نبوءات «مشهد خاف أن ينتهي» للشاعر علي جاحز
يحيى اليازلي
يحيى اليازلي

 

سجل ديوان "مشهد خاف أن ينتهي" صوراً فنية حية بديعة للواقع الثوري في اليمن. ومن خلاله رأينا مشاهد كثيرة تنقلك بإبداع لتستحضر بأم مخيلتك معاناة وثورة وانتصارات شعب رزح تحت طغيان السلطة لأربعة عقود، ثم خاض، في ثورة هي الأقوى من نوعها في التاريخ، معارك ملحمة منذ عقدين وما تزال ضد نظام طاغ متصل بنظام طاغ أكبر ضد الشيطان الأكبر.
لقد كان لعلي جاحز مجلس يلتقي عنده القرآنيون منذ وقت مبكر مواز لمجريات أحداث مران. كان يأوي المجاهدون إلى مجلسه حاملين الملازم والزوامل. كان يفكر في الذهاب إلى الجبهة. المسافة طويلة بينه وبين حزن الجبال الثكالى اللواتي فقدن أشجع الرجال في المعارك. يشرد بخياله. يتموضع في المترس، ويصرخ بالشعار... أي صرخة بات يعشقها؟! إنه حلم لن يتوقف إلا في مكة والمدينة والقدس، حيث اهداف المسيرة القرآنية.
"حين يأوي الرفاق إلى مجلسي حاملين الدفاتر والأغنيات
أرتدي رغبتي في الشرود
أعبر الجسر بيني وبين البكاء
أسكن الحلم
والحلم تنهيدة
وقفة في انتهاء المسير"!
حين يعبد المجاهدون الطريق وتحقق اللجان الشعبية الأمن، حين نطل على دولة العدل بعد طول اضطهاد... عند ذلك سندرك أن أحلامنا لن تضيع ونحن عازمون على إسقاط النظام.
"حين يطوي الطريق المسافة، والخوف.
هل أضعنا الطريق
والمدى تحت إصرارنا ينتصر؟!
فالمساء المسيطر لا ينتهي للخلود
وليكن!
هل نسينا الخرائط مقعورة في الصباح القديم؟!"!
هل نسينا أسماءنا ومخطوطاتنا وتقعرنا لرموز النظام الفاسدة، ومناهجه وغزوه الفكري النجدي منذ ثورة سبتمبر الستينيات التي اعتبرها البعض صبحا ضد النظام الملكي؟!
وليكن فلن يدوم ملك النظام القمعي.
"والمتاهات قابلة للعبور
إذا صدق العابرون الحثيث
أسرجوا عزمهم للعراك
حينها يفتح الغيب باب السماء..."!
والمجال متسع للالتحاق بالثورة، لإسقاط النظام، إذا أخلص الرجال الصمود، أسرجوا عزمهم للجهاد حينها يفتح الغيب باب السماء. عند ذلك سيأتي نصر الله.
"يرسل الضوء صوب الخطى المستجيرة صوب الطريق"!
هنا نبوءة تحققت بعد عشرين عاماً، وهي تحكي أن أنصار الله سيسقطون النظام الظالم في اليمن ثم يشرعون في إسقاط النظام السعودي والخليجي العميل لأمريكا و"إسرائيل" والذي يعد تواجده لحماية تلك الدول التي يعمل لصالحها. النبوءة التي يشير إليها قوله: "يرسل الضوء صوب الخطى المستجيرة، صوب الطريق" هي الطائرة المسيرة التي توصل إلى صناعتها اليوم التصنيع الحربي التابع لرجال الله.
"منذ متى والخطيئة تغمسنا؟! فالمآزق تلبسنا فوق خيبتنا"!
تتحدث بأسلوب فلسفي وإيماني في الوقت ذاته عما يشبه الكارما الكامنة في الوعي الإنساني الذي جاء بصيغة الجمع في قوله: “في ذواتنا النقية". إنها رهبة الكارما تطلع من مكامن الوعي كرهبان خشعت لمزمار داوود، مصحوبة بهالة من الألم تحجب الأفق أو تغص الحلق، من خيال هو أشبه برادع متخلق من صلصال الضمير يوخز رقائق بين حنايا الضلوع.
"مذ متى...؟!".
أنا لا أفهم جيدا قواعد النحو، ولماذا تجيء العبارة تارة بـ"مذ" وتارة بـ"منذ". ولست هنا في مقام طلب معلومة، يستطيع أي شخص الرد عليها مستعينا بـ"جوجل"، لكنني فقط أتساءل لأجيب محاولا تفجير طاقات كامنة في لغة استفهام، أفككها بكيمياء الحدس. أليست المعاني تنبثق من تفاعلات اللغة. "مذ" جاءت قصيرة متتابعة كأنفاس هذا الخائف المرتجف عند نهايات المشهد.

