الشاعر عباس الديلمي.. شاعر الحب والانتماء إلى الوطن
خليل المعلمي
خليل المعلمي

تنقل منذ الطفولة في ربوع الوطن وتشرب من عبقها ورحيقها

 

الشاعر عباس الديلمي إحدى الشخصيات الإعلامية المبدعة التي حلقت في سماوات الإبداع والفن والثقافة، تميّز بالإبداع الأصيل والكلمة المبدعة التي سكنت القلوب والوجدان، بقصائده الوطنية والعاطفية والإنسانية ترنَّمت القلوب وزها الوطن..
نجد في سيرته الذاتية التنقل في ربوع الوطن منذ الطفولة، من مدينة إلى أخرى ومن قرية إلى أخرى، فانعكس ذلك على حياة الشاعر وعلى إبداعاته وأعماله المتنوعة والمتميزة.
لا يستدعي القصيدة وإنما هي من تستدعيه، فعندما يشعر أنها تناديه يترك كل شيء ويتفرغ لها مهما كان الأمر، فهو في انتظار القصيدة تستدعيه في أي وقت.

موهبة مبكرة
ولد الشاعر عباس الديلمي في شرعب بمحافظة تعز عام 1952م، نما وترعرع وتربى في مختلف المناطق، اطلع على الموروث الشعبي والفلكلوري والتراثي المتنوع من البالات إلى الماهجل، وعاش أغاني وأهازيج المواسم في مناطق مختلفة من اليمن، وتشرب من عبقها ورحيقها، فاستوعب قلبه الصغير كل اليمن، فبحكم عمل والده في سلك القضاء تنقل من مكان إلى آخر، من شرعب إلى تهامة إلى ريمة وآنس والرضمة وغيرها، اكمل تعليمه العام، والتحق بقسم الفلسفة في كلية الآداب بجامعة صنعاء وتخرج منها في العام 1978م.
نمت فيه موهبة الشعر منذ وقت مبكر فكانت أولى قصائده الغنائية “يا طبيب الهوى” والتي غناها الفنان أحمد السنيدار، تلتها قصيدة “يانجوم الليل” والتي غناها الفنان الراحل علي بن علي الآنسي، ومن ثم توالت قصائده الغنائية والوطنية تباعاً، وبدأ يتعامل ويتعاون مع مختلف الفنانين اليمنيين بل والعرب أيضاً، لما كان يحمله من موهبة وإبداع وتميز.

تعامله مع الفنانين
تعامل الشاعر الديلمي مع العديد من الفنانين اليمنيين العرب، ويعتبر الفنانان الآنسي والسنيدار الجناحين اللذين بهما حلق في سماء الإبداع لأنهما أول من غنيا له، فكان الفنان أحمد السنيدار هو أول من غنى له قصيدة “يا طبيب الهوى”، فأعجب بها واعترف بأن هذه القصيدة تعبِّر عن حالته العاطفية في فترة ما، وتم التعاون بينهما وغنى له أيضاً العديد من القصائد.
أما الفنان علي بن علي الآنسي فكان شديد الإعجاب بالشاعر الديلمي، وقد غنى له أغنية واحدة فقط هي “يا نجوم الليل”، حيث كتب الشاعر الديلمي هذه القصيدة وأعطاها لأخيه كي يعطيها للفنان الآنسي، فلم يصدق الفنان الآنسي أن يكون هو من كتب هذه القصيدة فطلب أن يلقاه وتعرف عليه وانبهر به، واعترف بأن هذه القصيدة معبرة عن مشاعره وأحاسيسه التي كان يعيشها في ذلك الحين.
كما تعامل مع الفنان علي السمة، والفنان أيوب طارش الذي غنى له العديد من الأغاني الوطنية.

