|
من خصائص الإسلام الجوهرية أنه لم ولن يكون دين كهانة لأنه دين دعوة إلى العلم والقيام بالمسؤولية وهي دعوة غير قابلة للاحتكار أو الاستحواذ أو هكذا يعتقد كل مسلم حر !؛
فالخطاب القرآني موجّه للكافة حسب القدرة والاستطاعة: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)) *: (رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا) * (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)): (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)؛
والنهوض بالمسؤولية يتم عبر طريق الوحي وطريق العلم ، وكلاهما مختلف عن الآخر وإن تكاملا عند من يستوعب التكامل ويتجنب الخلافات السلبية ، طريق الوحي بعد النبي محمد عليه الصلاة والسلام أُغلق باعتباره آخر الأنبياء على الأقل في عقيدة المسلمين ، ويبقى البحث عن التكامل قائماً ، أما طريق العلم فيقوم على التعلم والمعرفة وبذل الجهد في التحصيل العلمي والمعرفي وهو طريق مفتوح دائماً والدعوة إليه وصلت في حيويتها وانفتاحها على العالم إلى حد اعتبار (العلماء ورثة الأنبياء)، أي في حمل الرسالة وتبليغها بكل تفاصيلها والتي قُسمَ موضوعها إلى عبادات ومعاملات يتسع فيهما باب الاجتهاد ويضيق بحسب الموضوع الذي يكون مثار خلاف وفي موضوع المعاملات يكون أكثر سعةً منه في موضوع العبادات ، هذه السعة اقتضتها الحكمة الإلهية ليبقى الاجتهاد منطلق لتحرير الإنسان من غلو المغاليين بمختلف مذاهبهم لمواجهة متطلبات الحياة التي تتغير وتتجدد بتغير وتجدد الظروف والأزمان ، وقد شهد العالم تغيراً مادياً مذهلاً خلال القرون الأخيرة سواء في وسائل الحياة أو في وسائل تدميرها ، فدخل علم الذَّرَّة مثلاً في الأغراض المدنية السلمية كما استخدم في صنع أدوات الخراب والتدمير الشامل ، وقد نالت تجربة الجمهورية الإسلامية الإيرانية إعجاباً عالمياً واضحاً في معركة الحفاظ على حقها الشرعي والقانوني في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية المستمرة حتى اليوم في ظل الاعتقاد بأن الدين عائق أمام التقدم لتضرب المثل بتمسكها بحقوقها كدولة كاملة السيادة في الاستخدام السلمي للطاقة الذرية مستمدة من الإسلام أسباب القوة وقدمت نموذجا غير مسبوق في رفض مبدأ الاستخدام الهمجي لهذه الطاقة كما تفعل أمريكا وهي الدولة الوحيدة التي استخدمتها في قتل الإنسان في اليابان وفيتنام وأفغانستان واليمن وبكل صلف تحاول منع من تريد من حق الاستخدام السلمي وقد استفادت إيران من الدراسة الواعية للقانون الدولي ومعاهدة إنشاء المنظمة الدولية للطاقة الذرية لتكون نموذجاً غير مسبوق للدولة الدينية في التأريخ الحديث التي تجمع في علاقتها بالعالم بين الوعي والإحساس بالمسؤولية التي تقوم في الإسلام على مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي لا يستقيم إلا بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن ولا يقبل أي شكل من أشكال محاكم التفتيش التي كانت في الغرب سبب كثير من المآسي والأوضاع التي استدعت ثورات الفصل بين الدين والدولة بعد أن تحولت إلى وصاية على عقول الناس وضمائرهم ؛
العلاقة بين الدين والدولة ، العقيدة والشريعة ، العبادات والمعاملات لا تزال كثير من جوانبها مبهمة ومحاطة بالأزمات والتشنجات لما سببته من الإرهاب والاستبداد والاستخدام السياسي السلبي للدين حوله إلى سوط بيد الحكام ينتقلون به من صورة إلى أخرى بحسب مصالحهم وأهوائهم كما حدث مع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية التي دعمت إنشاءها المخابرات البريطانية بالتزامن مع إنشاء الكيان السعودي الذي نشأ على تقاسم الدينية والسياسية فتولى آل سعود السلطة السياسية لتكون نموذجا لأشد أنواع الحكم المستبد شراسة واستهتاراً بالدماء والأعراض والممتلكات ، وكانت السلطة الدينية من نصيب آل الشيخ محمد بن عبد الوهاب شريك وحليف آل سعود في ارتكاب الجرائم والمجازر وإصدار الفتاوى باستحلالها من خلال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي شكلت ممارساتها أكثر الصور ظلاماً وتخلفاً باسم الإسلام ، ولأنه نظام وظيفي ها نحن اليوم نشاهد إنشاء هيئة مناقضة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اسمها :(هيئة الترفيه) مهمتها إشاعة الفحشاء والمنكر والدعارة والمجون وكل المحرمات باسم الترفيه لنقل المجتمع من حالة الجمود المطلق أي (المنكر اللابس ثوب المعروف) إلى حالة من التفسخ المطلق وهو أحدث ثوب للإرهاب باسم التمدن والتحرر وكلاهما عين المنكر وجوهره ، ولا أظنها مصادفة أن يتولى رئاسة هيئة الترفيه الشيخ تركي بن عبدالمحسن آل الشيخ أي من آل محمد بن عبدالوهاب مؤسس داعش والنصرة والقاعدة وأخواتها حكماً ؛إنها مفارقة تكشف مستوى السخرية بالإنسان العربي والإسلامي من قبل مهندس الأنظمة الوظيفية المحسوبة على العروبة والإسلام لتشويهه واستبعاده من خلال ثورة مشوهة باسم العلمانية ، وهذا جزاء من يرهن عقله وكيانه ويتحول إلى ألعوبة بيد الآخرين ، ومقاومة هذه المخططات هو الخيار الوحيد ، وأساس المقاومة هو الوعي والإدراك بأن المفهوم المعاصر للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبناء الدولة يمكن اختصارهما في تطبيق مبدأ سيادة القانون لأن القانون في الدولة المدنية لا يختلف عن الشريعة في الدولة الإسلامية ومطلوب فقط حُسن اختيارهم وهو ما لا يتم إلا وفق انتخابات حقيقية غير مزورة !.
أغالب الخيال والنُّهى،
ألتمس الأعذار فلا أرى غير الجدار .
في الثلاثاء 26 يناير-كانون الثاني 2021 07:34:18 م