“مذ متى نرشف الكأس، كأس السكوت المثلج يستقي خمرة من يد حاولت قتلنا
ننتشي ساعة
ونغادر أحزاننا ثم نصحو على موجة من أنين؟!".
وأنا أقرأ الفقرة السابقة أحسست وضمن متواليات مشهد يرسمه وجدان الشاعر محذرا من مغبة ما قد يحدث إن تخاذلنا، من دخول شخصية جديدة في دراما النص له جلد امرئ القيس المتقرح منشداً "اليوم خمر وغد أمر". المشاهد المتسارعة في هذا المسرح، والتي تأتي تباعا كمفاجآت متوالية من الدهشة، في الحقيقة مشاهد كثيرة مدمجة في مشهد عنقودي واحد. لن نستنصر روماً ولا فرساً. لسنا امرئ القيس ولا "سيف". ملك شعبنا نستعيده بسواعدنا حال.. "لا وقت للوقت" كما قال درويش. وهذا الكأس المثلج الذي يقدمه لنا الطغاة سنهرقه.
"من زمان قريب"، ما شأن الذال اختفت يا علي جاحز؟! هاه قلت بعدها: "قطعنا كل ذيل". هنا النبوءة بأن سيتم قطع دابر الإخوان في اليمن.
“منذ أن أفرط الأب في حذقه
حالف التيه
عند الدخول إلى المصيدة".
أهمهم الآن بهذه العبارة الاعتراضية. ما الذي عاد بالنون والذال يا علي جاحز؟! وأعود لما قبل الهمهمة، فأقول: هنا تتجلى النبوءة التي ستحدث بعد عشرين عاماً، اسمها المجلس السياسي الأعلى، الذي شكلته اللجنة الثورية مع عفاش، فكان هذا المجلس فخا كبيرا تأخر بسببه الأنصار إذ "حالفوا التيه عند الدخول إلى المصيدة" (عند الدخول للعاصمة). يا لها من نبوءة!
ما سبق مما ذكرنا من نبوءات شعرية وما سيأتي في مقالنا هذا سببه أو مبعثه نقاء الشاعر علي جاحز.
"ثم عض الهباء حين أبصر أشلاءه قسمتها الذئاب الجياع على أسهم".
ألا يحيلك هذا المشهد إلى الذاكرة أيام الحوار ومخرجات الحوار الذي أقيم في موفنبيك وأرادت دول العدوان فرضه تحت قوة الطيران؟!
"ثم عض الهباء". الأقاليم لب النبوءة في هذه الفقرة. “حين أبصر أشلاءه قسمتها الذئاب الجياع على أسهم ثم لم نختصم". ثم لم نرفض تلك الشراكة البائسة.
"ها المساء العجوز يصبغ لحيته بالسواد". حذف الذال وقال "ها" بالعامية لإيصال معنى ما وجيع.. وهل هذه عودة بالذاكرة إلى مشهد اغتيال الإمام يحيى حميد الدين في منطقة السواد بحزيز؟! لعلها إشارة، لا، بل نبوءة لأحداث لاحقة ستقع في “السواد” وقد وقعت!

