مرحب به وذاك مرجف وخائن وهذا موالٍ وشريف وإلا فقد أعطينا هذا الموظف مهما كانت درجته الحق في أن يكون خصماً وحكماً في آن وهو مالا يجوز وفق أي ملة أو دين ؛
حرية الرأي أساس بناء أي حضارة والمدخل لبناء الدولة العادلة القادرة على حماية وحدة الوطن والدفاع عنه لأن تكميم الأفواه ومنع أصحاب الرأي من التعبير عن آرائهم وسوء التعامل معهم يعيق تطور المجتمعات ويخلق البيئة الملائمة لاختراق الجبهة الداخلية، والأمثلة كثيرة لمجتمعات صمدت في جبهات القتال والمواجهة ونتيجة صمودها اتجه المعتدي عليها إلى محاولة خلخلة جبهتها الداخلية ليتبين أنها أخطر من جبهة المواجهة فيعمل على تفجيرها من الداخل من خلال التسلط والغرور والتصرفات غير المسؤولة وغير الواعية .
النقد البناء من أهم أساليب بناء المجتمعات القوية المتماسكة لأنه تعبير عن الإحساس بالمسؤولية ويجب أن يكون كذلك ، ثم إن الموظف العام إنما هو أجير لدى المجتمع صاحب الحق في السلطة والثروة وعليه التقيد بالصلاحيات القانونية المسندة إليه بموجب الدستور والقوانين واللوائح وكلها مرجعيات يسندها الدين القويم ويحث على تطبيقها القرآن الكريم باعتباره كتاب هدىً لا تتعارض معه القوانين والدساتير في المبدأ العام وهو السعي لتحقيق المصلحة العامة للمجتمع واعتبار الوظيفة العامة مسؤولية وليست امتيازا خاصا بالموظف وهي كذلك تكليف لا تشريف وضريبة جهادية في ميدان تحقيق العدالة وخير الإنسان وبناء حياته ورفاهيته ، والموظف الذي يتبرم من النقد لا يصلح للوظيفة العامة لأنه بتبرمه وتعاليه على من ينتقده قد عبر عن جهله بموجبات وظيفته .
والسعي إلى تجهيل الرأي العام وتوجيهه نحو الخضوع للحكام لا يلغي ضغط التذمر الذي يؤدي تراكمه إلى الانفجار ولو أدى إلى تأجيل الانفجار، فإذا زاد الضغط نتيجة التأجيل فإن قوة الانفجار المحتم سوف لن تبقي ولن تذر!!؛
إذاً فتلمس النقد البناء يأتي محاولة للبحث عن وسيلة للوئام الاجتماعي ومعالجة الأخطاء قبل أن تكبر وتستفحل ، ومن الأمثلة العالمية على سوء استخدام السلطة وما يؤدي إليه التلاعب بالرأي العام نتائج الانتخابات الأمريكية فبغض النظر عن دراسة وتقييم مكون النظام السياسي والانتخابي الأمريكي والوجه الحقيقي لبايدن الذي لابد أن يختلف سلوكه كرئيس عن سلوكه كنائب بحكم اختلاف الصلاحيات بغض النظر عن كل هذا فإن سلوك الرئيس الأمريكي ترامب خلال الأربع السنوات السابقة وأسلوبه البجح في إدارة الحكم يجعل من المستغرب بعد كلما بدر منه حصوله على خمسة وسبعين مليون صوت لأن هذه النتيجة تدفعنا للتساؤل : هل كل هذه الملايين تجهل سلوكه أم أنهم على شاكلته ؟؟!!.
إن في الغيب غيباً
تتوارى عنه الكلمات
حين يصحو الضمير.
في الثلاثاء 29 ديسمبر-كانون الأول 2020 07:14:57 م