توظيف الدراما في إدارة الصراعات
عبدالرحمن مراد
عبدالرحمن مراد

عام 2006م كانت نهاية مرحلة وبداية أخرى , لقد شهد ذلك العام حركة تدمير شاملة لبيروت , وشهد دماراً للبنان على وجه العموم , وكان الهدف من كل ذلك الدمار هو القضاء على حزب الله كحركة اجتماعية وثقافية , وكقوة سياسية حرة وممانعة لسياسات الشر والدمار التي ترسمها إسرائيل وتديرها أمريكا بعد أن تم القضاء على معظم حركات التحرر في عموم الجغرافيا العربية , أو الحد من فاعليتها وأثرها من خلال التضليل والتشويه وبذر الخلافات وإدارتها واستغلالها الاستغلال المقيت , مثال ذلك ما حدث بين ليبيا وملك السعودية عبدالله بن عبد العزيز في أروقة إحدى القمم وتناولته وسائل الإعلام بشكل ينم عن مؤامرة لم يدركها إلا الكبار ممن كنا نظن بهم جِنَّة أو عمل الإعلام المضلل على تصويرهم كمجانين، ونحن – كما هي طبيعتنا – ننساق وراء الكليات دون دراية أو تفكير .
نتائج حرب تموز لم تُرْضِ غرور إسرائيل وأمريكا، فقد تركت أثراً غير متوقع في تصوراتهما , وقضت على فكرة الشرق الأوسط الجديد الذي رسمت معالمه في كتاب شمعون بيريز كفكرة اشتغلت عليها وزارة الخارجية الأمريكية يومذاك كخيار استراتيجي يخدم الوجود الصهيوني في المنطقة العربية .
كتاب شمعون بيريز “الشرق الأوسط الجديد ” الذي صدر عام 1996م وتم الاشتغال على أفكاره منذ بداية الألفية الجديدة يطالب العرب بنسيان تاريخهم وقبر ذاكرتهم ومصادر وعيهم , فهو يرى أن العرب خليط غير متجانس ولا يربطه رابط , وفي مقابل ذلك يبشر اليهود بأرض الميعاد , ويراها حقيقة ثابتة غير قابلة للنقاش , وفي سياق كتابه يُظهر تخوفه الكبير من الأصوليات الإسلامية , ويؤكد على الردع النووي الإسرائيلي , وعلى الاقتصاد وعلى التعاون الإقليمي الذي يرى أن تكون إسرائيل ذات سيادة فيه , وهو الأمر الذي كاد أن يتحقق لإسرائيل اليوم من خلال حركة الاضطرابات والصراعات التي تديرها , ومن خلال حركة فتح الفراغات وملئها , ومن خلال حركة التطبيع التي نشطت في السنوات الأخيرة المنصرمة بشكل متسارع وغير مسبوق في تاريخ العلاقات الدولية وفي تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي .
بعد نتائج حرب تموز 2006م طرأت فكرة تغيير مصطلح الشرق الجديد الذي كان يثير غضب العرب والمسلمين وحل مصطلح الخلافة وفكرة شبكة الإسلام المعتدل محله , وهي فكرة خرجت من مراكز البحث والدراسات الأمريكية واشتغلت عليها أمريكا ولم تعد تلك الأحوال من الخفاء بالمكان الذي نقول بتأويل الأحداث التي تسارعت وتيرتها بعد عام 2007م , فقد عملت المخابرات الصهيونية على الترويج لها عبر موقع ويكيليكس , وهو موقع شهير كان يعيد ترتيب أوراق العالم, من خلال مجموعة من التسريبات التي تخص الأنظمة في كل العالم , حتى يكون التأثير واضحاً ومؤثراً حين ينفذ أجندات تهدف إلى الفصل بين الأنظمة العربية وشعوبها , وهو الأمر الذي أفضى إلى حركة الثورات فيما يسمى بالربيع العربي.