"يستعيد طفولته بالتهام النجوم التي أعلنت ضوءها"... إنه يحكي حكاية نهم النظام ورغبته الجامحة في سفك وامتصاص دماء المؤمنين. وكلما قتل عددا كبيرا من الأبرياء شعر بالسعادة تدب في عروقه... مشهد مرعب يصور فيه الشاعر وحشية النظام وقتامة نفسه التي يحاول أن يغسلها بطهارة النجوم (المؤمنين) التي أعلنت ضوءها وصرخت في وجه الظلم.
"يستحم بأخطائنا". ماتزال الكارما حاضرة في دراما الأحداث، والعدل الإلهي يأتي تباعا.
يستمر علي جاحز في تقديم النبوءات في مشاهد تراجيدية مسكونة بالأمل هي تتحدث عن البداية من حيث انتهت وتعزف سيمفونيات النهاية من حيث ابتدأت.
"أي إضبارة تحتوي قصة
ضيعت أولا عندما سافرت لم تجد آخرا؟!".
"أي أقصوصة؟!" يا إلهي!! فجأة صارت القصة أقصوصة! ما هذه المفاجآت التي يواليها علي جاحز في أفواج مشاهده الممعنة في الذهول؟!
"أي أقصوصة تستطيع التوغل في الوقت
ترسم الحزن في وجهها، تصنع الحبكة الفاتنة؟!".
هذا المقطع الآنف ذكره أشعرني بولوجي في السماء مرة وفي الأرض مرة ثانية وفي البحر مرة ثالثة... وجدتني أولا أدخل ثقب أوزون، ثم وجدتني ثانيا أدخل سردابا أقتفي أثر مهدي، ثم وجدتني ثالثا يبتلعني برمودا... يا لها من فيزياء شعرية، أو شعرية كمية! إنها تراتيل جفرية، متفجرة من وجدان قرآني بديع التكوين.
أي حبكة أقصوصة تلبس الدهشة الصاخبة، تأخذ الوقت والحائرين على إثرها صوب النهاية؟!
ما هذا التناهي في الوجدان، بل التناهي في التكنيك الشعري، والدقة المتناهية في نظم المشاهد؟! إنها فيزياء الشعر. لقد أوصلنا علي جاحز إلى ما بعد النظرية النسبية، وما بعد النظرية الكمية، وأوجدنا وخلق المعاني مذهلة بديعة في جوف قباب ذراتنا، وتجلت النسبية الشعرية في مشهد خاف أن ينتهي بشكل تفوق على الجاذبية.
في قصيدة "أغان لعصر الذهول"، التي تتجلى في نيوتينية شعرية بتقنية فنية بديعة من الأغاني.
"أغان لعصر الذهول" مخاضات شعرية لولادات صاخبة من النبوءات. عصر الذهول، أو ظهور عصر المعجزات النورانية، سيحكي كم من الحقائق انكشفت، وستنكشف متناغمة مع انبلاج مجرة المسيرة القرآنية من مظلوميات مران.
"أغان لعصر الذهول" قصيدة تحكي قصص معارك ملحمية حدثت دامية خرج من نهر شهدائها الزكية أبطال رضعوا معاني قصيدة الإمام علي في مدح همدان، الأشتريين المنبثين من قصائد الهبل، المسبحين المتوشحين سبحات الرزامي...


خمس أغان لعصر الذهول عزفتها ريشة علي جاحز، منها ما يحكي أوضاع المجاهدين في سجون النظام:
“أقدم أغنية للنهار الجميل، وللفجر والفجر معتقلا تؤبده في السجون شعاراتنا الواضحات”.
ومنها ما يحكي مشاهد الصمت التي كانت تعصر قلبه خارج أحداث الملاحم التي تضيئها النجوم المرصوصة عند سفح مران في مواجهة أرتال الظلام القادمة من جبل صهيون.
بعد أن غنى للظهور، وزفر النهدات، خرج علي جاحز من غنوصية الحلم والشرود إلى بلورة الرؤى في مسرح يمضغ التائهين، يستهله بمشهد يفصح عن تلاشي المتاهات وينبئ باصطفاف البدايات من جديد مبدأ مبدأ.

