|
كنت جالساً مع بعض الأصدقاء نشاهد مذهولين فيديو الشهيد «أبو فاضل»، لم يتجرأ أحدنا على محاولة التعليق أو التحليل أو التفسير، ذلك أن الموقف أعظم من أن تستوعبه عقولنا العادية، فكيف لها أن تفسره أو تتحدث عنه.
عقب المشاهد مرت ربع ساعة من الهيبة والصمت، ثم قال لي أحدهم معاتباً: ياخي ليش ما تكتب عن «أبو فاضل»، جالس تمكنها مقالات عن الإصلاح والدنبوع وابن سلمان؟!
لم أجب على سؤاله حينها، ولم يكن لدي جواب أصلاً، ثم جلست مع نفسي وفكرت في الموضوع فعلاً.
لماذا لا أكتب كثيراً عن هؤلاء الرجال الاستثنائيين؟
ففي العادة بمجرد أن يسطع نجم كـ«الجبري» أو «العكدة» أو «طومر»، حتى تظهر مئات المقالات والقصائد التي تصف عظمتهم ووفاءهم وإخلاصهم، وأجد كل الأقلام الحرة على المستوى المحلي والإقليمي قد كتبت عنهم عدا أنا، لدرجة أنني أشعر بالخجل.
الحقيقة أيها الأعزاء أنني أهاب الكتابة عن أمر أكبر مني، فمهما اجتهدت في وصف أولئك العظماء لن أفيهم جزءاً صغيراً من حقهم، فأنا وقلمي وثقافتي لا نرقى إلى مستواهم أو حتى مستوى الحديث عنهم.
هناك كثيرون قد قاموا بالواجب وكتبوا عن روحية الشهيد «طومر» الاستثنائية، لكنهم جميعاً تركوا أهم جانب في العملية دون أن يتطرق إليه أحد.
كما أظهرت تلك المشاهد مستوى البطولة والجهاد والإيمان لدى الشهيد، فإنها في الوقت ذاته كشفت حقارة المرتزقة وسقوطهم الأخلاقي.
لنفترض جدلاً ولو أن ذلك أبعد من الخيال، وأسألكم أن تسامحوني على هذا الافتراض.
لكن لنفترض أن واحداً من المرتزقة قام بما قام به «طومر»، هل كان المجاهدون سيطلقون النار عليه وهو جريح وأعزل؟
لا وألف لا، وأتحدى أي محلل أو خبير عسكري أن يقول غير هذا الكلام.
تلك المشاهد فضحت مرة أخرى مستوى القبح والسقوط والانحطاط الذي وصل إليه مرتزقة العدوان، إذ راح فصيل عسكري كامل يصب وابلاً من الرصاص على شخص أعزل.
لكن من يدفنون الأسرى أحياءً نتوقع منهم كل شيء.. وفي المقابل نحن نرى المجاهدين في كل عملية يسارعون لإسعاف جرحى المرتزقة وتوفير السلامة لهم باهتمام عجيب، لدرجة أنك قد لا تفرق بسبب حسن المعاملة بين الجريح المجاهد والجريح المرتزق.
أقسم لكم إنني لم أستطع نسيان صوت ذلك المجاهد وهو يخاطب أسيراً جريحاً خائفاً:
«يا خبير احنا اخوة اخوة والله محد يعسك».
ابحثوا عن الفيديو وستجدونه بسهولة على «يوتيوب»، ثم قولوا سبحان من جعل هؤلاء صوراً حية لمكارم الأخلاق.
هكذا هم جند الله وأبناء المسيرة القرآنية، يعلمون المرء كيف يكون إنساناً، وذاك «أبو فاضل» تفضل علينا بدروس حسينية من وحي كربلاء، فيها أبعاد إنسانية بطولية قيمية جهادية.
أما المرتزقة فسيظل إبليس يتعلم منهم دروساً في النذالة والخسة والحقارة.. وشتان بين المدرستين.
* نقلا عن : لا ميديا
في الأربعاء 07 يوليو-تموز 2021 09:19:09 م