|
لمعرفة حقيقة التغيير المفاجئ في السياسة الأمريكية بخصوص اليمن علينا التطرق إلى أسباب وعوامل هذا التغيير بموضوعية، وأهمها:
1 ـ الانتصارات النوعية والصناعات الحربية اليمنية:
عندما نتحدث عن الانتصارات اليمنية فإننا نتحدث عن إنجازات لم يسبق لها مثيل على مر العصور ولا يمكن للكلمات وصفها والتعبير عنها بدقة، فما حدث في اليمن لم يحدث في أي مكان آخر، وقد اقترب سيد المقاومة نسبيا من وصف الانتصارات اليمنية عندما قال بأنها ستصبح مرجعيات ومواد تدرس في أهم وأكبر الأكاديميات العسكرية، كما أن الانتصارات لم تقتصر على القوة والبسالة والشجاعة التي أظهرها المجاهد اليمني أمام أعتى وأقوى وأحدث الترسانات العسكرية في العالم بشكل منقطع النظير وإنما شملت الصناعات العسكرية التي أذهلت العالم، وفشلت أحدث تكنولوجيا الدفاعات الجوية في التصدي لها، وهو ما أوضحته الوقائع والأحداث، فقد أصابت الصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية أهدافها بدقة متناهية.
وفي المقابل أسقطت الدفاعات الجوية اليمنية عدداً من الطائرات الحربية المعادية ونجح سلاح الجو بشكل كلي في تحييد الـ«أباتشي» التي تعتبر السلاح المرعب لكل جيوش العالم، بالإضافة إلى أن العدوان اضطر إلى القصف الجوي من علو مرتفع أكثر من ذي قبل بسبب بلوغ المضادات الجوية اليمنية إلى مستويات أعلى من ذي قبل، وكلما استمر العدوان استمرت الانتصارات النوعية واستمر التطور العسكري، فالحاجة أم الاختراع، كما يُقال، وما وصل إليه اليمن عسكريا كان كفيلاً بالتفات العالم، وبات التوجه نحو السلام يشكل مصلحة لتحالف الشر والظلام لاسيما بعد إعلان اليمن قدرة قواته على خوض معركة الوجع الأكبر بكل اقتدار، والقدرة على استهداف الكيان الصهيوني بحرا وجوا، ويدرك التحالف جيدا مصداقية هذا التصريح الذي جعلهم لا يرون بديلا عن السلام من منطلق «مكره أخاك لا بطل» و«اليد التي لا تستطيع كسرها بوسها». وبالتالي كان فشل وهزيمة التحالف وأدواته أبرز وأهم أسباب التغيير بعد أن عرف التحالف العالمي أقصى ما يمكنه الوصول إليه مهما كان حجم القوة والتحشيد وخبث الاعتداء، وباتت أحلامه ومخططاته محصورة في الحفاظ على ما حصل عليه من مكاسب في المحافظات اليمنية المحتلة، وهي أضغاث أحلام لن تتحقق بإذن الله في ظل وجود رجال لم يخلق الله مثلهم على هذه الأرض.
2 ـ الصمود والثبات الشعبي:
لم يكن العدوان على اليمن عسكريا فقط كما لم يكتف تحالف الشر والظلام بارتكاب أبشع المجازر والجرائم بحق المدنيين وتدمير البنية التحتية والمرافق الحكومية واستهداف المعالم الأثرية، بل مارس أقبح أنواع الاعتداء على شعب العروبة والأصالة، فأقحم الاقتصاد في حربه اللعينة واستخدم سياسة تجفيف الموارد المالية بغية تجويع اليمنيين لإركاعهم مما تسبب بارتفاع الأسعار بنسبة تزيد عن 300٪ وانقطاع المرتبات لأكثر من أربعة أعوام، ناهيكم عن الأضرار الكارثية للحصار الخانق وإغلاق المطارات واحتجاز سفن الوقود.
