|
إن خدمة الناس ومواساة الفقراء والمساكين وتوفير كل مايحتاجونه مطلوب في كل زمان ومكان ، ولكن التكافل في شهر رمضان بروزه أكثر لأن له مميزات خاصة، فهو شهر الخيرات والبركات ، وشهر التجليات والنفحات ، … شهر النوافل والطاعات ، … شهر الإنفاق والصدقات ، … شهر تتضاعف فيه الأجور والحسنات..
إنه شهر التكافل والتضامن الاجتماعي بجانب أنه شهر التربية الروحية والأخلاقية والسلوكيات الفاضلة….
إن الصوم مدخل واسع إلى تحقيق معنى التكافل الاجتماعي ، فعندما يشعر الصائم بألم الجوع والعطش فإنه يستشعر حالة المحرومين والمعوزين والبائسين من الفقراء والمساكين والنازحين الذين لا يجدون ما يدفعون به عنهم مرارة الجوع والظمأ ، ولهذا يندفع الصائم إلى مواساتهم وبذل الخير لهم لأن الصوم قد هذبه وجعل نزعته الإيمانية في ازدياد ، وأصبحت نفسه متعرضة للنفحات والإمداد…
إن التكافل الاجتماعي خُلق إسلامي رفيع ومبدأ اجتماعي قويم وقد أشار في ذلك النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – بقوله :” مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” رواه مسلم.
وبقوله – صلى الله عليه وآله وسلم – ” لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” رواه البخاري
فالمقصود أن من مقاصد الشريعة وجود المحبة بين المسلمين ، أما التباغض وتنافر القلوب فهذا خلاف مقصود الشارع…
فإذا ما وجدت المحبة في قلوب المسلمين لبعضهم البعض ، فستراهم يسرعون في فعل الخيرات لإخوانهم ويزيلون عنهم المضرات.
إن حياة الناس والمجتمعات لا تقوم إلا على التعاون وإذا ماتحقق بين أفراده أصبح مجتمعاً محصناً من معاول الهدم والتفرقة..
قال تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) فالشريعة الغراء حثت على التعاون في جميع مجالات البر والتكافل الاجتماعي كما في الآية السابقة وكما في الأحاديث السابقة واللاحقة.
يقول الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم- عن شهر رمضان :” إنه شهر المواساة وشهر يزداد فيه رزق المؤمن ، من فطر فيه مؤمناً كان مغفرة لذنوبه ، وعتقاً لرقبته من النار ” ويقول :” ومن سقى صائماً سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة ” رواه ابن خزيمة في صحيحه.
ويقول – صلى الله عليه وآله وسلم- :” من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً” رواه الترمذي
ولنا أسوة في رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- فقد كان أجود ما يكون في رمضان في مواساته للفقراء والمساكين والمحتاجين.
جاء في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( كان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة فيدارسه القرآن فلرسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – أجود بالخير من الريح المرسلة).
فالجود إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي وهو أعم من الصدقة.
فالنبي – صلى الله عليه وآله وسلم- كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر.
وفي الحديث القدسي :” انفق يا ابن آدم أنفق عليك ” متفق عليه
إن من أنواع الجود المالي والذي يتأكد في مثل هذا الشهر الكريم ، تفطير الصائمين، قال صلى الله عليه وآله وسلم ” من أفطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص أجر الصائم شيئاً” رواه أحمد
إن هذه الأدبيات النبوية وغيرها تؤكد أن شهر رمضان مدرسة للمسلمين تنمي الإيمان في النفوس وتعمق التقوى والورع في القلوب وتوثق الصلات بين أبناء المجتمع…
فالصيام ما فرضه الله علينا وشرعه لنا في قوله( كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) إلا من أجل الحصول على الوسيلة العظمى وهي التقوى وإشاعتها والإحساس بآلام الآخرين بين الأفراد والجماعات ومن ثم تتجسد فيهم أعمال الخير التي يقوم بها بعضهم تجاه البعض الآخر …
فليكن هذا الشهر العظيم تجارة رابحة مع الله تعالى يشعر فيه أغنياء المسلمين بإخوانهم الفقراء وما أكثر الفقراء في بلادنا فإن العدوان الغاشم على بلادنا منذ أكثر من ثلاثة أعوام وإلى هذه اللحظة قد أهلك الحرث والنسل ودمر كل شيء وأصبح الناس مشردين ونازحين إلى المحافظات الخالية من المرتزقة وأكثرهم في صنعاء والكثير منهم لا مأوى وبعضهم لا يجدون ما يأكلون وما يلبسون فهؤلاء أحوج من غيرهم إلى المساعدة ومد يد العون ، لا سيما في هذا الشهر الفضيل .