بيئة فنية وأدبية
عاش الشاعر عباس الديلمي في بيئة فنية وأدبية منفتحة كان لها أثر كبير عليه وعلى شعره وأعماله، وتحليقه في سماء الإبداع، فالإنسان هو ابن بيئته وقد عاش في بيئة ثقافية وأدبية ووالده هو أيضاً شاعر وله اصدقاء شعراء وأدباء واستفاد من هذه البيئة باقترابه منه ومعايشته وكان لصيقاً به، وكان يحرص دائما على ترك اللعب مع أصحابه ويحضر جلسات أبيه، وكان والده قاضياً شرعياً تنقل في مختلف المناطق اليمنية.
كما تأثر الشاعر بالعديد من المثقفين والتنويريين والسياسيين الكبار أمثال الأستاذ أحمد محمد نعمان وعمر الجاوي وغيرهما، حين كان والده قاضياً شرعياً في منطقة ذبحان وكان الاستاذ النعمان معتكفاً هناك لفترة فكان مع أبيه يحضران مجلس الأستاذ النعمان وقد استفاد الشاعر عباس الديلمي من هذه الجلسات فكانت بالنسبة له أكثر من مدرسة تعلم الكثير منها.
وكان متأثراً بوالده الذي كانت لديه أفكار تنويرية حيث كان يرفض التسلط والاستغلال، ويكره إذلال الآخرين فتأثر بذلك في أعماله، وكان لذلك التأثير أن تشكلت روحه عليه، وتجسد ذلك أكثر بعد تعرفه ومجالسته للأستاذ عمر الجاوي خاصة في ما يتعلق بالجانب الوحدودي، فالتشكل الثقافي يأتي من البيئة ويأتي من المحيط والأسرة إذا كانت ذات اهتمام وتوجه خاص.

التغني بالوحدة
تغنى الشاعر عباس الديلمي بالوحدة في عمر مبكر، أيضاً كتب في العام 1972م قصيدة “موكب التحرير” فكانت أول قصيدة وطنية يلحنها ويؤديها الفنان أيوب طارش، حيث عرف من قبل بالأغاني العاطفية، ومعظم ما كتبه الشاعر الديلمي لأيوب هي قصائد وطنية ما عدا أغنية عاطفية واحدة هي “في مزهريات روحي”، وقد أحس الديلمي أن أيوب هو الأقدر على ترجمة ما يريده في الأناشيد الوطنية هو والفنان سهيل عرفة في سوريا، ولذلك لا تزال هذه الأعمال خالدة وحاضرة في قلوب كل اليمنيين وتعبِّر عن الحب والانتماء إلى هذا الوطن.

اعترافات عاشق
أول ديوان له كان “اعترافات عاشق” ولهذا الديوان قصة أوردها الشاعر في أكثر من مقابلة صحفية، حين كان في المرحلة الثانوية ألقى قصيدة شعرية في أحد الاحتفالات بحضور القاضي عبدالرحمن الإرياني -رئيس المجلس الجمهوري – حينذاك-، الذي أعجب به، واقترح أن يجمع قصائده كي يطبعها في ديوان، فما كان من الشاعر عباس الديلمي إلا أن قام بفرز قصائده، واختار القصائد الغزلية وحصل على أمر من الرئاسة إلى وزارة الإعلام بطباعة الديوان، وكان اسم الديوان “أغاني الشباب” وقبل الطباعة اطلع الشاعر الكبير عبدالله البردوني على الديوان ليكتب مقدمته، فما كان منه إلا أن قال له: هذا العنوان لا يصلح لهذا الديوان الذي يمتلئ بالشعر الغزلي واختار له اسم “اعترافات عاشق”.

التأثر بالشعراء
لقد عمل الشاعر عباس الديلمي بنصيحة والده الذي قال له: لن تكون شاعراً إذا لم تقرأ كتب الأدب العربي وبالذات في العصر العباسي، فتأثر بشعراء العصر العباسي بالذات الشاعر “العباس بن الأحنف” الذي كل شعره في الغزل، وأيضاً الشاعر “ابونواس” في الغزل وفي غيره.
كما تأثر أيضاً بالشعراء محمد عبدالله شرف الدین والقاضي عبدالرحمن الآنسي والقاضي علي العنسي، وكان يقرأ دواوينهم بنهم، فتأثر بهذا الاتجاه الغزلي وبالذات بغزلیات محمد عبدالله شرف الدين، فكان معجباً بالصورة الشعرية عنده، فهي غير موجودة عند أحد من الشعراء، وكذلك تأثر بشعر القاضي الآنسي الذي يحمل الحكمة، أي أنه تأثر بالشعر الحميني، فكتب القصيدة الشعبية والحمينية والفصحى والحديثة.

“الحميني” ديوان اليمن
فكما أن الشعر هو ديوان العرب، فإن الشعر الحميني هو ديوان اليمن كما يراه الشاعر الديلمي، فكل خصوصيات اليمن وتاريخه وثقافته وفنه وزراعته موجودة في الشعر الحميني أكثر من الشعر الفصيح.
ويرى أن التوأمة موجودة بين الشعر الحميني والموشحات الاندلسية، فهو اللون الشعري الذي تمتاز به اليمن، ويدعو عبر كتاباته إلى أن يتم إحياء هذا اللون من الشعر عن طريق تنظيم مهرجان سنوي للشعر الحميني، يتم فيه التعريف به عن طريق الباحثين والدارسين، والتطرق إلى شعراء الشعر الحميني، وإلقاء قصائد متنوعة قديمة وحديثة، وكذلك إجراء مسابقة في كتابة الشعر الحميني وإعطاء جوائز لأفضل ثلاث قصائد، ويكون الهدف من ذلك تشجيع الشعراء الشباب والاتجاه إلى هذا اللون والحفاظ عليه.