مسرح يمضغ التائهين
أؤمن بقدرة قانون عدم الترادف في اللغة على إثراء المفاهيم الفكرية وتوسيع دائرة العلوم اللغوية بشكل مذهل، وأن لكل كلمة معناها الخاص بها، وأن في ترادف الكلمات إهداراً كبيراً لمعانيها، وأهم أسباب فقدان الشعب العربي والتراث العربي الملايين من المفردات العربية الركون على قاعدة الترادف السائدة منذ القرون الأولى للتاريخ الإسلامي، والتي اعتمد عليها معظم فقهاء تفسير القرآن، مما أدى لجمود العقل العربي في الفهم والتفكير. لا يهم هنا من أي مصدر أخذت قانون عدم الترادف في اللغة، وأن يقال إني على نحو تفكير "محمد شحرور" أو "عالم سبيط النيلي". المهم هو أني وجدت في هذا القانون العظيم ما يلبي نزعاتي الفكرية لفهم القرآن خاصة، ونصوص التراث عامة. فحين نقول إن النبوة غير التنبؤ، وأن النبي غير المتنبئ في المعنى، فإن ما نقوله صحيح.
التنبؤ بالمستقبل ليس مقصورا على فئة من الناس، وإنما هذا الأمر موهوب لكثير من الناس ولكن بشكل يسير، قياسا بالأنبياء. وكما أن علم الله لا يحيط به إلا هو، فإن مستودعات علم الله وأسراره لا يحيط بها إلا هو، فهو أعلم حيث يضع علومه وأسراره، وقد قال الله في القرآن: "وفوق كل ذي علم عليم"، ويقال في المثل الشعبي: "يضع سره في أضعف خلقه". وإذا اعتبرنا أن الشعر علم من علوم الله يهبه الله من يشاء من الناس فيصبحون شعراء متنبئين، انطلاقا من فهمنا لقول الله تعالى: "وما علمناه الشعر"، فإن الشاعر علي جاحز من أقوى الشعراء الذين تشع كلماتهم بالأنوار، وأنبئهم بالشعر. وهناك كثيرون لم أذكرهم في هذا المقال، فهذا الشاعر عبدالله البردوني تمتلئ دواوينه الشعرية بالنبوءات، وقد تنبأ بأحداث كثيرة جرت بعد وفاته، ومنها ما جاء في قصيدة بعنوان "الغزو من الداخل" وتشرح بالتفصيل ما يصير اليوم من مشاهد تعري الحكام والسياسيين العرب أمام شعوبهم إزاء قضايا جوهرية تمس الدين والحقوق والنواميس التي لا ينبغي أن تمس:
أمير النفط نحن يداك
نحن أحدّ أنيابك
ونحن القادة العطشى
إلى فضلات أكوابك
ومسؤولون في صنعا
وفراشون في بابك
ومن دمنا على دمنا
تموقع جيش إرهابك
لقد جئنا نجر الشعب
في أعتاب أعتابك
ونأتي كل ما تهوى
نُمسّح نعل حجّابك
ونستجديك ألقابا
نتوّجها بألقابك
فمرنا كيفما شاءت
نوايا ليل سردابك
نعم يا سيد الأذناب
إنا خير أذنابك.
وقد تنبأ بالصراع السياسي الذي حدث بين علي عبد الله صالح وعلي محسن الأحمر قبل حدوثه بسنوات:
يا بنت أم "الضمد" قولي لنا
أيّ عليٍّ سوف يخصي علي!
وهذا الشاعر حسن الشرفي تنبأ بالحرب التي حدثت بين عيال الأحمر وعلي عبد الله صالح في منطقة الحصبة قبل حدوثها بسنوات:
فوق ظهر الشعب منها حدبة
من مقص الحقو حتى الرقبة
خطة النهدين لا يتقنها
غير تخطيط رجال الحصبة.
بعد أن أدهشنا بتناهي مشاهده في الدقة ورأينا قدرته على رسم تفاصيل أدق المشاهد الوجدانية في الواقع، فرأيناه يحيل الإضبارة قصة والقصة أقصوصة والأقصوصة حبكة تلبس الدهشة الأكثر صخبا، وهذا يعني وجود علاقة تزايدية بين الدقة والدهشة، فكلما زادت الدقة زاد صخب الدهشة، نقلنا إلى مشاهد متصاعدة في الوضوح والرؤية، وأفصح عن قدرة عالية على تقريب أحداث المستقبل في الوعي، فالمشهد الخائف هوذا كبر وصار مسرحا للتائهين.
أشعر أن قصيدة "أغان لعصر الذهول" انبثق منها "مشهد خاف أن ينتهي"، وأن قصيدة "مشهد خاف أن ينتهي" انبثق منها "مسرح يمضغ التائهين"، انبثاقا توالديا صادرا عن معرفة تراكمية وخبرة متصلة بالبناء الشعري لمزيد من البيان والإيصال والتصوير المتكامل للمشهد الثوري والسياسي في اليمن والعالم، وكأن الثلاثة النصوص قصيدة واحدة متناسقة موضوعيا ومنسجمة وجدانيا. على أن انبثاق كل نص من الآخر جاء طبيعيا دون تكلف.
مايزال الوقت يقتفي أثر الدهشة. وماتزال الدهشة تلهف الوقت تباعاً. وعلى الرغم من كم الحزن الهائل المعتق الفياض من قعر وجدان الشاعر، إلا أن ثمة من يعده نبيذا يثمل، ويعربد الوقت الذاهل بتراجيدية واقعنا، وتزيده انتشاء تأوهات أوجاعنا.
وفي حين أن أحوالنا موضع سخرية الوقت في المشهد الأول:
يلهث الوقت في إثر دهشته
ساخراً يتقيأ أوزار أربابنا
يتسلى بتقليم آمالنا
ينتشي باحتساء هزائمنا
تحت جفن السلام الأفاعي تحيك الهزيمة
تنقض كل الخيوط التي شبكتنا
الخيوط ثعابين مسعورةً
تتلادغ في أسرها
ثم تأكلها وجبةً وجبةً وهي تخفي الفحيح!