وتسبب العدوان بشكل مباشر في فقدان أكثر من 50٪ من موظفي القطاع الخاص أعمالهم من خلال الخنق الاقتصادي واستهداف المصانع، كما دمر العشرات من قوارب الاصطياد التي تعتبر وسيلة وحيدة للحصول على القوت اليومي لمئات الأسر الفقيرة مما تسبب في مجاعات لكثير من أهالي المناطق الساحلية، ومن جانب آخر تعمد العدوان إدخال مواد مسمومة ومنتهية الصلاحية ومغشوشة (أغذية ومبيدات وسجائر مهربة وغيرها)، كما قام برش سمائنا بغاز الكيميركيل لتفرقة السحب منعا لهطول الأمطار كجزء من الحرب الاقتصادية وسياسة التجويع، واستخدم العدوان أيضا خلايا لنشر الرذيلة والدعارة وأخرى لترويج المخدرات، كما دعم عصابات التقطع والسرقة وتجارة الأعضاء، وعمل بكل الوسائل ليقود المجتمع اليمني إلى التفسخ، وأثار العدوان الفتن ولعب على وتر العنصرية ونشر الإشاعات المغرضة بشكل مكثف، وكل ذلك مثبت في التقارير الموثقة واعترافات كل من تم القبض عليهم.
قد يعتقد القارئ بأننا بالغنا أو أطلنا الحديث عما استخدمه أعداء الإنسانية، غير أن ما قلناه كان مقتضبا ولا يمكن حصر وسائل وأشكال العدوان وأضراره المستمرة منذ ستة أعوام دون أن يتوقف العدو خلالها أسبوعا واحدا، فالأعداد مهولة بالنسبة للمرضى الذين توفوا بسبب إغلاق مطار صنعاء، وللنازحين جراء استهداف منازلهم.
كما أن حجم التلوث البيئي مفجع وضحايا الأوبئة بالآلاف وجميعها تسبب بها العدوان الذي جمع كل الأسلحة المحرمة ليستخدمها في اليمن، أما عن نهب الثروة فالحديث يطول ويطول، ومع كل هذا لم يحصل العدو على مبتغاه ولم يصل إلى هدفه وذلك بفضل الله وأصالة وعراقة المجتمع اليمني وقيمه ومبادئه وحسن أخلاقه وإيمانه الكامل بوجوب الصمود في وجه العدوان وحتمية التصدي له، وقد سطر هذا الشعب الأبي أروع نماذج الصبر والثبات، مما جعل العدوان يفقد الأمل في إركاعه وإخضاعه.
3 ـ حكمة قائد الثورة ومن معه من المخلصين:
في إدارة المعركة ضد العدوان الكوني يلاحظ الجميع أن المعركة سارت وتسير وفق خطط وتنسيق وترتيب دقيق جدا، فلم يكن للعشوائية ولا المزاجية أي وجود في سير المعركة، وكذا لا وجود للقرارات الانفعالية المتهورة، فقد كانت كل خطوة مدروسة بعناية سواء على مستوى جبهات الداخل (تحرير أو إخماد فتن) أو على مستوى استهداف عمق دول العدوان بالضربات العسكرية الناجحة والدقيقة، كما أن ذلك واضح أيضا من خلال النفس الطويل في إدارة المعركة وتمكن أبطال اليمن بفضل الله من اجتراح المعجزات.
