|
في زمن تكاثر فيه الأنذال والجبناء وعديمي النخوة والشرف والضمير من الأدعياء المحسوبين على الأمة، أصبح همّ كرامة الأمة وعزتها وحريتها واستقلالها مسئوليةً مضاعفةً في قلوب الأحرار من أبناءها ونجباءها العظماء، ومع تسارع الأحداث وتصاعد المجريات وتزايد المتغيرات، فقد كان لا بد من التخطيط والتفكير، وبذل الجهود الكبيرة في سبيل توحيد كلمة أبناء الأمة أمام التحديات والمخاطر المحدقة بها من كل اتجاهٍ وصوب؛ تولّى أمر ذلك دُعاة مجددون إلى الله ودينه الحق وسبيله الأقوم وطريقتهِ المُثلى بعيداً عن التضليل والتدجين والكثير مما طرأ وأُحدث في أمر الدين وفي عقول أبناء الأمة ونفسياتهم- من قبل أعداءها الذي أعادوا الدين غريباً كما بدأ- نابذين وراء ظهورهم لكل ذلك ولكل دعاته من الأشقياء الذين تولّوا أعداء الأمة وطعنوها في مقتل، متشبثين بطريق العزة والكرامة والحق والاستقامة مهما استوحشوا الطريق وقلَّ الناصر لهم وكثر أعداءهم بين منافق وفاسق وكفور حاقد، بيد أنه لم يكن هنالك متسعٌ من الوقت أمام كل ذلك للخطابات والندوات والتعبئة التوعوية لوحدها، ورغم قلّتهم، إلا أنهم كانوا الصفوة في عهد آخر الزمن أمام أشد الفتن؛ فانطلقوا قولاً وفعلاً وتطبيقاً عملياً في أرض الميدان، كأنهم النسور والضواري الجريحة، تفتك بكل ما يتهدد أمتها وتلتقف كل ما يقف أمامها ولا تلتفت إلى الوراء قيد أُنملة، فالوقت وقت التحرك، والميدان ميدان الثُلّةِ الصادقين.
وهكذا كان تحركهم وكانت دروسهم عملية من قلب المعارك، تخطها دماءهم وجراحاتهم النازفات، يُلقون خطاباتهم من أفواه المدافع ويسطرون ملاحمهم وهم يتصدون بصدورهم لقذائف المزنجرات وصواريخ الطائرات، يفتدون بأجسادهم وأرواحهم" أُمّتهم" علّها تفيق من غياهب جب الضعف والضعة والخور الذي ألقاها فيه أعداءها وعملاءها في آنٍ سواء، ولأنهم لا يؤمنون بالحدود التي اصطنعها الأعداء، فأمتهم أمة واحدة كما قالها ربهم في كتابه وكما دعا إليها رسولهم طوال مسيرة حياته، فقد كانت كل منطقة فيها وكل جزء منها يمثل لهم الروح والجسد، فلا جسد بلا روح، ولا روح دون أن تسكن في جسد، فكان تحركهم في فلسطين قلب الأمة وسر توحدها كتحركهم في إيران وسوريا، وكان عطاءهم في لبنان، كعطاءهم في البحرين والعراق واليمن.
لقنوا الأعداء دروساً لن ينسوها على مدى التاريخ وحتى آخر أيام الدنيا في كل مكانٍ وطأتهُ أقدامهم الطاهرة أو حلّقت فيه أرواحهم العابرة لكل الحدود، أو حتى زاروه في منامهم، فأرواحهم كانت حرة ثائرة، و شعلة من غضب لا تنطفئ حتى تحرق من كوى فؤادها بأفعاله الشنعاء بأبناء أمتها ومكائده التي تزول منها الجبال.
نعم، كانوا كأنهم جبالا متحركة وأعاصير هادرة، كم كانوا يقضون مضّجع الصهيوأمريكية طوال سنوات حتى كادت أن تُجّن منهم وتسعى جهدها لتخمد نارهم المشتعلة التي ستصلها لا محالة وستحرقها ولن تذر منها شيئا يذكر إلا الرفات وبقايا ذكريات.
فقد تصدّت لكل أذرعها في جميع الجهات كالقاعدة وداعش؛ وانبعث منها من رحم كل تلك المعاناة عهد ميلاد جديد اسمه الحرس الثوري والحشد الشعبي وحزب الله وأنصار الله وأحرار سوريا الأسد وفصائل المقاومة الفلسطينية، ولا تزال الأمة ولّادة وسيخرج من رحمها الآلاف من رجال الله.
نعم يا سادة كل ذلك انبعث مِن/وتمثل في رجل واحد مَثلَ لأمريكا وإسرائيل كابوسا حقيقيا هو وإخوانه المجاهدين، فلم تسلك الصهيوأمريكية طريقا إلا ولاقوه يصل قبل طائراتهم وصواريخهم العابرة للقارات ومكائدهم المتربصة بالإنسانية جمعاء، ولم يتجهوا وجهة إلا وكان أول المستقبلين والمرحبين بهم ترحيبا يليق بالرجال العظماء من أمثاله، وكما كانت فلسطين قلبه النابض وروحه الثائرة فقد أولّاها أقصى اهتماماته، ومن منكم لم يعرف من نقصد مِن كلامنا وبمن نشيد في ليلنا ونهارنا إنه قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الفريق قاسم سليماني شهيد الأمة، الروح التي تسكن في جميع زواياها، ولأنه لا يوجد عظيم لا يحيطه العظماء من أمثاله يشدّون من أزره ويعينونه على أمره ويرافقونه في درب جهاده ونضاله ويبذلون روحهم قبل روحه، ومن شدة صدقهم وإخلاصهم في أخوتهم كجهادهم، فقد أبّت أرواحهم إلا أن تصعد للسماء متعانقة لتحيا فيها حياة الربيين والأنبياء، فوالله ما كانت طائرات العالم وصواريخ الأرض لتفرق بينها، فهكذا ارتقت روحا الشهيدين الخالدين قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو ماجد المهندس، مخلِّفين لنا إرثاً من قصة عشق لن تخمد جذوتها فلا تزال مشتعلة في قلوب الأحرار من أبناء الأمة من أقصاها إلى أقصاها، لتظل فلسطين والقدس قبلة العشق السرمدي التي يتساقط على أعتابها وفي أكنافها ولأجلها العظماء إلى السماء، ولتظلّ قصة عشق لا تنتهي.
في الإثنين 04 يناير-كانون الثاني 2021 01:19:53 ص