فكل جار عليه أن يتفقد جيرانه من النازحين الفقراء ، ويقوم بالتحرك الجاد بمساعدتهم عن طريق الجمعيات التي تدعم النازحين ولو لم يكن إلا أن يُعلم المنظمات أو الجمعيات بوجود حالات فقيره في منطقته ، لأن الكثير من الحالات لم يأتِ لها يد العون ..
وإذا لم يحرص الناس على فعل الخير وبذل الصدقات في هذا الشهر الذي تتضاعف فيه الأجور والحسنات فمتى سيفعلون الخير؟! إن الله يقول ( ما عندكم ينفد وماعند الله باق) .
إن حقيقة الدين ليس في العبادات الصورية والشكلية بل هو خلق وكرم ووفاء ومساعدة الفقراء ، والإنفاق على المساكين والأُسرى ، ومداواة الجرحى والمرضى ، ومواساة أُسر الشهداء وغيرها من صفات الخير التي نادى بها الفلاسفة والحكماء وجاء بها الأنبياء العظماء، إذاً حقيقة الدين ولبّه وأساسه هي المعاملة الحسنة بينك وبين الناس والسعي في مساعدتهم وإسعادهم وإدخال السرور على قلوبهم.
والسعي في صلة الأرحام ، وإفشاء السلام ، وعدم الإضرار بالأنام والقرآن مشحون بالآيات التي تحث على الإنفاق ومساعدة الفقراء والمساكين وقضاء الدين على المدينين وتفريج كربة المكروبين وكشف غم المغمومين وتزويج الشباب العانسين وإشباع بطون الجائعين قال تعالى[فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة ، فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة ، يتيماً ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة ]
فالعقبة هي عملية إنقاذ الإنسان وليس شرطاً أن يكون هذا الإنسان من العبيد أو الأسرى، بل إن البلدان المستضعفة كلها مستعبدة ، ففي هذه الأيام يتجسد في الواقع العملي مفهوم (فك الرقبة) كأن نسهم في إنقاذ شخص فقير نازح من أوضاع مأساوية ، أو تزويج شاب كي يتحرر من رق عبودية شهوته أو قضاء الدين عن أي شخص قد أسَرَته كربته أو أو إلخ.
ولا بأس أن يفكر الإنسان المسلم في إعطاء مقدار من طعامه إلى الفقير إن كان فائضاً عن حاجته ولكن هذا النوع من الإطعام ليس هو ما يريده الله تعالى قط ، بل إن ما يريده منا هو تقديم يد العون إلى الآخرين في أيام القحط والجوع ( كمثل هذه الظروف الصعبة التي نمر بها، فهناك الكثير من النازحين لا مأوى لهم ولا يجدون ما يأكلون ) وبذلك سنقتحم العقبة أي نتجاوز العقبة النفسية ونصل إلى بر الأمان وهو قوله تعالى : ( أو إطعام في يوم ذي مسغبة ] ثم يبين الله- جلّت قدرته- الأشخاص الذين يجب أن نطعمهم :(يتيماً ذا مقربة ، أو مسكيناً ذا متربة) مشيراً في هذه الآية أولاً إلى الأرحام ، فالأقربون أولى بالمعروف ، وأولو الأرحام بعضهم أولى من بعض . فاليتيم القريب الذي يحتاج إلى مساعدة ورعاية عليك أن تقدم له العون أولاً ثم تتجه إلى الأضعف فالأضعف .
والمقصود بــ (المسكين ذي المتربة) الشخص الذي أسكنه الفقر في داره لا يسأل الناس إلحافاً ولا يستجد لحافاً..
ولو ساعدنا هذا الإنسان فإننا سنكون قد اقتحمنا العقبة أي تجاوزنا ذواتنا وتحولنا من أناس يعيشون داخل إطار ذواتهم إلى أناس يتعايشون البعد الاجتماعي في أوسع آفاقه، فهذا هو الإسلام وهذا السلوك هو حقيقة هذا الدين.
في الإثنين 19 إبريل-نيسان 2021 01:58:46 ص