وتغلبت إدارة القيادة اليمنية للمعركة على جيش من الخبراء المختصين في إدارة الحروب، وكانت جميع عمليات التحرير مبهرة، وكل ضرباتنا في عمق دول العدوان موفقة بنسبة 100٪ من حيث التوقيت والموقع المستهدف وحجم الضربة، وتغلبت قيادتنا على العدو أيضا من جانب استخباراتي معلوماتي بشكل مميز جدا، وكل هذا بفضل الله عز وجل ثم بفضل قيادتنا الثورية الحكيمة، وقيادتنا العسكرية المحنكة، كما أن يد السلام كانت ولاتزال ممدودة سواء للمغرر بهم من اليمنيين أو للدول المعتدية، وهذه ميزة لا يمتلكها إلا عظماء البشرية وأكثرهم حكمة وقدرة واستعداداً للتسامح والعفو عند المقدرة، كما أن توجيهات قائد الثورة بشكل مستمر للمجاهدين والتعليمات الواجب اتباعها كان لها أثر طيب وملموس، وعكست نظرة رائعة عن أخلاقيات المقاتل اليمني، فلم نقتل المدنيين، ولم نستهدف المنشآت الخدمية العامة، ولم نتجبر ونتكبر ونحن في أوج الانتصار، كما لم نتعامل مع خصمنا باستضعاف وعنجهية لحظة هوانه، بل إن مقاتلينا تعاملوا مع المرتزقة برقي وإنسانية فتركوا المجال لهروب الفارين منهم من أرض المعركة، وأحسنوا معاملة الأسرى منهم وعالجوا جرحاهم، وبادر السيد القائد أكثر من مرة بالتوجيه بإطلاق سراح عدد من الأسرى كإثبات لحسن النية ومن جانب إنساني، وتلك أخلاق وتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف بعيدا عن مدخلات التكفيريين وابن تيمية والوهابية ذات المنبع والمنشأ الصهيوني البريطاني.
4 ـ فقدان أهم عنصرين لاستمرار العدوان (القوة المالية والبشرية):
وصلت السعودية والإمارات إلى مرحلة التذبذب الاقتصادي والعجز المالي وتفاقمت الأزمة إلى أن لجأتا إلى الاقتراض وبيع أسهم أهم شركاتها، ورغم إيراداتها المهولة وكل الإجراءات التقشفية إلا أن العجز استمر بشكل تصاعدي، فتكاليف العدوان باهظة جدا، ورغم غياب الشفافية وعدم تحديد التكلفة الحقيقية إلا أن بعض التقارير أشارت إلى أن التكلفة تجاوزت ثلاثة تريليونات دولار خلال الأعوام الثلاثة الأولى للعدوان، وبالتأكيد أن الأعوام الثلاثة اللاحقة كلفت السعودية أضعاف ما كلفتها الأعوام الأولى، وذلك نظرا لتجرعها خسائر مهولة جراء استهداف أهم منشآتها الحيوية ومطاراتها وإحراق الكم الأكبر من مدرعاتها وآلياتها، كما أن موجة كورونا لعبت دورا هاما في تفاقم خسائر السعودية والإمارات، نظرا لانحفاض أسعار النفط ومشتقاته بشكل كبير واستمرار الانخفاض لفترات طويلة، وبعد أن كانت السعودية تشتري الأسلحة بشكل مهول بدأت تقلص مشترياتها من السلاح وتكتفي غالبا بتعزيز المنظومات الدفاعية (الفاشلة).
ومن جانب آخر لم يعد لدى تحالف العدوان 50٪ من الجيوش التي بدأ بها العدوان رغم استعانته بالجنجويد والبلاك ووتر ومرتزقة من شتى بقاع الأرض، فقد ابتلعت مقبرة الغزاة الكم الأكبر من المرتزقة في أكثر من 21 جبهة مشتعلة وتمكن المجاهدون من أسر أكثر من سبعة آلاف مرتزق يمني ومئات الأسرى من جنسيات مختلفة، كما أن أفواج العائدين إلى حضن الوطن لم تتوقف عن التدفق طوال العام السادس للعدوان.
ومن هنا يتضح أن التحالف فقد أهم عنصرين لاستمرار عدوانه وهما القوة المالية والبشرية، ومن هذا المنطلق نستطيع أن نقول بأن اليمن كان السبب الوحيد في إنقاذ العالم من هيمنة واستكبار تحالف الشر، فبعد انتهاء العدوان لن يكون بمقدور هذا التحالف الشيطاني مهاجمة أي دولة، وهذا يعني أننا قاتلنا بالنيابة عن كل أحرار ومستضعفي الأرض.
