كمال "الشهيد والشهادة"
عبدالفتاح علي البنوس
عبدالفتاح علي البنوس

 

انطلق مع المسيرة القرآنية وهو في عمر الزهور ، انطلق مجاهدا في سبيل الله ، مدافعا عن الأرض والعرض والشرف والسيادة والكرامة ، انطلق بصدق وإخلاص ، متسلحا بثقافة القرآن ، ومناهظا لقوى البغي والعدوان ، فكان قدوة يحتذى بها في جهاده والتزامه ، وأنت تستمع إلى كلامه يشعرك وكأنك أمام ثقافي من الطراز الأول ، رغم حداثة سنه وفترة التحاقه بالمسيرة ، ولكنه بإخلاصه وتفانيه ، وروحه الإيمانية ، جاهد في سبيل الله حق الجهاد ، تنقل بين الجبهات مقاتلا للغزاة والمحتلين والمرتزقة المنافقين منكلا بهم أشد تنكيل ، وعمل مصورا وثق بعدسة كاميرته للإعلام الحربي بعض الملاحم البطولية التي سطرها رفاقه من أبطال الجيش واللجان الشعبية ، وانتقل للعمل في القطاع الصحي يطبب جراح رفاقه المجاهدين ويقدم لهم الإسعافات اللازمة .

خلال زياراته لأسرته التي كانت تقتصر على أيام محدودة كان يتحرك في أوساط رفاقه محفزا لهم ومشجعا لهم على الالتحاق بركب المسيرة القرآنية ، ونيل فضل و شرف الجهاد في سبيل الله دفاعا عن الأرض والعرض والشرف والسيادة ، فلا تكاد تمر زيارة إلا ويصطحب معه واحدا أو اثنين من رفاقه الذين اقتنعوا بطرحه وقرروا اللحاق بركب المجاهدين ، فكانت زياراته لا تقتصر على زيارة الأهل فحسب ، ولكنه كان يستغلها في التثقيف والتحشيد ، إنه المجاهد المقدام والبطل الهمام الشهيد كمال محسن محمد حشيدان ( أبو معارك ) ، الشاب العشريني الذي قدم النموذج الراقي والقدوة الحسنة لأبناء جيله من الشباب ، بعد أن طلق الدنيا بكل متاعها وملذاتها ومغرياتها ، فباع نفسه لله ، والله اشتراها منه ، فنعم البيع ونعم التجارة .

كنت أقول له عند زيارته (أين البندق حقك ) فيرد : ( ما اشتي به هانا ، البنادق هناك في الجبهات ) وظل (رضوان الله عليه) يحرض والده على الجهاد في سبيل الله ليحظى بالشهادة ، لكي يشعر بالفخر والاعتزاز ، ولكي يظفر هو عند استشهاده بلقب الشهيد ابن الشهيد ، لم يلتفت إلى ما حوله من تعقيدات وتثبيطات ومنغصات واقع مجتمعه المحلي المرير ، قبل استشهاده بأيام قال لمشرفه بأنه لا يريد العودة إلى مدينته إلا شهيدا ، في إشارة إلى عدم رضاه عن الأوضاع في مدينته ومديريته.

كنا نشده إلى الدنيا بالحديث عن الأهل والأصدقاء والبيت والزواج والدراسة والوظيفة ، وإذا به يشدنا نحو الحياة الحقيقية ويذكرنا بالآخرة وما أعده الله للشهداء من تكريم وعطاء ، خرج رضوان الله عليه تحت قصف وتحليق الطيران لإسعاف رفاقه عقب استهداف طيران العدوان لهم بغارة غادرة ، خرج وهو يدرك جيدا مدى الخطر الذي يتهدد حياته ، ولكنه لم يبال ، فسارع على متن دراجته النارية لإسعاف رفيقه الجريح بعد أن قام بنقل جثمان رفيقه الآخر الذي ارتقى شهيدا ووضعه في ( الطربال ) الخاص بالجثث ، وفي تلكم اللحظة أقدم طيران العدوان على استهدافه بغارة جوية فارق الحياة على إثرها ليعانق الشهادة التي ما فتئ ينشدها ويمنَّي نفسه بالظفر بها .

ارتقى كمال شهيدا في سبيل الله ملتحقا بكوكبة الخالدين العظماء الأحياء عندهم يرزقون ، وهي الخاتمة المرضية الطبيعية لكل الرجال المؤمنين الذين صدقوا الله عهدا قطعوه على أنفسهم ، رحمك الله يا كمال وكل رفاقك الشهداء العظماء ، نلت ما تمنيت ، فهنيئا لك ، وسلام الله على روحك الطاهرة ، آلمنا رحيلك ، وأوجعنا فراقك ، فرحمة الله تغشاك ، وطيب الله ثراك ، وجعل الجنة سكناك ، إن العين لتدمع ، وإن القلب ليحزن ، وإنا على فراقك يا أبا (معارك ) لمحزونون ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

قلت قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ووالدينا ووالديكم ، وعاشق النبي يصلي عليه وآله .


في الثلاثاء 22 يونيو-حزيران 2021 07:36:33 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=3921