أهمية الفلسفة
يعتقد الشاعر الديلمي أن دراسة الفلسفة تفتح مدارك الإنسان وتعلمه التفكير وترتيب الأفكار وعمليات الاستنباط وهو ايضاً العلم الذي يفيد الإنسان في الكتابة، ويفيد لأديب في كتابة الشعر والعمود الصحفي، وعن طريقه يعرف الإنسان قيمته، ولهذا فقد استهوته دراسة الفلسفة منذ دراسته الثانوية العامة وتجلى كل ذلك إلى أن أصدر ديوانه الثالث “قراءات في كهف أفلاطون” وقد استمده من كهف افلاطون المعروف في الفلسفة كون افلاطون قد نبه الناس إلى ألا ينظروا إلى الحقيقة كما هي، وانما ينظرون إلى ظل الحقيقة، فالشاعر أخذ هذه الفكرة، فالكثير من الناس يتوهم أنه يرى الحقيقة وهو لا يرى إلا ظلها.
ومن يتصفح الديوان يجد أنه حمل الكثير من الرسائل واعتمد على القصيدة القصيرة والسريعة التي توصل الفكرة والهدف المراد، وجمع أيضاً ما بين القصيدة العمودية والقصيدة الحديثة.

دور الإذاعة
لقد كان للإذاعة دور في حياة الشاعر عباس الديلمي، فهو يؤكد أن أول مرة سمع فيها رجع صوته كان عبر الإذاعة، وهي محل إبداع وثقافة وظل لصيقاً بها منذ التحاقه بها في العام 1978م، وقدم فيها عصارة أفكاره من برامج اجتماعية وثقافية وسياسية، بداية من برنامج “حديث الناس” الذي استمر عشرين عاماً وهو برنامج يومي أوجد له جمهوراً، وبرنامج “على ضفاف النغم” الذي غاص ورحل فيه الشاعر في احقاب متلاحقة وفي بطون كتب التراث اليمني، وهو برنامج اسبوعي أذيع في 360 حلقة، وكان يتم أخذ قصيدة من قصائد الشعر الحميني ويتم تناولها بالتحليل وبالشرح والنقد أحيانا، وإعطاء شواهد عن انتشار هذه القصيدة الغنائية سواء خارج اليمن أو داخلها ومن تلقفها من الفنانين وتقديم الشواهد على ذلك.
وبرنامج آخر “صورة بالراديو” وهو عبارة حلقات تمثيلية قصيرة وتصل إلى مائة حلقة، كما كتب العديد من الأعمال الإذاعية للأطفال، إضافة إلى برامج أخرى، وقد شارك في عدد من المهرجانات العربية وحصل على العديد من الجوائز.
وظل الديلمي يتدرج في المناصب الإدارية في قطاع الإذاعة حتى أصبح رئيساً لهذا القطاع.

“خيلت براقاً لمع”
من أهم الأعمال التي أنجزها الشاعر عباس الديلمي أوبريت “خيلت براقا لمع” مع الفنان أحمد بن غودل، وترسخت علاقته به بعد العام 1986م حين كتب قصيدة “الجبال الشوامخ” فكانت بداية التعاون بينهما، فشكلا ثنائياً رائعاً بهذين العملين، إضافة إلى “الله حاميها وحارس” وكثير من الأعمال التي قدمها معه.
يقول الديلمي عنه: بن غودل هو الفنان الذي حين كنت اجلس معه، نشعر بما يريد الآخر، وكنت أكتب له على وزن لحن شعبي مغمور، فيسمعني إياه وكأنه لحن جديد، وهذه الموهبة نادراً ما توجد لدى بعض الفنانين، وكان الفنان علي الأنسي أيضاً يتمتع بهذه الموهبة.لقد فازا معاً بجائزتين: الجائزة الذهبية في المسابقة الأغنية العربية، 2008م بقصيدة “المحبة”، وفي 2004م فزنا بقصيدة “أيا بيتنا”.

