|
في كِتابِه “الشرق الوسط الجديد” والذي يعد بمثابةِ استراتيجية طويلة المدى لليهود يقول شمعون بيريز: “على العرب نسيان تاريخهم وقبر ذاكرتهم ومصادر وعيهم فهم خليط غير متجانس ولا يربطهم رابط”، والوقوف عند حدود العبارة ودلالتها النفسية والثقافية والسياسية يفسّر لنا الحالُ الذي وصل إليه العرب بعد أن وضعت الحربُ الباردة بين الشيوعية والرأسمالية أوزارها مطلعَ عقد التسعينيات من القرن الماضي، بعدها نشطت حركةُ اغتيالات لرموز تنويرية في الوطن العربي كانت لهم فتوحاتٌ وإضاءاتٌ في سياق الفكر العربي، لكن تم وأد تلك المشاريع بطرق شتى، منها تنمية الوعي التكفيري، وتنشيط الخلايا الإرهابية، وتفعيل دور الجماعات المرتبطة بالأجهزة الاستخبارية العالمية مثل القاعدة ومثل الهجرة والتكفير ومثل القطبيين وغيرهم كُثْرٌ، انتشروا في كُـلّ بقاع الأرض بسرعة البرق وكان نشاطهم يشمل المغرب العربي مثل الجزائر التي جاسوا خلال ديارها وأكثرو فيها الفساد والقرن الإفريقي والجزيرة العربية واليمن ومصر.
ذلك النشاط المحموم لم يكن يقظةً وما كان صحوة إسلامية بل كان نشاطاً استخبارياً يهدفُ إلى وأد مصادر الوعي عند العرب والمسلمين؛ حتى يتمكّنَ اليهودُ من بسط ثنائية الهيمنة والخضوع؛ تحقيقاً لوعدٍ يجدونه في كتبهم في بسط النفوذ على أرض الميعاد.
كانت الجماعاتُ تعلن عن نفسها في ظرفِ أَيَّـام وتبسُطُ نفوذَها على مساحات واسعة وعلى مدن وقرى بقضها وقضيضها وتعجز الأنظمة عن مواجهتها والحد من الفوضى التي تشيعُ في الناس والمجتمعات جراء نشاط تلك الجماعات الصغيرة، فهل كان التمكين لها بالتواطؤ مع الأنظمة؟ ربما.. وربما لا، وقد تكشف لنا الأيّام خفايا نجهلُها اليوم لكن السؤالَ المهمَّ: لماذا كانت تلك الجماعات تختفي فجأةً وتظهر فجأةً؟ أليس ذلك دليلاً كافياً على ارتباطها بأجهزة الاستخبارات العالمية فهي تنفذ ما يُملَى عليها متى كانت الضرورة السياسية تستوجب ذلك، وتختفي متى كانت الضرورة تفرض ذلك، فالمصالح هي من يدير النشاط وليس شرع الله الذي يتشدقون به ولا مقاصده.
لعل الهدفَ الأبرزَ لتلك الجماعات هو وأدُ مصادر الوعي وتعويم المصطلحات والمفاهيم ليغدوَ الإنسان في تيهٍ وشتات وضياع، وهو ما نراه اليوم ماثلاً أمامنا، فالحرُّ في مفهوم البعض عبد، والعبد حر، وصنعاءُ محتلّة ولا بُـدَّ من تحريرها، وعدن التي يحتلها شُذَّاذُ الآفاق من كُـلّ مكان ويُكثِرون فيها الفسادَ تحرّرت، والوطني المنتمي إلى بلاده والذي يقف في صفوف المدافعين عنها ضد الغزاة والمحتلّين ويأبى هوانها وذلها عميل وخائن، والعميل الخائن الذي باع عِرضَه وأرضه بثمن بخس وسكن في الفنادق وارتاد البارات والحانات وسلّم سيادة أرضه للمحتلّ؛ كي ينشئ السجون ويمارس أنواع التعذيب وأصنافه، ويصادر تاريخَها ومقدراتها الحضارية والطبيعة ويتحكم في شؤونها وفي رئيسها ويرفُضُ أن تهبط طائراتهم في مطارات بلادهم مثل هذا في نظرهم وطني شريف.
هذا الوأدُ والتعويم والتيهُ استراتيجيةٌ يهوديةٌ تحدث عنها شمعون بيريز في كتابه “الشرق الأوسط الجديد” الذي شكّل منهجاً وطريقاً واضحًا يسلكه اليهودُ للوصول لأرض الميعاد التي يجدونها في كتبهم ويحلمون بها.
لقد أصبح الواقعُ ومعطياتُه أكثرَ وضوحاً من ذي قبل، وتبيّن للناس الخيطُ الأبيضُ من الخيط الأسود، ولم يبقَ إلا من كان مكابراً أَو مجادلاً بالباطل ليدحضَ به الحق ولن يطمسَ ضوء الشمس التي أفصحت عن نورها دون عوجٍ ولا أَمْتٍ؛ ولذلك يؤكّـد قائد الثورة في جل خطاباته على مصطلحين مهمين هما الوعي والأخلاق، فبهما وحدَهما نستطيع مقاومة مشروع الفناء والإلغاء الصهيوأمريكي لنا.
مصادرةُ الوعي قضية مهمة عند اليهود كعدوٍّ ينالُ منا ويسعى لفساد حيواتنا، وعودةُ الوعي وتنميته قضية مهمة بالنسبة لنا؛ حتى نتمكّنَ من تحقيق المعادل الوجودي لنا في الحياة في صراعنا المُستمرِّ مع شرور يهوذا التي لم ولن تقفَ عند حَــدٍّ.
في الثلاثاء 27 إبريل-نيسان 2021 02:06:04 ص