ما بعد معركة “سيف القدس”
عبدالرحمن مراد
عبدالرحمن مراد

رُبَّــمَا قالت معركةُ “سيف القُدس” كلامًا جديدًا كان غائبًا عن بالِ الكثيرِ من السياسيين ومن المطبِّعين، كُـلُّ الرموز التي تبعثها معركةُ سيف القدس أضحت تخيفُ عربَ الصحراء، ولذلك وجدناهم ينتصرون لموقفهم في وسائل التواصل الاجتماعي، ويحاولون تبرير دعمهم العسكري والسياسي ومساندتهم لحكومة إسرائيل، وهي مساندة سخر منها الكثير من الكُتاب اليهود وسخروا من تهافُت الأعراب على موائدهم، ونُكرانهم للحق الفلسطيني.

اليهودُ أصحاب كتاب، وكتابُهم -وفقَ ما هو معروف– قال لهم الكثير من الغيبيات، ولديهم علمٌ –يحتفظ به سَدَنَةُ دينهم دون عوام الناس– وبه ومن خلاله ينسجُون خيوطَ بقائهم، فهم -وفق سياق الأحداث- يتعاملون مع المعلومات الغيبية بالقدر الذي يعتقدون فيه تغييرَ الأقدار والمسارات، ويحاولون توظيفَ المعلومات الغيبيةِ بما يخدُمُ مصالحَهم أَو يحقّق لهم كسباً أَو ربحاً، وبمثله كان تعاملهم مع ولادة موسى -وقصتهم مع فرعون غير قابلةٍ للشك فقد نص عليها القرآنُ الكريم ويمكن قياس غيرها عليها- فقد كانت المعلوماتُ لدي سدنة المعابد اليهودية تتحدثُ عن مولودٍ هو موسى سوف يُحدِثُ متغيراً في الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية فخافوه؛ لأَنَّهم رأوا فيه تهديداً لمصالحهم، فسرّبوا المعلومات إلى فرعون الذي شاطرهم الخوفَ على ملكه، فأمر بقتل كُـلِّ مولود تلدُه النساء، وكانت تدابيرُ الله غالبةً على مكرهم فنجا موسى بل ودخل قصرَ فرعون وتربَّى فيه.

وقصصُ أحبارهم ورهبانهم مع رسولنا الأكرم كثيرة، وكان عندهم علمٌ بمكان ولادته وزمن الولادة، ومثل تلك القصص مبثوثةٌ في كتب السير والأخبار وبتواتر، ولا يمكنُنا نكرانها، قياساً على ما ورد من أمثالها ونحن نجزم بصحته.

اليومَ الكثيرُ من التغريدات ومن المنشورات اليهودية في شبكة التواصل الاجتماعي تتحدث عن الخطأ الأكبر، وتنتقد النشاطَ العسكري للحكومة الإسرائيلية ضد القدس وترى فيه ذنباً كَبيراً لا يقبل الغفران، والكثير من الناشطين قالوها بكل وضوح: لا مستقبل لنا ولا لأبنائنا في فلسطين.

هذا المزاج العام لا يمكنه أن يعلن عن نفسه عفو الخاطر، بل لا بُـدَّ أن يكون تعبيراً عن حالة غيبية يجدونها في كتبهم.

ما حدث خلال سوالف الأيّام في سياق معركة سيف القدس كان أمراً مفزعاً لليهود، ومفزعاً للأعراب الذين سارعوا إلى التطبيع، فالمعركة التي كانوا يتوقعون الانتصارَ فيها خذلتهم، وبزغ نجمُ محور المقاومة الإسلامية بقوة خارج معايير القوة المادية والمعدات والتقنيات التي كانت تعتبر معياراً في قياس التفوق العسكري، فقد قالت الإمْكَاناتُ البسيطة في اليمن أولاً ومن ثَم في فلسطين: إن الإيمان هو السلاح الأقوى، وهو بتدابير الله أقوى من كُـلّ قوة، فالقبةُ الحديدية التي كانت إسرائيل تباهي بها وترعب العرب بها أصبحت مادةً حديدية تسخر منها صواريخُ المقاومة الإسلامية بفلسطين، وفخر الصناعات العسكرية الأمريكية أصبحت كُتَلاً تدوسُها أقدامُ الحُفاة من الجيش واللجان الشعبيّة في اليمن، وهكذا دواليك تنهار المنظومات الدفاعية والهجومية أمامَ القدرة الإلهية والطاقات الإيمانية التي يمتلكُها الدين ربطوا حياتَهم بالله إيماناً وقدراً ومصيراً، وساروا في الأرض وفقَ منهاجه وتعاليمه.

لقد بات محورُ المقاومة أقوى من ذي قبل وبات يشكلُ وجوداً حيوياً وفاعلاً لا يمكنُ القفزُ على حقائقه؛ ولذلك سوف نشهدُ في قابل الأيّام تبدُّلاً في موازينِ القوى في المنطقة العربية، ولا نظُنُّ الأنظمة التي طبّعت مع الكيان الصهيوني الغاصب إلا ستعض أصابعَ الندم؛ لأَنَّها تؤمنُ بالغيبيات ولم تؤمن بصانعِ الغيبيات الذي بيده مقاليدُ الأمور والأقدار، يُدبِّرُ الأمرَ كيفَ يشاءُ، وهو على كُـلّ شيء قدير.


في الأحد 23 مايو 2021 09:09:10 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=3809