|
مَـرَّ عيدُ الوحدة هذا العامَ ولم يكن يشبهُ الأعيادَ في السنوات الخوالي لكنه بدا وكأنه غيره بعد أن وصل الناسُ إلى حقيقة الوَحدةِ وجوهرها حين ذاقوا وبالَ التشظي والانقسامات بعد أن تداعت الأممُ على اليمن كما يتداعى الأكلةُ على قصعتِهم.
ويمكن أن يقال إن فقدانَ القيمة والمعنى والشعور بفقدان القوة عواملُ نكوص وانكسار عملت على إيقاظِ الهُــوِيَّات التاريخية المتناثرة، وهي عوامل تشظٍّ ساهمت في تفكيك كيان الوَحدةِ الوطنية، وساعدت على إنتاجِ كياناتٍ متصارعة، وهو الأمرُ الذي يمكن قراءتُه في تجليات المرحلة ومظاهرها ومناخاتها الثقافية والسياسية، فالقضية الجنوبية كانت حقيقةً لا يمكن القفزُ على مفردات وجودها ولكنها اليوم أضحت جزءاً من قضية وطنية كبرى ذات أبعاد وأشكال متعددة تركتها مناخاتُ الصراعات منذ أكثرَ من نصف قرن من الزمان، والوقوفُ أمامها يتطلبُ نقداً ذاتياً ورؤيةً تصالحية مع التاريخ.
ولعلَّ خطابَ رئيس المجلس السياسي الأعلى، المشير مهدي المشَّاط، كان تحليلاً واقعياً لمفردات الواقع وإشكالاته، فقد شخّص الحالةَ الوطنيةَ تشخيصَ الراغب في الحلول للوصول إلى المستقبل الآمن، فالوَحدةُ لم تعد قضيةً وطنيةً قابلةً للمزايدة السياسية بل هي مشروعٌ سياسي حضاري نجد جذرَه يمتدُّ عميقاً في معتقدنا، يقول الرئيس:
“مَا يُعَانِيهِ واقِعُنَا اليمني مُتَّصِلٌ أَيْـضاً بِمَا يُعَانِيهِ واقِعُ أُمَّتِنَا المُكْتَظِّ بالأحقاد والكَيْدِ والاختلافَاتِ والأزَمَاتِ المُتَعَدِّدَة، وجميعُهَا تقِفُ وراءَهَا –وبلا شكَّ- مُؤَامَرَاتٌ ومَشَاريعٌ مشبوهةٌ تَسْتَهْدِفُ بلَدَنَا وبُلْدَانَ أُمَّتِنَا المُسْلِمَةِ بالمزيدِ من التفكِيكِ والتَّمْزِيق، ولعَلَّ مِنْ مَزَايَا العيد الثَّاني والعِشْرينَ مِنْ مَايُو أنَّهَا تُذَكِّرُ الجميعَ بطريقِ العُبُورِ الآمِن، وطوقِ النَّجَاةِ الوَحيدِ ألَا وهو العودَةُ إلى وَحدَتِنَا وأُلْفَتِنَا، فالوَحدَةُ في حَقِيقَتِهَا قَدَرٌ مُسْتَقِرٌّ في أعْمَاقِ الشُّعُوبِ وصُوتٌ لا يُغَادِرُ وُجْدَانَ الأُمَّــة مَهْمَا كانَ حجمُ الاختلافِ بينَ أبناء الشعبِ الواحِدِ والأُمَّةِ الوَاحِدَة، وهُوَ صَوْتٌ يَشُدُّنَا دائماً وأبداً إلى الرِّسَالةِ المُحَمَّدِيةِ الجَامِعَة، وإلى مَعَالِي الأمورِ والعَودَةِ إلى تَحْكِيمِ العقلِ والضَّمير، وتغليبِ المَصَالِحِ العُلْيَا لِبَلَدِنَا وبُلْدَانِ أُمَّتِنَا قَاطِبَةً”.
فالربيعُ العربي عمل على التفكيك الذي عزّز من الهُــوِيَّات التاريخية والثقافية وأنتج كياناتٍ في ظاهرها الجِدَّةُ والعصرنة، وفي كوامن جوهرها الامتداداتُ التاريخية التي تحاول إعادة التكيُّفِ مع الواقع الجديد، ولن تكونَ تلك الكياناتُ الجديدة إلا كيانات متصارعة تبحث عن الوجود والبقاء والحفاظ على القيمة والمعنى..
وفي ظني أن غيابَ المشروع الحضاري الجامع سيكون سبباً في ملء الفراغات التي تشتهي الامتلاءَ، فغيابُ المشروع لا يدل على المستقبل بل سيكون دالاً على عدميته، والعدمية لا تنتجُ إلا عدماً مثلها وتشظياً، يتناثر على إثرها الوطن إلى دويلات متعددة، ولذلك فالعودة إلى تحكيم العقل والضمير التي دعا إليها الرئيس ضرورة حتى نجتاز العقبات والعراقيل التي يضعها أعداء الأُمَّــة في طريقنا حتى تستمرَّ ثنائيةُ الهيمنة والخضوع على مقدرات الأُمَّــة وعلى مصيرها.
ويبدو أن الشعورَ بالظلم والانكسار والهزيمة التي وصل إليها الناس في المحافظات الجنوبية قد شكّل دافعاً مهماً في عملية التحول في الموقف التي يشهدها الوطن، فالذين كانوا مع الانفصال أصبحوا اليوم ضده، والذين كانوا يدعمون الحراكَ ويتعاطفون معه أصبحوا الآن أكثرَ ضيقاً بطرحه إلى درجة الصدام الدامي والمواجهة المسلحة في أكثرَ من مكان، ولم يكن مثل ذلك إلا نتائجَ منطقيةً لمقدمات كانت خاطئة منذ البداية، فالوَحدةُ -كما تحدث الرئيس- قدر مستقر فِي أعماق الشعب وصوتٌ لا يغادر الوجدانَ العام للشعب اليمني وللأُمَّـة جمعاء.
في الإثنين 31 مايو 2021 08:26:17 م