|
لن أكشف عن اسمي فالشهرة آخر ما أفكر فيه
حاوره نشوان دماج / لا ميديا
شاعر مجاهد نذر نفسه حباً لله ورسوله وعشقاً لصوت الحق. لا يحب الشهرة ولا الظهور، ويرغب في أن يكون عمله لله، «وما كان لله يظل لله»، كما يقول. تخلى عن الأسماء والألقاب واتخذ من الأخدود رمزية للمكان والموقف، مكتفياً بلقب «شاعر الأخدود».
يستقبلك بكل ترحاب وحفاوة في سطح مسكنه الذي جعل منه أشبه بخيمة بدوية. خشب من شجر السرو يحترق في موقد، وعليه «دلّات» من القهوة النجرانية تنتظر حتى يجهز تحضيرها فتشربها فنجانا بعد آخر مع حبات التمر، متناسياً أنك في هذه الساعة على موعد مع القات. ذاك طقس النجرانيين الذي يستقبلون به ضيفهم، والذي يصر شاعر الأخدود على التمسك به أينما ذهب، كجزء من التعبير عن هوية خاصة، وكجزء من عادات وتقاليد قبيلة يام التي هو واحد من أبنائها.
سويعات من الحديث البسيط وغير المتكلف، مصحوبة بذلك الطقس الاستضافي، تخرج بعدها كأنما من عالم بعيد قريب لم تعشه من قبل. وربما لولا ما خرج به اللقاء وما تضمخ به ثيابك وأنفك من رائحة احتراق العودة وهي تُمرر إليك عبر المبخرة ثلاث مرات، لا مرة واحدة، أو كما يقول المضيف: «لا بد من تمريرها وِتْرَاً»؛ ربما لولا ذلك لكانت الزيارة برمتها حلماً من الأحلام.
رمزية «الأخدود»
لماذا اخترت لقب «شاعر الأخدود» دون غيره؟ وهل في ذلك رمزية ما؟
اتخذت لي هذا اللقب لما يحمله الأخدود من رمزية مكانية وثورية ودينية. أما الرمزية المكانية فلكوني من نجران، أرض الأخدود وقبيلة يام. وأما الثورية فلأن في تلك البقعة من الأرض أرواح أحرار لم يقبلوا الضيم وفضلوا النار على أن يتخلوا أو يتنازلوا عن مبادئهم. وأما الدينية فلأن الأخدود رمز لأولئك المؤمنين الذين بقوا على دين سيدنا المسيح وانتظروا بشارته في سيدنا محمد، وظلوا مخلصين في ولائهم لله وأنبيائه وأوليائه.
بدأت مع «الشباب المؤمن»
كيف كانت بداياتك مع المسيرة القرآنية؟
بداياتي أيام كان المجاهدون قلة قليلة في قمم جبال صعدة، وكان يطلق عليهم «الشباب المؤمن». كنت أرى منهجيتهم وأسلوبهم وصدقهم وجهادهم وولاءهم لرسول الله وآل البيت، فرحت أرتبط بهم ارتباطاً وثيقاً، روحاً وذاتاً، فأصبحوا إخواناً لي. ثم اقتربت منهم أكثر، فكان أول من عرفت منهم أبو عبدالله العزي، خال الأستاذ حسين العزي نائب وزير الخارجية، وكان ذلك أيام أحداث دماج. بعدها أتيت إلى صنعاء في أول سنة للعدوان، فالتقيت بالشيخ عبدالواحد أبوراس، ومن ثم أصبحت مرتبطاً ارتباطاً كلياً روحاً وجسداً وذاتاً وكياناً. وكان للشيخ عبدالواحد فضل كبير في ذلك، فهو من خيرة رجال المسيرة، ولمسنا منه حباً وولاءً كبيرين لها. بعدها التقينا بكثير من قيادات أنصار الله، أمثال محمد علي الحوثي وعبدالكريم الحوثي وأبو الكرار الخيواني والشيخ شمسان أبو نشطان والدكتور طه المتوكل وغيرهم.
رسالة للسيد من أبناء نجران
ماذا عن السيد عبدالملك.. هل التقيتم به؟
لا، لم نلتق به نظراً لهذه الحرب الهمجية التي حالت دون ذلك. وأقول لك حقيقة: نحن تواقون إلى لقائه، لكننا مقدرون ظروفه وانشغالاته. وإن شاء الله في قادم الأيام سنلتقي به كما وعدنا هو.
وماذا عن مسيرتك الشعرية الجهادية؟ هل بدأت هي أيضاً من صنعاء؟
بدأت في وقت مبكر، وأيام كنت ما أزال في نجران. فقصيدة «يا طير أنا بسألك بالله يا طير» كانت بمثابة رسالة إلى السيد من
وادي نجران. أي أنني كتبتها وأنا هناك. ثم بعد أن أتيت إلى صنعاء وتعرفت إلى المنشد عيسى الليث، أعطيته إياها فأنشدها.
