|
كل ما نراه ونشاهده ونلمسه من انجازات ونجاحات من حولنا لم يتحقق صدفة ولا بالتمني، بل يقف وراءه رجال وعقول وجهود وعزائم وهمم وتضحيات تضافرت في صناعته .
**
هذا هو حال نجاح ثورتنا واستمرار مسيرتنا القرآنية في المضي نحو تحقيق الهدف الاسمى الذي تنشده البشرية وتحث عليه التوجيهات الالهية ، لم نكن لنصل الى ما وصلنا اليه اليوم لولا وجود رجال صنعوا هذا التاريخ الذي يؤرشف يوميا في ذاكرة الوقت .
**
ولعل من بين اولئك الرجال الكثيرين طبعا والعظماء الشهيد ابو الحسن طه المداني ، الذي كان له بصمَتَه في صناعة ملامح التاريخ الذي نعيش فصوله وحكاياته اليوم .
**
طه المداني هو انموذج ناصع من بين نماذج كثيرة فضلت البقاء خلف الاضواء وهي تصنع ما نراه امام الاضواء وما لا نراه ايضا ، وهو مثال للشاب الذي اختار ان يسخر شبابه وعنفوانه في النهوض بأهم مشروع يتحرك على ظهر البسيطة هذه الايام ، وليس ترفا او للاستهلاك ما سأقوله هنا عن هذه القامة البطولية الفريدة والنادرة ، بل انه سيظل قليلا بحقه وبما مثله وسيظل يمثله من معان على مستوى التضحية والاخلاص والوعي والنباهة والعنفوان والقيادة والشجاعة والعبقرية .... الخ.
**
وبين هذه الاحداث المهولة التي يعيشها وطننا وامتنا وشعبنا وشعوب المنطقة ، يبقى الحديث عن الشهداء ومعاني الشهادة واهميتها في مواجهة ما نتعرض له من طغيان وعدوان وقتل وتجويع وتشريد وانتهاك للحرمات ، هو حديث محوري وليس عابرا او هامشيا ، بكون المواجهة والتصدي والصمود امور لا تنجح الا بتكريس وعي الشهادة ودلالاتها في نفوس المجتمعات .
**
ولاننا في اليمن خصوصا نمتلك الوعي الكافي والعالي بأهمية الشهادة وبفاعلية العشق للتضحية ، فإننا قدمنا قوافل من الشهداء العظام ، ولايمكن باي حال مقارنة ما يقدمه المرتزقة والمعتدين بما نقدمه لا كيفا ولا نوعا ، لماذا ؟ لاننا كجبهة مواجهة وتصدي نقدس الشهادة ونقدس الشهداء ونفخر ونباهي ، وحين يتقدم ابطالنا في ميدان الفداء لا يضعون انفسهم في ترتيبات تمايزية بين مقاتل رخيص ومقاتل ثمين ، بل يتقدم الجبهات ويستشهد خيرة الرجال سواء من القادة ومن الجنود من الصغار والكبار .
**
ولعل ابوحسن المداني القائد الذي لم يشق له غبار ، انموذجا على القائد الذي قدم نفسه قبل الجميع في ميدان التضحية والفداء وكان الاول في مضمار السباق لاجل الحرية والكرامة والانعتاق شغوفا بان ينال شرف النصر او الشهادة ، وقد جمع بين نيل النصر وشاهد النصر في اكثر من مرحلة وكان في مقدمة صانعيه ، وبين نيل الشهادة ايضا ، بكونها منحة الهية لا تعطى الا بقرار الهي لمن اصطفاه الله واختاره ان يكافئه .
**
من يعيش لاجل هدف لا يمكن ان يرى شيئا اثمن من تحقيق الهدف حتى ولو كانت اسرته ومعيشته وطموحاته واحلامه وحتى روحه ودمه ، وحين نستقرئ سيرة اللواء طه المداني ابو حسن التي لا يعرفها الكثيرون ، سنجد في مفاصلها يتجسد ذلك الشاب الذي كان هدفه ومنتهى امله الانتصار للمبدأ وللمشروع ومقارعة الطغاة والمستكبرين الذين يتحركون ضمن مشروع الشيطان بكل مكائده وخطورته واجرامه ، ليضع حياته وطموحاته على هامش اهتماماته برغم ان اي شاب طبيعي يضعها ضمن اولوياته ، حتى فرحة زفافه ومقتضياتها لم تكن تشكل له اي معنى امام اهتماماته الكبرى العظيمة .
