العدوان والحصار
عبدالرحمن مراد
عبدالرحمن مراد

ما يبعث على الحزن ويقلقنا في هذه المرحلة أن نرى من أبناء اليمن ومن الأحزاب التي تؤيد هذا العدوان على اليمن، استغلالاً رخيصاً ومبتذلاً لآلام الناس وأوجاعهم وكأنهم بمثل ذلك ينتصرون سياسياً وهم لا يدركون حجم الفجوة بين الانتصار السياسي المبتذل وبين السقوط الأخلاقي في وحل الرذيلة، إذ أن ما بينهما مساحات رخوة لا يمكن الركون عليها أو الصعود منها، وكان الأجدر بأولئك النفر الذين يعزفون على وتر الانتصار بريشة الجرح النازف والألم والجوع والمعاناة أن يعودوا إلى ضمائرهم وينتفضوا في وجه التحالف معلنين رفضهم حصار أبناء جلدتهم وأبناء وطنهم , لأن الانتصار بالصغائر صغار وذلة، ومن أراد المجد سعى إليه بروح الكبار لا بذلّ الصغار وهوانهم، وهم يدركون- إن كان بقي في عروقهم شيء من حميريتهم ومن يمنيتهم- أن اليمن لها مبدأ تاريخي لا يمكنها أن تتجاوزه في كل حقبها وتاريخها، كما دلت على ذلك الأحداث والوقائع، وهي لأنها تفضل الموت على العيش هواناً وذلة وشناراً , ولذلك لم تنتفض صنعاء يوم أعدَّ العملاء حملة- أنا نازل- لأن صنعاء تعرف عدوها الحقيقي وقاتلها الحقيقي, ولذلك فشلت الحملة رغم الغطاء الإعلامي المكثف، وفشلت الخلايا العنقودية التي كانت تعد العدة لإحداث الفوضى وأعمال الشغب في صنعاء, وفشل المال والبناء التنظيمي المحكم الذي كان الاشتغال عليه اشتغالاً واعياً ورصيناً، وانهار ذلك البناء وذلك الاشتغال أمام يقظة الحس الوطني الرافض للعدوان والحصار والرافض للخضوع والذل والهوان..
لقد مارس التحالف وعملاؤه كل أشكال القبح واستغلوا كل المآسي الإنسانية، ولم يدركوا أن الاشتغال على البعد الإنساني سلاح العاجزين, وأن حجز ناقلات النفط ليس عملا بطوليا ولا هو خيار الكبار الذين ينتصرون بقوة الفكرة لا بعجز المنطق في المواجهات وفي التبرير .
فشلت السعودية من حيث ظنت الانتصار , وعجزت من حيث ظنت القدرة, ومن وقع في الوهم بلي بالهزيمة, وقد خاضت حربا ضروسا واشتعل حقدها نيرانا وقصفا ودمارا لكنه عجز أن يحقق لها نصرا ولو واهما في منصات التواصل الاجتماعي, وقد أنفقت المبالغ الباهظة على المغردين والمفسبكين، فضلا عن المال الذي ينفق على الشركات العالمية للعلاقات الدولية لتحسين صورتها وتصدير انتصاراتها في اليمن , حيث تخرج التقارير بعد سنوات الحرب والحصار لتقول الحقيقة التي ظلت غائبة عن الرأي العام الدولي، وهي أن اليمن ينتصر والسعودية في مربعات الهزيمة العسكرية والإنسانية والأخلاقية والثقافية .
لم تعد السعودية تحتفظ بالصورة النمطية لها في مخيلة الكثير من الناس بعد أن مارس الإعلام تعسفا وزيفا وتضليلا بل سقطت رغم المال والمغريات , لقد استطاع المجاهد المؤمن الحافي أن يدوس ذلك التصور النمطي من القيمة والقداسة والمعنى حتى ظهر كما هي حقيقته في واقعه , ولعل زيارة بسيطة وسريعة لتطبيق ” اليو تيوب ” أبلغ من ألف خطاب , فهو يملك الإجابات الشافية للصورة الحقيقية , فالسعودي الذي كان يذهب بزيه الشعبي من ثوب وعقال وشماغ أصبح اليوم يستر نفسه بربطة العنق إذا خرج من بلاده , وقد يضطر للقول إنه ليس من السعودية حتى لا يجد نفسه محل سخرية عامة الناس في كل البلدان .