هل كانت تلك القصيدة هي أول زامل يُنشده لك عيسى الليث؟
أول زامل أنشده لي كان قصيدة بعنوان «يا سبأ»، والتي منها:
يا رجال اليمن والعز لاحت بروقه
زَرْجمي يا رعود وسَبِّحِي يا غمامة
ليث المنشدين
صف لنا علاقتك بالمنشد عيسى الليث ورأيك فيه؟
علاقتي بالمنشد الكبير المجاهد عيسى الليث أخوية إيمانية. تعرفت إليه عن طريق المسؤولين في أنصار الله، وأبدى كل منا تعاونه مع الآخر، ووجدت فيه نعم الأخ والصديق والمجاهد. عيسى الليث من الذين بذلوا أنفسهم وحريتهم ومالهم في سبيل الله، فهو إنسان شديد التواضع يهيم في حب النبي وآل النبي. أما رأيي فيه كمنشد، فأعتبره ليث المنشدين له من اسمه نصيب كبير. إنك عندما تسمعه ينشد الزامل تشعر بصوته زئير الأسد. ولا أبالغ إن قلت إن عيسى الليث يعتبر جبهة بحد ذاته، وجبهة من أقوى الجبهات.
كم عدد القصائد التي أنشدها لك؟
تصل إلى 20 قصيدة، أشهرها: «يا طير»، «ارعدي يا بندقي»، «نبراس الهداة»، «خيلت برّاقاً سرى»، «سيد الكونين»، «يام العريضة».
«الطير» أنشد لي 3 قصائد
هل هناك منشدون آخرون تعاملت معهم؟
بالتأكيد، منهم المنشد الكبير صاحب الخلق الرفيع حسين الطير الذي أنشد لي 3 قصائد إلى الآن، وهي: «يا كربلاء»، «آل سبيعيان»، «أبطال عراص». وكذا المنشد عبدالخالق النبهان الذي أنشد قصيدة لي في همدان بن زيد. أيضاً المنشد الشاب عدي السفياني أنشد لي قصيدة «الأسير» وأخرى في الشيخ محمد بن عبدالعزيز الأمير وأهل مأرب. كما أن لي 3 قصائد ألقيت بصوت الشاعر الدكتور مصطفى المحضار، وهي قصائد مناسباتية في المولد النبوي وعيد الغدير ويوم عاشوراء. ومجمل قصائدي التي تمت زوملتها أو إنشادها تقارب الـ30 حتى الآن.
ألحان يامية
وبالنسبة لألحان الزوامل.. هل كان لك دور في اختيار ما يناسب البيئة النجرانية فيها؟
هذا يعود أكثر إلى المنشد نفسه؛ أي أنهم هم من يأتي بالألحان في أغلب القصائد. فعيسى الليث مثلاً، تدرك من خلال تلك الألحان أنه مطلع على الفلكلور اليامي، وبالتالي استطاع أن يأتي باللحن من بيئة قبائل يام قدر الإمكان.
فاز الحسين
ماذا عن تجربتك مع القصيدة الفصحى؟
تجربتي مع الفصحى ليست كبيرة. هناك قصيدة لي بعنوان «فاز الحسين» لا أستطيع أن أقول إنها فصحى خالصة. وهي التي أقول فيها:
من عالم القدس والتسبيح والسننِ
أتيت بالرحمات أمراً وتحنانا
كما أن لي قصيدة جديدة أقول فيها:
قادمْ قادمْ بالقرآن
للإنجيل وللتوراة
للعالم أطفي الأحقاد
وسأقدمها إن شاء الله لمحور المقاومة كمشاركة من أنصار الله.
في سبيل الله
هل هناك مقابل تحصل عليه لقاء قصائدك؟
الشاعر المجاهد يوظف أحاسيسه ومشاعره وقلمه في سبيل الله. فإذا أخذ على ذلك مقابلاً فليس في سبيل الله، وإنما في سبيل المصلحة. مهما اشتدت عليه ظروف الحياة لا يجعل من قلمه سلعة للبيع والشراء.
شاعر لا يجارى
بالنسبة لشعراء المسيرة القرآنية الآخرين.. هل هناك منهم من تراه متميزاً وقريباً منك؟
بالتأكيد، هناك شعراء لا يشق لهم غبار كما يقال، منهم على سبيل المثال لا الحصر، الشاعر عبدالسلام المتميز الذي أعتبره أذكى الشعراء؛ إنه يوظف قصيدته حسب خطوات الأحداث وتسلسلها. هناك أيضاً شاعر الفصحى الكبير صلاح الدكاك الذي لا يجارى في قصائده الجزلة. منهم أيضاً الشاعر الكبير ضيف الله سلمان الذي يكتب بكل طلاقة في مجاليْ الفصحى والعامية. وكذا الشاعر أمين الجوفي، صاحب قوة الإلقاء التي لا تحتاج إلى منشد. هناك أيضاً الشاعر الأمير صاحب الخيال الرحب معاذ الجنيد، والأستاذ القدير صالح الأحمدي، ومحمد الهلالي وأبو هادي الوائلي... وغيرهم الكثيرون. وباختصار: جميع شعراء المسيرة القرآنية بلا استثناء أراهم متميزين؛ فكل من أطلق حرفاً في سبيل الله هو عندي كمن أطلق رصاصة في جبين الباطل.
