|
أبرزها "الزامل" الذي تحول إلى موسوعة ثقافية
الرازحي: تحوَّل الزامل اليوم إلى سِجِلٍّ ملحمي لرصد الانتصارات وتوثيق مراحل التصدي للعدوان السعودي الأمريكي على بلادنا
جحاف:بفضل ثورة 21 سبتمبر أصبحت المظاهر الثقافية والفكرية والأدبية المختلفة التي كانت في طور التلاشي والنسيان حاضرة اليوم بقوة ومنها الزامل
البنوس:أحيت ثورة 21سبتمبر ثقافة المقاومة ومناهضة الظلم والتسلط، ففتح المجال أمام المبدعين لإثراء المكتبة الثقافية بنتاجاتهم الإبداعية في مختلف المجالات
لقد أعادت ثورة الـ21 سبتمبر الاعتبار للهوية اليمنية وترسخت الكثير من المفاهيم (العزة والكرامة والاستقلالية) وأخرجت مكنونات ومظاهر الثقافة اليمنية الأصيلة وتنوعت مظاهر الخطاب الثقافي من خطابة وكتابة ومدونات شعرية واسهامات في الكتابة الصحفية، كما أحيت ثقافة المقاومة ومناهضة الظلم والتسلط والطغيان، وأوجدت البيئة المناسبة لدعم ومساندة وتحفيز المواهب في كافة المجالات.
“الزامل” أحد أهم هذه المظاهر التي انتشرت خلال الأعوام السابقة وبقوة، وهو موروث شعبي وتراثي يمني كاد في فترة من الفترات أن يندثر، لكنه عاد بقوة وبطريقة تجديدية ومميزة، فكان أن جذب الكثير من الشعراء من الجنسين، بل وظهر شعراء مبدعون جدد، وترتب على ذلك ظهور العديد من المنشدين لأداء هذه الزوامل، فكان لهذه المظاهر أهمية في تعزيز الهوية اليمنية الأصيلة، وساهمت أيضاً في رفع الوعي لدى أفراد المجتمع نحو الدفاع عن الأرض والوطن.. وفي الذكرى السابعة لثورة الـ21 من سبتمبر نستطلع آراء عدد من المهتمين بهذه المظاهر وكذلك أهمية الزامل ومدى انتشاره خلال هذه السنوات:
استطلاع/ خليل عمر
ازدهار وتنوع
بداية يقول وكيل وزارة الثقافة لقطاع المخطوطات ودور الكتب حمدي الرازحي: المتابع لواقع الثقافة في اليمن خلال العقود الماضية يدرك أن اليمن كانت تعيش ما يمكن تسميته بالأزمة الثقافية، حيث انحصر دور المثقف اليمني في إعادة انتاج ما يتم تداوله في الأوساط النخبوية المحلية والدولية من باب التحليل والتوظيف الدلالي وقولبة المحتوى المعرفي في قوالب لفظية جديدة شبيهة بما كان المجتمع العربي ينتجه خلال فترة انهيار الدولة العباسية وظهور عصر المماليك.
وفيما يتعلق بالمنتج الثقافي التراثي في اليمن وتحديداً “الزامل والبرعة اليمنية” فإنها كانت تعيش موتاً سريرياً وهي تصارع من أجل البقاء بعد أن تم وأد دور القبيلة اليمنية وعاداتها وتقاليدها الأصيلة وما يتوافق معها من مظاهر احتفالية وطقوس فلكلورية توارثها المجتمع اليمني جيلاً بعد جيل، وفي ظل هذا الواقع المرير للمثقف والثقافة كان فن “الزَّامل” يحتضر ببطء شديد في ظل مزاحمة الأنماط الحداثية للنشيد والموشَّح، وبهذا اقتصر حضور “الزَّامل” على بعض المناسبات في الريف اليمني دون المدينة.