5 ـ تورط أمريكا بمجازر تصل إلى جرائم حرب ضد الانسانية وفضح دعمها للجماعات الإرهابية:
لم تكن أمريكا بمفردها المتورطة في جرائم الحرب التي ارتكبها العدوان في اليمن بحق المدنيين إلا أنها أكبر المتورطين باعتبارها تتصدر رأس قائمة الدول من حيث عدد وحجم صفقات الأسلحة مع السعودية والإمارات، وفي كل مجزرة ارتكبها العدوان في اليمن كان يتم جمع بقايا وحطام السلاح المستخدم (قنبلة أو صاروخ) ويتضح من خلال البقايا التي تم جمعها أن أغلب الجرائم والمجازر تمت باستخدام سلاح أمريكي المنشأ؛ كما حدث قي مجزرة أطفال ضحيان، وتأتي بريطانيا بعد أمريكا تليهما فرنسا ثم ألمانيا... الخ، أما الكيان الصهيوني فقد شارك بطائرات الـ»إف 35»، وكانت أول تجربة صهيونية لهذه الطائرات في اليمن (ضربة جبل نقم) ثم في سوريا بحسب ما أشارت إليه بعض التقارير.
ورغم معرفة هذه الدول المصنعة للأسلحة أن التحالف استخدم أسلحتها بشكل خاطئ، وأن 90٪ من غارات العدوان استهدفت مدنيين إلا أنها لم تتخذ قرار حظر بيع الأسلحة منذ الجريمة والمجزرة الأولى كما كان ينبغي أن يتم، واستمرت ببيع الأسلحة لدول العدوان بما فيها أسلحة محرمة دوليا واستمر تحالف العدوان بارتكاب المجازر طوال ستة أعوام وهذا يجعل هذه الدول تتحمل المسؤولية الكاملة عن كل الجرائم والمجازر التي ارتكبها العدوان، أما عما يقال حاليا بشأن توقف بيع الأسلحة للسعودية والإمارات فهو إجراء جاء متأخرا جدا وسببه بالدرجة الأولى العجز المالي السعودي الإماراتي، كما أنه يصب في إطار التنصل من المسؤولية المترتبة على بيع أسلحة فتاكة ومحرمة استخدمت في قتل المدنيين.
وهذا ما عبر عنه السيناتور الأمريكي كريس ميرفي عند استعراضه لصور بعض الجرائم التي ارتكبها العدوان مستخدما أسلحة أمريكية، وقوله بأن اليمنيين محقون عندما يحمّلون الولايات المتحدة مسؤولية القتل، لأن القنابل أمريكية. وأشار ميرفي إلى أنّ الحرب التي أسهمت فيها أمريكا على اليمن وفّرت بيئة لداعش، فيما عبر عن جزء من الحقيقة فقط وهو الجانب المتعلق بقتل المدنيين بسلاح أمريكي، ولم يفصح عن الدعم الأمريكي للجماعات الإرهابية، ففي معارك الجيش واللجان ضد الجماعات الإرهابية في قيفة وغيرها كانت ولاتزال الغارات الجوية أكثر العوامل الداعمة والمساندة لـ»داعش» و»القاعدة»، كما أن المخازن التابعة لهذه الجماعات والتي عثرت عليها القوات اليمنية كانت مليئة بالأسلحة الأمريكية، وقد تحدثت كثير من التقارير عن استخدام التحالف للجماعات الإرهابية، وهذا يفضح كذب وزيف مزاعم أمريكا في محاربة الإرهاب ويجعلها مضطرة لتغيير سياستها.