في حين أنه كذلك إلا أن مشهد ركام السنين يصبح موضع سخرية مآسينا في المشهد الثاني:
البداية ضائعة في ركام السنين
مبعثرة بين آثار خطو الزمان
لعل الثواني تقاسمن حمل انحرافاتنا
هل مراصدنا تستطيع العثور على نبع مأساتنا
بين غابات تاريخنا في مساءٍ فسيح؟!
وإذن فنحن إزاء مشهدين يتخذ كل منهما من الآخر موضع المشاهد.
في المشهد الثالث أكد الشاعر أن الفضيلة متهمة من الزيف وموضع شك السلطة الجائرة. ونؤكد ذلك التأكيد ببرهان مما جاء في القرآن، وأن تهمة نبي الله لوط وقومه الطهارة، لذلك قال السفهاء من قومه: "أخرجوهم فإنهم قوم يتطهرون". وفي قصة موسى وقومه وصف فرعون وقومه المؤمنين بأنهم شرذمة قليلون، ودائما ما يكون القلة أفاضل.
في المشهد الثالث يتضح جليا جو مكثف من النبوءة التي ستتحقق بعد عشرين عاماً تقريباً، حيث أن سياق النص في هذا المشهد عبر تعبيراً واضحاً لا مجال لعدم تصديقه، بأن المسرح الذي يمضغ التائهين ليس إلا بثاً مباشراً وحيا لوقائع اجتماع ما يسمى مجلس جامعة الدول العربية، الذي أعلن فيه الحرب على اليمن تحت مسمى "عاصفة الحزم". يا لها من نبوءة! تمضغ التائهين والشعراء والسياسيين ورجال الدين:
الفضيلة منذرةٌ بالأمان
ومتهمٌ بالخروج على الزيف
في مهرجانات خلع العروبة
في مسرحٍ يمضغ التائهين
ألم تسمعوا أنةً تحت مكياجكم؟!
صرخةً في حناياكم؟!
امسحوا عن قناديلكم ليل أدرانكم
فتشوا في خرائطكم عن ملاذٍ ليعصمكم يوم طوفان ريح!
نقفل مقالنا بهذه النبوءة التاريخية المذهلة من ديوان "مشهد خاف أن ينتهي" للشاعر علي جاحز، وبعد أن وجدنا ما يؤكد ما ذهبنا إليه في أكثر من مقطع من الديوان من أنه شاعر متنبئ، نقل إلينا قبل وقوعها بعقدين أحداث مؤتمر موفنبيك لتقسيم اليمن إلى 6 أقاليم، ثم نقل إلينا أحداث مؤتمر إقرار حرب "عاصفة الحزم" لتدمير اليمن وقتل أبنائها من قبل عبيد أمريكا و"إسرائيل" من بني سعود وعيال نهيان وخليفة. يأتي علي جاحز في المشهد الخامس لهذا النص من "مسرح يمضغ التائهين" بنبوءات ستحدث وتعرض تحت مسميات عدة مؤتمرات برعاية أمريكية وتمويل عربي، أوسع من ذي قبل، تشرعن وترعى وتنفذ مظاهر التطبيع مع "إسرائيل" وبصورة علنية أمام شعوب العالم ودون مراعاة لحقوق الفلسطينيين وإنسانيتهم، ودون احترام لعقول العالم، كما يحكي هذا المشهد الخامس من النص والذي يرمز لرئيس أمريكا بـ"كافور":
تتوالى الضحايا وتسقط أقنعةٌ
حين ينهار في قبضة "السرطان"
مكانٌ من الجسد المصطفى
بالقداسة
تسقط من مجدها أمةٌ رقدت
واستوى فوق كاهلها عرش "كافور"
كم أشعل المكر في وجهه جاهلاً
يحتفي حين يقبض دولاره
لا يعي كم تمزق من ثوبه
جسمه كصباح الربيع
ولكنه ينسج الليل في صدره واقعاً
نعله لم يعد يعجب الشعراء الذين اجتلوه ضحىً
وانتحوا
ما تزال العضاريط تمسح عن نعل "كافور"
ما قد يسيء إلى حسنه من دماء الضحايا
ولا يشبعون
وتضحك في مجدها أمةٌ
أيها الغارقون بأوحالكم
اخلعوا سيفكم
واستجيروا بنيراننا
ثم تضحك غارقة في الدهاء!

 

* نقلا عن : لا ميديا


في الأربعاء 09 يونيو-حزيران 2021 07:48:12 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=3879