ويضيف الرازحي: وبمجرد بزوغ فجر ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر الخالدة ازدهرت الحركة الأدبية والثقافية في الساحة اليمنية بشكل ملحوظ، وتنوعت مظاهر الخطاب الثقافي من خطابة وكتابة ومدونات شعرية واسهامات في الكتابة الصحفية لتستوعب جميع مفردات الحياة وديناميكية البعد الثوري الشمولي بأبعاده السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، مع مواكبة إعلامية فريدة استطاعت أن تسلط الأضواء على مفردات المنتج الثقافي الشعبي والنخبوي على حدٍّ سواء، الأمر الذي انعكس بشكل إيجابي على واقع الثقافة الشعبية والطقوس الفلكلورية المصاحبة لها، حيث تحول “الزَّامل” اليمني إلى معلقة من معلقات العصر الحديث، وأيقونة يترنم بها الرجل والمرأة والطفل بكل فخر واعتزاز في مختلف المناسبات، وعادت بعودة “الزَّامل” فاعلية التراث الشعبي وحضور القبيلة اليمنية بعاداتها وتقاليدها الأصيلة وطقوسها الاحتفالية الفريدة، فتراقصت الأرجل على إيقاعات طبول “البرعة اليمنية”، وتنافست القبائل على تطوير وتحديث “فن البرع” الخاص بكل قبيلة بما يتناسب مع طبيعة المرحلة وضروراتها بعد أن كانت مهددة بالانقراض.
واستطرد قائلاً: وإذا كان “الزَّامل” اليمني قديماً عنوان القبيلة وقاموس مفردات أسلافها وأعرافها المتوارثة، فإنه اليوم قد تحول إلى سِجِلٍّ ملحمي لرصد وتوثيق انتصارات مرحلة ما بعد ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر ومراحل التصدي للعدوان السعودي الأمريكي الغاشم على اليمن، ومن أراد أن يطَّلِع على منجزات ثورة الحادي والعشرين وملاحم الصمود اليمني الذي أذهل العالم أجمع على امتداد سبع سنوات فما عليه سوى أن يتأمل مفردات “الزَّامل” اليمني على امتداد تلك الفترة من تاريخ اليمن المعاصر.
وإذا كانت قبائل العرب منذ بواكير نشأتها تحتفل بوجود شاعر في القبيلة يذود عنها ويشدو بمحاسنها ويشيد بأيامها وبطولاتها، فإن لكل قبيلة يمنية اليوم أن تفتخر بمولد ألف شاعر وشاعرة على أرضها يشيد بأمجادها على امتداد تاريخها منذ فجر الإسلام وحتى اليوم، إلى جانب الإشادة بدور القبيلة اليمنية في صناعة تاريخ اليمن الجديد المفعم بروح البطولة والتحدي والصمود.
لقد تحول “الزَّامل” اليمني إلى موسوعة ثقافية يتعلم منها كل مواطن يمني مهما كان مستوى ثقافته وتعليمه عادات القبائل وأسماءها وأسماء جبالها وسهولها ووديانها وعاداتها وتقاليدها وأعرافها وأسلافها، فلكل مفردة من المفردات السابقة بصمتها في صناعة الأحداث، ودورها في نسج خيوط راية الحرية والانتصار.
وأكد وكيل وزارة الثقافة لقطاع المخطوطات ودور الكتب أن ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر الخالدة لم تكن مجرد ثورة شعبية ذات أبعاد سياسية وحسب، ولكنها كانت ثورة شمولية استطاعت أن تحقق حضورها الفاعل في مختلف المجالات، والتي كان من أبرزها المجال الثقافي، حيث برزت أسماء جديدة لم نكن نعرفها أو نسمع عنها من أصحاب الأقلام الرائدة والمتميزة، فظهرت العديد من الكتابات النخبوية القادرة على قراءة الحدث الثوري بأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتحليله والتنبؤ بما سيترتب عليه في قراءة استشرافية فريدة كان لها الأثر الكبير في ترشيد العديد من مسارات الحراك الثوري والتصحيحي لواقع اليمن اليوم.