6 ـ استلام الحزب الديمقراطي دفة الحكم:
تغيير الحزب الحاكم أو شخص الرئيس لا يقود إلى أي تغيير في الأهداف والسياسة الأمريكية العامة لكنه يؤدي إلى تغيير الأسلوب، فما كان يؤخذ بالقوة ستعمل أمريكا على أخذه بالسياسة والعكس صحيح أيضا، أمريكا تشهد تقهقراً وتراجعاً عالمياً لم يسبق أن حدث من قبل، وسمعتها باتت في الحضيض، فترامب خدمنا كثيرا بهذا الشأن بوضوحه وشفافيته وجرأته التي فضحت صهاينة العرب كما فضحت الديمقراطية الأمريكية الزائفة وجعلت سياسة الانتهازية والاستغلال الأمريكي واضحة وجلية للعالم ولا تحتاج إلى فطنة وذكاء سياسي لكشفها، وذلك يؤدي حتما إلى ضرورة تغيير الأسلوب ومحاولة محو الصورة القبيحة التي لم يكن ترامب سببها بل كان سببا لفضحها.
7 ـ النشاط الإعلامي والسياسي اليمني بفضح ممارسات العدوان البشعة ونشر مظلومية الشعب اليمني:
جهل كثير من شعوب العالم تفاصيل ما يحدث في اليمن وذلك بسبب سيطرة تحالف الشر على الإعلام العالمي وموجة شراء الذمم وتكميم الأفواه والتعتيم الإعلامي المتعمد وتشويش القنوات المساندة لقضية اليمن إعلاميا وإغلاقها أكثر من مرة إلا أن ذلك لم يدم، فهناك فاعلية ملموسة بفضح جرائم العدوان ونشرها على مستوى عالمي، وقد حققت حملات تويتر نجاحا كبيرا وتصدرت الهاشتاجات المركز الأول عالميا، كما قام البرلمان اليمني مؤخرا بمخاطبة برلمان الاتحاد الأوروبي وغيره من برلمانات الدول المصنعة للأسلحة وناشدهم وقف بيع الأسلحة لتحالف العدوان مع إرفاق تقارير توضح حجم الكارثة التي يعيشها الشعب اليمني جراء العدوان والحصار الغاشم، وصحيح أنها خطوة متأخرة إلا أن مردودها كان إيجابياً، فنشر القضية عالميا يؤدي إلى ضغوط شعبية عالمية وهذا يعكس تغيراً في سياسة حكومات تلك الدول كضرورة ناتجة عن ضغوط شعوبها وليس عن معرفة حديثة مفاجئة، فكل المنظمات والحكومات تعلم جيدا بكل ما دار ويدور في اليمن منذ بدأ العدوان، لكن المتغيرات حكمت عليهم بضرورة تغيير سياساتها، كما لعبت الجاليات اليمنية في أمريكا وأوروبا دورا بارزا في هذا المجال، وتحرك الناشطين والحقوقيون اليمنيون والعرب وبعض الأجانب أيضا بشكل مكثف، فلهم منا كل الشكر والتقدير.
هنالك أسباب أخرى لكنها أقل أهمية مما سبق ذكره، ونكتفي بالتطرق لأهم الأسباب، أما عن النتائج فكانت حبك خطة شيطانية بدأها ترامب بخطوتين كمنفذ للسياسة الأمريكية، والغرض من الخطوتين كان التضليل وإيهام المجتمع الدولي أن الموقف الأمريكي السابق من العدوان على اليمن ناتج عن تصرفات شخصية خاطئة ارتكبها ترامب بتهوره واندفاعه، ولا يعبر عن التوجه العام للسياسة الأمريكية، بينما الحقيقة مختلفة تماما، وأي تصرف من أي رئيس أمريكي تتحمل تبعاته أمريكا كدولة، ولا علاقة للشخصنة بالموضوع.