لقد عمل الطيران السعودي على تدمير كل شيء في اليمن من حجر وشجر ومظاهر حضرية وتاريخية لكنه لم يتمكن من تدمير إيمان أهل اليمن بعدالة قضيتهم , وقد نجح في حصار الشعب اليمني برا وجوا وبحرا لكنه فشل في حصار كلمات صدرت بعفوية من مجاهد – ذلك المجاهد لم يكن يملك حذاء ولا بيادة عسكرية كالتي يملكها غيره – وهو تقول : ” سلم نفسك يا سعودي أنت محاصر ” , هذه الكلمات التي تحاصر السعوديين حصارا نفسيا وأخلاقيا وثقافيا هي أبلغ من كل الكلمات وأشد وقعا على النفس من كل الطائرات والبوارج والقنابل وهي تكبر ويمتد بها التاريخ في حين تصغر وتهون أفعالهم وما يقومون به من حصار للسفن التي تحمل مشتقات نفطية أو تحمل غذاء أو دواء , قد يشعر أهل اليمن بالجوع لكنهم يشبعون بالعزة والكرامة , وقد تتوقف آلياتهم وسياراتهم ومصانعهم وحياتهم بسبب الحصار لكنهم قادرين على الانتصار, ولن يكتب التاريخ في صفحاته لهم إلا كلمات من نور موشاة بعبارات العزة والفخر يعلوها شعارهم الكبير التاريخي والمعاصر : هيهات منا الذلة .
لقد صهرتنا الحرب لكننا لم ولن نخرج منها إلا أشد قوة وبأسا , ولن يخرج منها عدونا إلا مهزوما ذليلا مهانا وقد بدأ الواقع يرسل للعدوان إشاراته ورموزه لكنهم قوم يجهلون , وما عملية توازن الردع الخامسة إلا بيان واضح, ورسائل مشبعة بالرموز والإشارات لو كانوا يعلمون , وها هي الصحف والقنوات والمواقع الإلكترونية التي كانت تصرخ وترفع عقائرها بالفخر والانتصارات بالأمس القريب تقف على الأطلال اليوم وتبكي الهزائم,هي تردد عويل وبكاء حكام الديار السعودية .
ومن الغرائب أن البكاء يتجاوز الأسباب إلى النتائج دون وعي لما يقوم به العدوان على مدى سنوات طوال من حركة تدمير وتجويع شاملة لليمن وأهله , ومن سخرية الأقدار أن يتقمص الطغاة والبغاة دور الضحايا المسالمين، في حين شهد العالم على مدى السنوات الخوالي مقدمات لم تبق ولم تذر في اليمن شيئا إلا ونالته يد العبث والقصف والتدمير , وبلغ بهم الصلف والطغيان إلى حصار أهل اليمن في أسباب بقائهم وحياتهم .
اليمن اليوم غيره بالأمس ولا يضره وقف التصعيد العسكري أو خفضه سيان ذلك بالنسبة له، فقد أصبح الأمر اعتياديا والحصار اعتياديا وما يمتاز به أهل اليمن هو القدرة على التكيف وخلق البدائل والتعايش مع مقومات العيش مهما كانت درجة شظفها وتلك ميزة خلقتها حالات تاريخية في الذات وهي تتغلغل في الوجدان الجمعي للناس, والضرر كل الضرر على الذين لم تصهرهم نيران الأحداث وعلى دول العدوان أن تعي ذلك جيدا قبل أن تتخذ قرار التمادي في الغي .


في الجمعة 05 مارس - آذار 2021 07:03:57 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=3472