**
عمالقة المسيرة القرآنية الذين هو احدهم ، لهم مواصفات وصفات ومواقف واسبقية ، فهم سباقون في نصرة المشروع القرآني وهو في مهده في وقت كان الناس لايزالون بين مستغرب ومتوجس ومبغض ومحارب ، في وقت كان العالم كله يخطط لدفن منبع الضوء الذي بدأ يسرب اشعته من جبال مران لتصل الرعشة والهلع الى واشنطن..
**
واشنطن التي سرعان ما وجهت باعلان الحرب الهوجاء وحشد الامكانات العسكرية لمواجهة ذلك الضوء القادم من الشمال اليمني ، كانت بنظر المشروع القرآني الشيطان الذي يعكر صفو العالم ويقف بوجه احلال الحق والعدل والسلام ، وكان ابوحسن واحدا ممن هبوا لنصرة المشروع القرآني وهم يعون انهم يواجهون امريكا عبر ادواتها واياديها ، وانهم سيواجهونها يوما ما وجها لوجه .
**
وبالفعل كان الشهيد اللواء طه المداني ابوالحسن ، من اوائل من ذهبوا الى جبهات المواجهة مع الشيطان وجنوده واياديه التي تمثلت في العدوان السعودي الامريكي ، ولم يكن ابدا ممن قعدوا يتهافتون على فتات المكاسب والمناصب في الدولة رغم انه عين مشرفا للجان الامنية وعضوا في اللجنة الامنية العليا ، الا ان ذلك لم يكن يمثل له سوى تكليف ولا يتعارض البتة مع واجب المبادرة الى مقدمة الجبهات ..
**
في كل ما يمكن ان نقرأه ونسمعه من سيرة شهيد القضية والمبدأ والمشروع ابوحسن ، دروس وعبر تستفزنا جميعا لنقتدي بها ، سواء في معنى بيع النفس بشبابها وعنفوانها وامكاناتها وقوتها وطموحاتها ، او في معنى الايمان العميق والرباني بالمشروع والقضية التي يسعى في احقاقها ونصرتها ..
**
لم يعرف عنه الناس الكثير، لكن اسمه المقترن بالنضال والبطولة التي جسدتها شخصيته وشخصية شقيقه ابوحسين يوسف المداني ، بكونهما علمان كبيران من اعلام المسيرة القرآنية ومثالان عظيمان من امثلة القادة الاقوياء الناجحين المخلصين الصادقين في كل مسيرة حياتهما ، بل واصبحا رمزين من رموز الثورة التي اسقطت نظام العمالة والوصاية والطغيان ولايزالان .
**
قد اكذب عليكم حين اقول انني كنت اعرفه ، لم اعرفه سوى مرة واحدة حين التقيته في القصر الجمهوري اثناء الاعلان الدستوري ، وحينها سلمت عليه وكان الشهيد الخيواني ثالثنا وعرفني به وعرفه بي ، وتفاجأت حين قال بابتسامة مليئة بالنقاء والتواضع :" نعم صحفي معروف وهل يخفى القمر " .
**
من بعد ذلك اللقاء القصير الذي لم يتجاوز الثواني سمعت عنه وعن بطولاته الكثير ممن عرفوه وممن سمعو عنه ، وظلت شخصيته حاضرة في ذهني وفي ذهن الوقت حتى جاء خبر استشهاده في مواجهة العدوان وهو يقود جبهته في المقدمة غير بخيل بروحه وبدمه ، بل قدمها بروحية المؤمن بقضيته وبمشروعه الذي استقاه من المنبع .
**
سلام الله على الشهيد اللواء طه المداني ابوحسن وعلى رفاقه شهداء الوطن والقضية المنصورة ، وبدمائه ودماء الشهداء سننتصر بإذن الله .
في الثلاثاء 14 فبراير-شباط 2017 08:30:24 م