وتتضمن الخطة تراجع بايدن وحكومته عن الإجراءات والسياسة الأمريكية المتخذة إبان نظام ترامب، وبالنسبة للخطوتين فهما:
الخطوة الأولى: عقد صفقات بيع أسلحة للسعودية والإمارات، وفي هذا السياق بمجرد الاطلاع على نوعية تلك الأسلحة التي تضمنتها الصفقة يدرك القارئ والمحلل السياسي أنها لم تكن أكثر من صفقات وهمية، فلا يمكن الموافقة والسماح للسعودية والإمارات بامتلاك أسلحة نوعية متطورة تجعلها في حالة توازن عسكري ولو بشكل نسبي مع الكيان الصهيوني في جانب سلاح الجو، فلا السعودية ستمتلك قاذفات الـ"بي 52"، ولا الإمارات ستمتلك طائرات الـ(إف 35)، وبالتالي كانت الصفقات وهمية، والغرض منها إشعار المجتمع الدولي والعالم أن هناك تراجعاً عن أخطاء وحماقات ترامب.
والخطوة الثانية: هي تصنيف جماعة الأنصار كجماعة إرهابية، وذلك أيضاً يدخل في إطار إيهام العالم بأن السياسة والإدارة الأمريكية الجديدة كسرت الحائط والحاجز الترامبي الذي كان يعوق الحل السلمي في اليمن، والذي كان سيؤدي إلى استمرار الحرب إلى أجل غير مسمى.
وهذا الكسر والتراجع تريد أمريكا أن تقول للعالم من خلاله بأنه يجب أن يكون له مردود إيجابي في مواقف الأنصار، بمعنى لقد تقدمنا نحو السلام وعلى أنصار الله أن يقابلوا هذه الخطوة بخطوات مماثلة، علماً أن قرار التصنيف لم يكن إلا وسيلة ضغط، ويستحيل أن يمر، فلا يمكن تصنيف الأنصار كجماعة إرهابية، وأمريكا نفسها قبل أشهر قليلة من التصنيف وجهت أدواتها بالسماح بإعادة 240 شخصاً من جرحى الأنصار العالقين في مسقط، كما وجهت بإتمام الصفقة الأولى لتبادل الأسرى، فكيف تصنفهم إرهابيين وقد أعادت إليهم جرحاهم وأسراهم؟!
كما أنه لا يمكن لأمريكا تجاهل الموقف العالمي الرافض للتصنيف ولاستمرار العدوان على اليمن، والذي دعا لإيقاف العدوان وإحلال السلام، وذلك تجلى بوضوح في اليوم العالمي للتضامن مع اليمن، إذ وقعت 600 منظمة دولية على بيان يدعو إلى وقف الحرب على اليمن وعدم بيع السلاح لكل من السعودية والإمارات، علماً أن كل تلك المنظمات لم تشعر بصحوة ضمير بشكل مفاجئ، وإنما أدركت أن ضرع البقرة قد جف ولم يعد بإمكانها استثمار معاناة اليمنيين أكثر مما سبق.
وصحيح أن التوجه الحالي يصب في إطار إحلال السلام، لكن ذلك لم يكن بسبب تغيير ترامب، وإنما للأسباب التي أوردناها في الجزأين السابقين من هذا المقال.
أما عن الأهداف فلاتزال كما هي ولم يحدث أي تغيير لها بعد مسرحية الإطاحة بترامب، فقط تغير الأسلوب، فلاتزال أمريكا تضغط للحصول على موطئ قدم في البحر الأحمر للسيطرة والتحكم بخط الملاحة الدولي ولحماية الكيان الصهيوني وضمان عدم تكرار تجربة إغلاق اليمن لمضيق باب المندب كما حدث في حرب أكتوبر، كما أن التواجد في البحر الأحمر سيساعد أمريكا والكيان في التجسس على باكستان من خلال زراعة أجهزة اتصالات لاسلكية عالية الدقة في جزيرة سقطرى، وهذا ما جعل باكستان تعبر بشكل صريح عن مخاوفها من خطوة الإمارات في تمكين الكيان الصهيوني من التواجد في سقطرى.