وليس هذا وحسب، فقد تحول الخطاب الإعلامي إلى صوت للشعب يصدح بهمومهم ويسهم في تنمية وعيهم الثوري المناهض لمظاهر التسلُّط والظلم والتهميش والتبعيَّة، بعد أن كان مجرد بوق يترنم بمحامد النظام الحاكم ومنجزاته التي لا وجود لها سوى على صفحات الجرائد ومنابر الإعلام المسموع والمرئي لا غير.
وفي مجال الإبداع الثقافي يقول الرازحي: تصدَّرت الكتابة النسوية وإسهامات المرأة الإبداعية المتميزة المشهد الثقافي اليمني في مختلف مجالات النثر والشعر، وأصبحت الأقلام الناعمة ذات صولة وجولة في ميادين الفكر والثقافة والابداع، فالمرأة قاصَّة ومحللة سياسية واقتصادية واجتماعية، وشاعرة لا يُشَقّ لها غبار، ورسَّامة تنسج الأحداث والوقائع بريشتها الذهبية وألوانها الزاهية رسوماً تكاد أن تنطق بالحقيقة وتفصح بمكنونات النفوس وهمسات الأفكار.
كما عاد الزخم الإعلامي لمفردات الاحتفالات والمراسيم التي تدشنها القبيلة إما احتفالاً بشهيد سطّر بدمائه الطاهرة أروع الملاحم، أو إبرازاً لمظاهر قوة القبيلة وحميّتها وهي تقوم بتسيير القوافل إلى الجبهات على ايقاعات “الزامل والبرعة اليمنية” المشهورة، أو إعلان النفير العام للقبائل اليمنية في ظل تلاحمها الأصيل وهي تعلن البراءة من كل عميل وخائن، وترفع السلاح عالياً في إشارة ضمنية لبدء مرحلة التصدي لمن أراد أن يدنس الأرض والعرض اليمني بغزوه واحتلاله.
ويبين أن هذه المظاهر هي منجزات ثورة الشعب كما أرادها الشعب، وليست منجزات ثورة صُمِّمت خصيصاً لتلبية نزوات أصحاب الهيمنة والنفوذ، وهكذا ستظل ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر الخالدة ثورة شعب أراد الحياة الكريمة والعزة والحرية والاستقلال، وسعى لها سعيها فأثمرت جهوده عزة وكرامة وحرية واستقلال وابداع متميز ووعي فريد بمجريات الأحداث وتبعاتها، إنها ثورة الكلمة والموقف التي لطالما انتظرها الجميع بفارغ الصبر فكانت وكان معها وجود تاريخ يمني جديد بنكهة العزة والانتصار.
الزامل.. خصوصية وتفرُّد
من جهته يقول الباحث والأديب يحيى جحاف: لقد صنعت ثورة الـ٢١ من سبتمبر تحول بإعادة الاعتبار للهوية اليمنية التي عمل أعداء اليمن على مسحها من الذاكرة الجمعية للإنسان اليمني لاعتبارات كثيرة قائمة على التهجين والتغريب لفقدانهم مثل هكذا مخزون، فالصحارى لا تملك إلا السراب البعيد عن طريق السلامة ، أما المظاهر الثقافية والفكرية والأدبية المختلفة التي كانت في طور التلاشي والنسيان فإنها عادت بقوة وأصبحت حاضرة اليوم بقوة وقد تمثلت في الزامل الذي يحمل في مضامينه قضايا كبيرة منها حاجه الفرد والمجتمع ككل والزامل قديم جدا من عهد الحميريين، فقد كان ملوك حمير يركبون فوق عربات تجرها الخيول و”يرجزو” من الشعر ما يشبه الزامل اليوم، لذلك نستطيع القول إن الموضوع قديم توارثه اليمنيون من جيل إلى آخر ومرتبط بحياة اليمنيين وتراثهم المتوارث، لهذا نجد أن مثل هذه الحالات المتوارثة تتجدد وتتطور وهذه خصوصية وتفرد لا نجدها في أي شعب آخر، لذلك ظلت الكثير من المظاهر الثقافية مرتبطة بحياة اليمنيين على مر العصور تختفي نتيجة اهمالها وتعود بقوة عندما تجد الاهتمام والعناية مثلها مثل الموشح الصنعاني الذي كاد على مدى فترة كبيرة أن يختفي من المناسبات وعاد فجأة بقوة هذه المظاهر الثقافية مرتبطة بالحالة الاجتماعية وحاجة الناس إليها والاستماع لها كونها مرتبطة بالأرض والانسان في السهل والنوادي والجبل.