وما تزال تداعياته إلى اليوم , هذا فضلا عن مذكرات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون التي تحدثت فيها عن علاقة التعاون بين حركة الإخوان والسياسة الأمريكية في تنفيذ سياسة الاضطرابات , ونشر الفوضى وزعزعة الاستقرار في المنطقة العربية , حتى تبسط إسرائيل يدها وتفرض هيمنتها , والهدف كما ورد في كتاب شمعون هو فرض الهيمنة والسيادة الإسرائيلية على أرض الميعاد التي تبشر بها كتبهم العقائدية .
تغير وتبدل المصطلح ولم تتغير السياسة تجاه فكرة الشرق الأوسط الجديد الذي يهدف إليه اليهود , وقد وصلوا إلى الكثير من أهدافهم، ولولا حركة المقاومة الإسلامية لكانوا اليوم قد نالوا كل أهدافهم , ولذلك يمارسون كل الضغوط على ايران ويفرضون العقوبات عليها حتى تتخلى عن مشروع المقاومة الإسلامية ليتم لهم أمرهم كما يريدونه أن يكون , ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون .
لم يصل اليهود إلى مرحلة اليأس , فاليأس ليس في قاموسهم , فهم إذا فشلوا عسكرياً وسياسياً واقتصادياً يستخدمون السلاح الثقافي , وهم على دراية أن العرب تفكيرهم يعجز عن تحليل الظواهر, ولكنهم يتفاعلون مع القضايا ككليات غير قابلة للتحليل والتجزئة , ومعرفة الدوافع والغايات , وقد لجأوا إلى الفنون وإلى الدراما وخصصوا لمثل ذلك المبالغ الكبيرة , وقد يستغرب المرء حين يرى النشاط الكبير للدراما على المستوى اليمني والطفرة التي وصلت إليها عامنا هذا , وهي طفرة لم تتحقق حتى في ظروف اليمن العادية , فما بالنا في ظروف الحرب والأزمات التي نمر بها , فضلاً عن الاشتغال الواعي الذي يحيط بنا , ففكرة الخلافة تم الاشتغال عليها في أعمال درامية كبيرة , حظيت وتحظى بجمهور مشاهدة غير مسبوق في تاريخ الفنون مثل مسلسل “آرطغرل”.
ولتنمية الصراع الطائفي ثمة أعمال درامية تسعى المنظمات لتمويلها والترويج لها , فالصراع اليوم لم يعد صراعاً فكرياً كما كان بالأمس، فمثل ذلك يعمل على تنمية الوعي الجمعي، وهو أمر لا ينسجم مع أهداف اليهود التي تحرص على وأد مصادر الوعي , لذلك ووفقاً لطبيعة التفكير عند العرب يتم إرسال الرسائل المشبعة بالرموز والإشارات عن طريق الدراما , ولعل المتابع لمسلسل “جواسيس القصر ” الذي يُبث حالياً في قناة السعيدة يدرك البُعد الطائفي , والصراع الذي يراد له التحقق بين طهران وأنقرة وتداعياته وأثره على العموم, وقد يدرك المتابع الحصيف الإشارات والرموز التي تحملها فكرة الصراع الدرامي بين حميدة والفقيه في مسلسل ” ليالي الجحملية ” والدهشة التي تركتها هجرة حميدة من صنعاء إلى الجحملية في صورة سؤال خفي متخيل دار على لسان الفقيه .
لا يظن ظانٌّ أن الطفرة الدرامية في اليمن اليوم بدون رؤية ولا هدف وأنها في سياق التطور الحركي للفنون , بل لا بد أن نعي أن هذه الطفرة تأتي في سياق استراتيجيات تم رسمها بعناية على مستوى المنطقة من حيث العموم واليمن جزء من كل .


*توظيف الدراما في / السريحي ج6


في السبت 24 إبريل-نيسان 2021 01:15:47 ص

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=3699