ما نشهده حاليا عبارة عن تبادل أدوار لا أكثر، ففي الوقت الذي تتحدث فيه أمريكا عن وقف دعمها للسعودية تعلن بريطانيا استمرارها في بيع الأسلحة للسعودية والإمارات. وفي الوقت الذي تعلن فيه أمريكا حمايتها للسعودية يعلن الاتحاد الأوروبي قرار وقف الحرب وانسحاب كافة القوات الأجنبية من اليمن ودعم السلام الشامل من خلال حوار يجمع كل الأطراف اليمنية، وستستمر معركة السياسة والإعلام بين شد وجذب ليصل التحالف الأمريكي- الغربي إلى أقصى ما يمكنهم الوصول إليه، وسنشهد أحداثاً يُراد من خلالها إيهام العالم بأن الحرب باتت من طرف واحد فقط وهو الطرف اليمني، وأننا تحولنا من معتدى عليه إلى معتدٍ، وهذا ما حاولت أمريكا أن تقوله من خلال إدانتها لقصفنا مرابض الطائرات الحربية في مطار أبها، متجاهلين الكارثة التي تسبب بها العدوان باحتجازه سفن الوقود، ومتغاضين عن استمرار غارات العدوان. كما لم نشهد أية خطوات عملية سواء في الجانب العسكري أو بما يؤدي إلى انفراج اقتصادي، ولاتزال القضايا الإنسانية عالقة.
عموماً، المعركة الإعلامية والسياسية حالياً تأخذ حيزاً أكبر من العسكرية، وهذا لا يعني أن نتوقف عن استهداف عمق دول العدوان ومعارك التحرير في الداخل، فهي التي ستجعل العدو يهرول نحو السلام الحقيقي والشامل، وبالتأكيد سيواكب أحرار اليمن المتغيرات سياسيا وإعلاميا بشكل محترف ومكثف، ولن يقبلوا بأقل من تحرير كل شبر في اليمن الموحد وإلغاء وإنهاء التبعية إلى غير رجعة مع ضمان الحقوق والمصالح المشروعة الإقليمية والعالمية.
بدأت النهاية
تدرك أمريكا والدول الراعية للعدوان أن مسألة تحرير مأرب والجوف باتت محسومة، والدفع بمجاميع من المرتزقة صوب مأرب وتكثيف الغارات الجوية محاولة للاستنزاف وليس لوقف تحريرهما.
حاليا يتم الترتيب دوليا لخطوات سياسية تحت عنوان "وقف الحرب وإحلال السلام" بدافع إنساني ظاهرياً، والهدف الحقيقي هو وقف تقدم الجيش واللجان الشعبية نحو محافظات جنوبية والاكتفاء بتحرير مأرب والجوف، قلناها مرارا وتكرارا لن يتوقف العدوان بكل أشكاله ويرفع الحصار إلا إذا شعرت الدول الراعية للعدوان بأنها ستخسر باستمرار عدوانها أكثر مما تجنيه، وهذا ما يحدث حاليا مما جعل العدو الأمريكي- البريطاني- الأوروبي في حالة سباق نحو تقمص دور الوسيط للتنصل من مسؤولية وتبعات رعايتهم ودعمهم للعدوان ولضمان نفوذ وموطئ قدم في واقع "ما بعد العدوان".
تحرير حضرموت أو شبوة مع ضمان المصالح الإقليمية والدولية المشروعة سيفشل مخطط الانفصال أو الأقلمة ويضع حد للحلول الجزئية ويجبر العدو على الهرولة نحو حل وسلام شامل قبل أن يفقد مصالحه وأدواته في العمق السعودي.
* نقلا عن : لا ميديا
في الأربعاء 17 فبراير-شباط 2021 06:58:19 م