إلى المتباكين على الثورة الشبابية في ذكراها العاشرة!
عبدالعزيز البغدادي
عبدالعزيز البغدادي

الثورة ليست شمساً تغيبها الأهواء والأطماع أو حصاناً جامحاً يملِكُهُ الفاسدون يشرد في الفلاء، إنها قيمة أخلاقية وقانونية وإنسانية ودينية تحيا في النفوس الأبية وتترعرع في القلوب التي تعي معنى حبّ الوطن والالتزام بقيم الدين القويم غير القابل للاستحواذ والكراهية أو الغلو والانغلاق ولا يخلق غير الفرقة والضعف أياً كان ظن أصحاب هذه الأوبئة، والثوار الحقيقيون لا يلجأون إلى أعتى أنظمة الاستبداد ليستعينوا بهم على استعادة شرعيتهم المزعومة !؛
شرعية الثوار الحقيقيين تنبع من قلب الشعب وضميره ووجدانه الحي، وغير القابل للموت !؛
والثورة الحقيقية ليست سلطة قابلة للسرقة أو الاستئثار مهما كانت المغالبة والمكابرة والاعتماد على العنف !، إنها حلُمٌ دائم الحيوية وهي سلاح المستضعفين الأحرار في كل وقتٍ وحين وليست مجرّد شعارْ !!؛
الثورة سلوك له نفس المعنى الإنساني الذي استوعبه قلب الحسين وجيفارا مهما اختلفت العقيدة والدين لأن الظلم والاستبداد دينٌ واحد أو أنهما بلا دين ولا عقيدة ، الظلم والاستبداد تجسيد للعمى المستحكم والمتحكم بالحكام المستبدين أو الذين تغريهم السلطة فيحسبون أنفسهم حكاماً ، نعم إنهم صمٌّ عميٌ بكم مهما كبرت عيونهم وباقي علامات حواسهم !!؛
الثورة الحقيقية واحدة والدين الحقُّ واحد؛
أليس من العجب العجاب أن نسمع ونرى بعض المتباكين على الثورة وهم في أحضان أنظمة الرجعية التي استولى آباؤهم على السلطة بقتل الأحرار ليقيموا أنظمة تتأسس على توريث الإنسان وكأنه مال وعلى أراضٍ أكثر من نصفها أراضٍ يمنية ، أنظمة لا علاقة لها بالدين ولا بالتقوى أو الضمير ولا تعرف أي معنى لدولة النظام والقانون التي يفترض أن كل ثائر حقيقي يعي جيداً أن دولة النظام والقانون ليست مناقضة للدين ولا معادية له كما يحلو لبعض الهاربين من النظام الذي يكفل العدل إلى الانفلات الذي يتيح لهم المحرمات باسم الدين وأن من يرى الثورة وسيلة للاستيلاء على السلطة والتشبث بها بالحق وبالباطل ليس سوى متسلط لا يهمه سوى البقاء في كرسي الحكم ولو ببيع سيادة وطنه الذي يحكمه شكلاً لمن لا يرى الثورة إلا فوضى وتمرد وخروج على الشرعية وعلى النظام والقانون ، ولا يرى الثوار الحقيقيين إلا متمردين فوضويين خارجين على الشرعية وعلى النظام والقانون ؛
نعم الثورة ليست مجرّد عناوين فارغة من مضامينها وليست أيام نستجرُّ التلهي بذكراها، إنها كائنٌ حيّ يرفض الظالمين أياً كان شكلهم ولونهم وانتماؤهم، ويقاوم الظلمُ بكل صوره بنفس منطق الشاعر محمد محمود الزبيري الذي وقف ضد انحراف السلطة بعد حلم اليمنيين بثورة 26 سبتمبر حين رأى أنها قد تحولت إلى أداة بيد القيادة العسكرية المصرية التي يفترض أنها جاءت لدعم الثورة في مقابل دعم السعودية للملكيين حيث خاطب الثوار بقوله:
(الحُكم بالغصبِ رجعيٌّ نقاومه * حتى ولو لبسَ الحكامُ ما لبسوا)؛
ومن المفارقات العجيبة أن بعض من يدعي صلته بحُلم ثورة 26 سبتمبر والمحسوبين على حُلم ثورة الشباب في 11فبراير 2011 يتجاهلون من أين تستقي أي ثورة شرعيتها ولهذا رأينا كيف تاجروا بها ومازالوا! ولهذا أيضاً تجدني عزيزي القارئ الكريم أصف كل محاولات الثورة بالحلم لأن أهدافها لم تتحقق أو أنه تمت سرقتها إما بسلوك من يحكم بالأصالة أو بالوكالة بانقلاب داخلي أو بمبادرة سعودية أسميت (المبادرة الخليجية) ومن المؤكد أن الانقلابات الداخلية أهون إن لم تكن ممولة !!؛
الثورة السلمية الحقيقية تقتضي وعيا وطنيا ودينيا عند من يؤمنون وإنسانيا يقدِّر أهمية الحرية والاستقلال والسيادة يحتضن الثورة ليجعل منها منهجاً وطنياً لا يقبل المساومة ولا الإقصاء يقوم على العلم واحترام القيم الدينية والأخلاقية والقانونية ويحترم التعدد
والثورة بهذا المعنى الإنساني أعتقد أنها قابلة للبقاء ولأن يعيش الناس جميعاً بسلام ما لم فالبقاء لدوامة والعنف المقابل!
(ولي ثورةٌ آليت ألا أبيعها * وألا أرى غيري لها الدهرُ مالكَ)
*معارضة لبيت من قصيدة لابن الرومي


في الثلاثاء 16 فبراير-شباط 2021 07:20:23 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=3399