أفغانستان انسحاب وتوسع
عبدالفتاح حيدرة
عبدالفتاح حيدرة

تلقيت رسالة من أحد الأعزاء يطلب مني الكتابة عما يحدث في أفغانستان. وتلبية لطلبه، نقول إنه وبعد أكثر من ثلاثة عقود، قرر الأمريكيون الانسحاب من أفغانستان وإنهاء أطول الحروب في تاريخهم (2001-2021)، دون أي ضمان للحكومة أن تتمكن من التصدي لحركة طالبان، وهو ما يجعل البلاد عرضة لسيناريوهات تدور بين عودة الحرب الأهلية، واستمرار القتال بين الحكومة وطالبان في ظل تراجع الدعم الأمريكي والناتو لها. وبين هذا وذاك قد تستخدم الحركات الإرهابية بتصدير نفسها إلى إيران أو روسيا أو الصين، أو الجميع. ولا تتضمن هذه السيناريوهات العودة النهائية لحركة طالبان للحكم في أفغانستان. وفيما يشبه أكبر مفارقة في تاريخ الحروب الحديثة يمكن أن تتحول طالبان إلى خصم لدود لمصالح الأمريكان كلها.

حتـى الآن، ما زالت القوات الأمنية والجيش التابع لحكومة كابول، والتي بلغ حجمها مطلع هذا العام حوالي 308 آلاف شرطي وجندي، غير قادرة على فرض سيطرتها على كامل البلاد، حيث تسيطر طالبان، والتـي يبلغ حجم قواتها خفيفة التسليح 60 ألف مقاتل، على ما بين 50 و70% من كامل البلاد. ولم تنجح التمويلات والتدريبات الأمريكية في رفع كفاءة هذه القوات، فيما عدا القوات الخاصة؛ حيث ما زالت تعاني من نقص الإمداد والتموين والغذاء والمعدات، فضلاً عن عجزها عن السيطرة على الممرات الجبلية الواصلة بين المراكز الحضرية، حيث تسهل سيطرة طالبان.
أفغانستان بصدد ثلاث سيناريوهات: أولا: الحرب الأهلية، كتلك التـي اندلعت بعد انسحاب القوات السوفييتية، إلا أن هذا السيناريو محدد بقدرة حكومة كابول على الصمود في مواجهة طالبان وحلفائها، وهو احتمال ضعيف في ظل تراجع الدعم الدولي، وعدم استقرار واشنطن على استراتيجية صادقة “للارتباط” بكابول يمكن من خلالها الإبقاء على سيل المساعدات المدنية والعسكرية، ولن تكون الحكومة الأفغانية قادرة على التغلب على طالبان في مثل هذه الحرب إلا إذا استطاعت ابتكار أساس جديد لشرعيتها بعيد عن شرعية الديمقراطية الانتخابية المدعومة أمريكيا، وهو الاحتمال الأبعد في ظل ما أصاب المجتمع الأفغاني من تفكك ودوائر العنف التي استنزفته في ظل الاحتلال الأمريكي.
ثانيا: انتصار طالبان على نحو يعيد عقارب الساعة إلى العام 1996، إلا أن هذا الانتصار النهائي سيتطلب أكثر من مجرد الانتصار العسكري على حكومة كابول، بل أيضا التمكن من منع خصوم الحركة من تكوين تحالف يشابه التحالف الشمالي الذي كان يخطط للوثوب عليها حتـى الغزو الأمريكي، يستدعي هذا تطوير آليات لإقناع قوات الأمن والجيش بالانضمام إلى الحركة أو العمل تحت إمرتها، واجتذاب الدعم الدولي من البلدان المجاورة، خاصة الصين وباكستان وإيران وجمهوريات آسيا الوسطى القلقة من صعود طالبان، ولن يعني إخفاق طالبان في بناء إطار سياسـي جامع إلا انحدار البلاد في دوامة جديدة من العنف، وستبقى المعضلة الكبيرة أمام طالبان في الحكم هي ضمان عدم تحول أفغانستان إلى مرتع للجماعات الإرهابية، وطمأنة الدول المجاورة القلقة من تشدد الحركة وإمكانية تكرار تجربتها في الحكم.
ثالثا: الحل السلمي، أي استئناف مسار مفاوضات الدوحة بدون رعاية أمريكية، وهو سيناريو مرهون بتدخل دول الجوار، خاصة الصين وباكستان، على اعتبار علاقاتهما بالطرفين، واهتمامهما باستقرار أفغانستان. يستدعي هذا الحل التوافق على مفهوم تقاسم السلطة وتقليص علاقة حكومة كابول بالغرب، وإعادة تأسيس قطاع الأمن على أساس وطنـي يسمح لمقاتلي طالبان بالاندماج في أجهزة الأمن. بالطبع التوصل إلى هذا الحل الشامل يعنـي العودة إلى الوراء وتنحية تجربة أمريكا المسماة “إعادة الأمة” على الطريقة الغربية، وهو حل أسهل في القول من الفعل، مع عدم وجود أي طرف دولي أو إقليمي قادر على دفع الأمر في هذا الاتجاه، لأن هذا الاتجاه يعني توجيه الإرهاب الذي في الحركة باتجاه روسيا وايران.
في النهاية، تتضمن كافة السيناريوهات التي تواجه أفغانستان “العودة إلى الوراء” بطرق مختلفة، وهو ما يؤكد عبثية تجربة الحرب والاحتلال الذي شنته الولايات المتحدة الأمريكية على ذلك البلد الممزق بفعل العنف وسجن الجغرافيا، وثقل التاريخ، ثم تركته وحيدا، وهذا ديدن حروب أمريكا الخاسرة ومن يتبعها.
* نقلا عن : لا ميديا

في الثلاثاء 17 أغسطس-آب 2021 11:03:21 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=4121