11 عملاً غنائياً
تجاوز الشاعر عباس الديلمي الفنانين اليمنيين، وأصبحت له علاقات مع الفنانين العرب وكان تعرفه على الفنان السوري سهيل عرفة وبداية تعاونه معه قد مكنه من إنتاج 11 عملاً غنائياً أبرزها “نفديك يا يمن”، “صباح الخير يا وطناً”، “يمن الأمجاد”، “يمن الشموخ”، وغيرها وحصلت هذه الأعمال على جوائز عربية عديدة.
وقصة العلاقة بينهما أن الفنان سهيل عرفة بعد أن تم إنجاز تصوير مسلسل “وضاح اليمن” في اليمن، وكان عضواً في فريق المسلسل، أراد أن يعيد الجميل لليمنيين، فتواصل مع وزير الإعلام –حينذاك- الأستاذ يحيى العرشي وعرض عليه أن يقوم بإنتاج عملي غنائي عن اليمن بالتعاون مع أحد الشعراء اليمنيين، فقام الوزير بعرض الفكرة على الشاعر عباس الديلمي الذي كتب قصيدة “نفديك يا يمن” فلحنها، وقام بأدائها الفنان فتحي يكن..
والقصيدة الأشهر هي قصيدة “صباح الخير يا وطنا”:
صبَاحُ الخَيْرِ يَا وَطنَاً
يَسِيرُ بِمَجْدِهِ العَالِي إلى الأَعلى
ويَا أرْضَاً عَشِقنَا رَمْلَهَا
والسَفْحَ والشُطْآنَ والسَهْلا
صباحُ الخيرِ يا قِمَمَاً
إليكِ الشمسُ تُهدي القُبلةَ الأولَى
وأنتِ الخيرُ يا من
في كتابِ اللهِ ذِكرُكِ آيةً تُتلى
وأنتِ الخيرُ يا بَلدي. يا بلدي
التراث والفلكلور
التراث والفلكلور كانا الأساس في تنمية موهبة الشاعر الديلمي، ومن خلال تجربته يؤكد أن اليمن تعتبر أغنى دولة عربية بفلكلورها الشعبي والغنائي، وإلى الآن اليمن لم تسجل حقوق هذا الموروث لدى المنظمات الدولية المختصة بالملكية الفكرية في باريس، بحيث تتم مقاضاة أي جهة أو شخص يأخذ هذا اللحن أو هذا الفلكلور، وحفظ الحق الأدبي لهذا الفلكلور في اليمن، ولعدم قيام الدولة بذلك نلاحظ أن بعض الخليجيين يمدوا ايديهم إلى هذا الموروث وينسبونه إليهم.

السياسي والثقافي
عباس الديلمي السياسي الذي صهر عدة تجارب واستدعى تجارب تاريخية وعكسها في أعماله الإبداعية، يؤمن باستحالة الفصل بين الثقافة والسياسة، فالمثقف لا يتخلى عن السياسة، والسياسي لا يتخلى عن الثقافة، فالمثقف لا بد أن يكون سياسيا لكي يستوعب ما يدور حوله في الشارع، ويعيد إنتاجه شعراً أو نثراً أو من خلال مقالة، أو بالطريقة التي يراها، ويؤكد أن أبرز وأهم الإنجازات السياسية في العالم هي التي امتزجت بالثقافة.

أيام الوجع
كتب الشاعر الديلمي ديواناً بعنوان (أيام الوجع) خلال الفترة من 2011م إلى 2012، وكان توثيقاً شبه يومي لما كان البلد يمر به من اندفاع فوضوي غير مؤدلج، وما يتعرض له الناس من مضايقات، ومنذ بداية العدوان إلى الآن كتب كذلك ديواناً (جارة السوء)، ولا يزال الشاعر عباس الديلمي يبدع ويكتب راضياُ كل الرضا عما قدمه خلال فترة حياته الإبداعية، ويؤكد أنه لا يستدعي القصيدة وإنما هي من تستدعيه، فعندما يشعر أنها تناديه يترك كل شيء ويتفرغ لها مهما كان الأمر، فهو في انتظار القصيدة تستدعيه في أي وقت.
يرى الشاعر الديلمي أن القصيدة لا تولد في قلب الشاعر وإنما تولد في قلوب الناس وأكواخهم وشوارعهم ثم تتجمع في قلب الشاعر وهو يصيغها ويخرجها بذلك القالب، أما القصيدة التي لا يجمعها الشاعر من هموم الناس وأحاسيسهم ولا تعبِّر إلا عن حالته الذاتية فهي عبارة عن نوع من الاستعراض الكتابي.

* نقلا عن : الثورة نت


في الأربعاء 15 سبتمبر-أيلول 2021 10:29:59 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=4239