فخر واعتزاز ولا مكان للشهرة
بماذا يشعر شاعر الأخدود عندما يسمع قصائده تتردد ألحاناً في أفواه الناس؟
لا شك أنني أشعر بالفخر والاعتزاز. أشعر بأنني أحيي عند الناس روحاً جهادية وأقدم بذلاً ما في سبيل الله. فالبذل لا يقتصر على النفس فحسب، بل يشمل جوانب كثيرة ومجالات أخرى.
لكن لماذا تكتفي بلقب «شاعر الأخدود» ولا تذكر اسمك الحقيقي؟
أستطيع القول بأن سبب ذلك هو أنني نذرت عملي لله. ولم أفكر يوماً بالشهرة أو بحب الظهور. وما كان لله يظل لله.
وهل نستطيع القول نحن أيضاً بأن هذا موقف ثابت منك حتى وإن طلبنا منك ذلك في هذا اللقاء؟
نعم.
هل تفكر في طباعة ديوان لك هنا؟
أنا الآن مكتفٍ بقناتي على التليجرام، كما أنني قريباً سأقوم بإنشاء قناة على اليوتيوب، باعتبار تلك الوسائل أسرع مشاهدة وقراءة من الكتب.
انتصارات الحق على الباطل
بماذا يمكن أن تلخص نظرتك إلى العدوان على اليمن والانتصارات المتحققة؟
بالنسبة للعدوان فإن الحق وأهله محاربون منذ بدء الخليقة وإلى يومنا هذا. فمثلما حورب رسول الله والإمام علي، ومثلما قام اليهود على رسول الله وحرضوا عليه القبائل، ها هم يهود اليوم وعن طريق أذنابهم من الحكومات العربية والإسلامية يعتدون على اليمن وعلى شعبه المؤمن الصابر. وبالتالي هذا العدوان البربري الهمجي هو عدوان صهيوأمريكي بالدرجة الأولى، وجميع الشعوب العربية والإسلامية تعرف ذلك، ولولا الخوف من بطش زعمائها لهتفت بالصرخة في كل واد.
أما بالنسبة للانتصارات المتحققة على يد المجاهدين فإنني أراها انتصارات ربانية تتجلى فيها قدرة الله سبحانه وتعالى. إنها انتصار الحق على الباطل.
«المسيرة» ماضية في مقارعة قوى الاستكبار والطغيان
كلمة أخيرة تودون قولها من خلال صحيفة «لا»؟
كلمتان: الأولى في حق قائد الثورة، والثانية في حق المسيرة القرآنية. أما الأولى فإن اللسان يعجز عن التعبير عنها. ومهما قلت لن أفي السيد عبدالملك حقه. لكن أقول له إننا وجدنا فيك السماحة والشجاعة والإقدام والصبر والحكمة والفراسة. قدمت إخوتك وقرابتك في سبيل الله فكانوا أول الناس جهاداً. أحييت ثقافة القرآن وآخيت بين القبائل وهي تعيش ثارات مئات السنين. حافظت على أعراض الناس ودعوت المسلمين كافة بمختلف مذاهبهم إلى كتاب الله وأهل بيت نبيه اقتداء بجدك رسول الله عندما قال: «تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي».
وأما المسيرة القرآنية فإنها سائرة على المنهاج المرسوم لها، رغم محاولات بعض المندسين من خارجها لتشويهها. لقد جاءت نصرة للمستضعفين من جميع الملل والعقائد، وبالتالي مثلما أنها ماضية في مقارعة قوى الاستكبار والطغيان واستطاعت الوقوف في وجه 17 دولة، هي ماضية أيضاً في اجتثاث الفساد والمفسدين. فقط لا يستعجل المستعجلون على أرزاقهم والناظرون فقط إلى ذواتهم. لينظروا إلى وطنهم وإلى شرفهم والكرامة المحفوظة في الوقت الذي هي مفقودة في المحافظات والمناطق المسيطر عليها من قبل المرتزقة.
علينا فقط أن نتحلى بالصبر وألا نستعجل وأن نعين قيادتنا بإخلاص، حينها سنرى أنها مثلما هزمت قوى الاستكبار وكسرت شوكتها في جبهات القتال واجتثت قوى العمالة والارتزاق ستجتث الفساد والمفسدين. وإن هذه المسيرة ماضية بعون الله وفي ظل القيادة الحكيمة لقائد الثورة حتى النصر، وموعدنا القدس إن شاء اللـه.
في السبت 20 فبراير-شباط 2021 07:42:15 م