|
لم تعد قضية الأحزاب مع جماهير الشعب قضية سلطة وترف , بل قضية وطن وقضية كرامة وسيادة ومشروع نهضة وطنية شاملة , فقد أصبح لزاماً الاشتغال على بلورة الأبعاد الفكرية والفلسفية , ومثل ذلك يتطلب جهداً مضاعفاً من المفكرين ومن الأحزاب , ويتطلب تفعيلاً للأبعاد البحثية , بل والدراسات العلمية الجادة , حتى تأتي النتائج ملبية لطموح المقدمات , وقادرة على ترجمة أحلام الجماهير العريضة التي أصبحت تتطلع أن ترى البطل الأسطورة والبطل المنقذ من بين كل تلك المشاريع المتصارعة والشاهرة لفوهات البنادق والمدافع في وجه الحياة.
كما أن وسائل الإعلام التابعة للأحزاب بكل تعددها وأطيافها يجب أن تقترب من الفئات النوعية، فقد أصبح التخصص من أسباب ومقومات النجاح في هذا العصر الذي يمتاز بحالة حضارية غير مستقرة، وفي السياق نفسه متعددة ثقافياً، والصراع يعتمد على سرعة الوصول لا الاستسلام لعوامل الذهول.
أما الاحزاب فهي حالة انتقالية جديدة، وعلى قاداتها أن تعي ضرورات المرحلة وتعمل على التجديد في النظم والسياسات والأهداف والخطاب, وأن تعمل على تحديث كل وسائطها الإعلامية، وأن تسد الثغرات في البناءات المختلفة قبل أن تتجاوزها اللحظة الحضارية الجديدة التي تمر بها اليمن .
فالصراعات وإدارتها من أصعب المهام على وجه العموم، فصغائر الأخطاء فيها قد تصبح من العظائم ,وقد تترك أثرا نفسيا واجتماعيا وثقافيا مدمرا, ولذلك فإن الذين يديرون مثل ذلك الصراع لا بد أن يكونوا استثنائيين ومتميزين, وحالة التميز والتفرد ليست حالة اعتباطية ولكنها تتطلب جهدا عضليا مضاعفا, ونشاطاً ذهنيا متوقداً, وقراراً حاسماً, متى كانت الضرورة قد فرضته في واقعها الاجتماعي.
ويبدو أن اليمن يعيش وضعاً لا يحسد عليه، فالأحزاب السياسية التي كان يفترض بها أن تكون عوناً له أصبحت عبئاً على المرحلة والاستقرار, وعلى عملية الانتقال في حد ذاتها, فالصراع على الأرض ونتائجه يكاد أن ينحرف بمسار أي تسوية سياسية , والاستغراق في الحالات الانفعالية قد يفضي إلى المزالق الخطرة والمدمرة , والذين وقعوا تحت حالة (عمه الطغيان) لم يفكروا بالعودة إلى حالة الاستقرار النفسي , وتغليب العقل والحكمة والمصلحة الوطنية العليا , فالثأر السياسي الذي تمارسه بعض الأطراف السياسية لم يخرج من دائرة الطغيان, ودائرة العنف, إلى دائرة العقلنة التي يجب أن تكون سمة غالبة في المراحل التي يهددها الانهيار واختلال القانون العام والطبيعي.
اليمن مرَّ تاريخياً بحالات مماثلة للحال الذي هو عليه اليوم وإدراك كنه التاريخ وحقائقه الموضوعية يجعلنا أكثر وعياً باللحظة, وبالتالي أكثر إدراكاً ووعياً وسيطرة على المستقبل, ولا يمكن الوصول إلى مرحلة الوعي الحقيقي دون شعور وطني جامع بالإشكالية, ودون شراكة وطنية عالية القيمة والمسؤولية والوعي , ودون توافق على المشترك واصطفاف كامل للخروج من إشكالات اللحظة إلى سعة الانتماء والتنافس الحضاري القائم على البناءات الناهضة للمشاريع السياسية الحقيقية .
فالثأر السياسي الذي يستغرق نفسه في التدمير بقيم سلبية وقاتلة يمكن أن يتحول إلى قوة إيجابية وطاقة ناهضة من خلال البناء على المشروع السياسي التنافسي الذي يرى في منظومة فشل تجربته قاعدة انطلاق نجاحه في المراحل القادمة, والقضية ليست صعبة، فالطاقة الانفعالية المدمرة بقليل من التفكير قد تصبح طاقة حياة من خلال الاشتغال على فكرة المشروع , فالسياسة ليست غنيمة كما هي في محددات العقل العربي القديم, بل هي عملية إنتاجية تفاعلية ناهضة , وقيمتها تكمن في حركتها وتطورها , وفي نهضة المجتمع وأسس تنميته وتفاعله الحضاري بصورة إبداعية وابتكارية لا اجترارية كما كان يحدث في الماضي .
وأمام مثل ذلك، فقد أصبح الخروج من وعي المؤامرة ووعي الأزمة ضرورة اجتماعية وسياسية في الآن معاً, إذ أننا في حال ارتهاننا لمثل ذلك الوعي – أقصد وعي المؤامرة ووعي الأزمة – لن نبرح مكاننا, فالجديد وتبدل العلاقات والمصالح وعلاقات الإنتاج وأدواته صيرورة زمنية وحضارية وثقافية, وحالة من حالات الانتقال والتدافع ولن تكون مؤامرة , ومثل ذلك فطرة الله التي فطر الناس عليها خوف الثبات وخوف الفساد في الأرض .
ومن يظن في نفسه القدرة والذكاء على دفع فطرة الله والتجديف ضد سننه فقد وقع في الخطأ, ولا سبيل لكل الماضي الذي كان في رخاء ونعيم إلا التكيف مع الجديد والتفاعل مع أدواته وعلاقاته وبصورة أكثر تناغماً وأكثر إدراكاً له , أما سبيل الدم ومفردات الموت والفناء فلن يكون إلا سبيلاً خاسراً , فالدلالة الرمزية إلى المسارعة إلى دار النعيم والخلود ليست بالموت وإراقة الدم ولكن بالعمل وبالابتكارات الإبداعية التي تحمل نفعاً للبشرية لا دماراً لها , ولا أظن اليمن التي شهدت كل ذلك الدم المراق على ترابها بحاجة إلى المزيد منه, ولكنها بحاجة إلى الحياة والاستقرار والأمن من الخوف , وكذا الأمن من الجوع ولن يتحقق لها ذلك طالما ظل كل طرف سياسي يتربص بالآخر الدوائر وطالما ظل الاستقرار حالة جدلية تديرها ردود الأفعال والشعور الطاغي بالخوف من الآخر.
وقديماً كان يقول الناس ليس الفاضل من لا يخطئ بل الفاضل من لم يعد غلطه” , وكل حزب أو فرد قد أصاب وأخطأ، وتلك هي طبيعة الحياة، لكن المحك هو كيف نتعلم من الخطأ حتى لا يتكرر , وكيف نعيد التفكير في معطيات المرحلة وتفاعلاتها حتى نعرف عدو اليمن , والخروج من حالة التماهي معه ؟ تلك قضية جوهرية من شأنها أن تفقد العدو المتربص باليمن أدواته في التحكم بمصير اليمن , فالهوية الوطنية الصامدة والتلاحم الوطني يقهر العدو ولا يحقق له مآربه .
في الجمعة 06 أغسطس-آب 2021 07:37:02 م