ويؤكد جحاف أن هذه المظاهر مجتمعة حققت قفزة نوعية في كل أنحاء اليمن فكان لها الدور الأبرز في التطوير والتجديد ونتج عنه حراك ثقافي في الريف والمدينة فالشعر أيضا أخذ مكانته وظهر شعراء كان لهم دور كبير في الحفاظ على المظاهر الثقافية وارتباط غالبية الشعر بالحالة التي يعيشها البلاد والطغيان الذي حل باليمن من قبل دول العدوان مجسدين ذلك في شعرهم المتجدد.
الزامل سلاح فتاك
فيما يوضح الكاتب والصحافي عبدالفتاح البنوس أن ثورة 21سبتمبر نجحت في إعادة الاعتبار للهوية الثقافية اليمنية وإخراج مكنونات ومظاهر الثقافة اليمنية الأصيلة والتي تعكس الإرث والموروث الثقافي بخصوصيته اليمنية المتفردة على سائر الثقافات، ولعل من أهم وأبرز هذه المظاهر تفعيل الزامل اليمني وإخراجه في قالب جديد مطور، وهو ما أسهم في انتشاره السريع، حيث تحول إلى ثقافة مجتمعية ينهل من نبعها الجميع، علاوة على تحوله إلى سلاح فتاك ومرعب للأعداء وعامل مؤثر في تدمير وضرب نفسياتهم، وقد شهد الزامل اليمني نقلة نوعية أخرجته من حالة التقوقع المحلية إلى العالمية التي منحته قاعدة جماهيرية واسعة خارج اليمن وصار له الكثير من المعجبين والمتابعين، وبات الزامل اليمني يتشارك مع بندقية المقاتل اليمني في بث الرعب في نفوس الأعداء وإلحاق الهزيمة النفسية بهم.
ومن المظاهر التي أفرزتها ثورة 21سبتمبر إحياء ثقافة المقاومة ومناهضة الظلم والتسلط وهو ما فتح المجال أمام المبدعين لإثراء المكتبة الثقافية بنتاجاتهم الإبداعية في مختلف مجالات الإبداع الثقافي حيث شاهدنا التطور الملحوظ في مجال العمل الدرامي من حيث جودة الإنتاج وفاعلية المضمون وقوة التأثير وأهمية الرسائل التي تحملها الأعمال الدرامية المواكبة لمسار الأحداث ومستجداتها الميدانية وتداعياتها على مختلف المجالات في ظل العدوان والحصار، علاوة على اسهامها في اكتشاف مواهب جديدة تمتلك القدرة على توظيف الدراما في ترسيخ الهوية الثقافية اليمنية وتعزيز عوامل الصمود والثبات والمواجهة والتحدي.
كما فتحت ثورة 21سبتمبر آفاقاً واسعة ورحبة أمام المبدعين والموهوبين في مختلف المجالات الإبداعية الثقافية، ولمسنا خلال السنوات الماضية بروز الكثير منهم في مختلف المجالات وفي مقدمتها الشعر، حيث أضحى الشعر والشعراء جبهة مؤثرة ترفد وتساند الجبهة العسكرية بشكل ملفت، بالإضافة إلى بقية المجالات الإبداعية..
وعن دور الزامل في الحفاظ على الهوية الثقافية اليمنية يؤكد البنوس أن الزامل اليمني قد عمل على تحرير المشهد الثقافي اليمني من هيمنة الثقافات المستوردة والمظاهر المصاحبة لها والتي أثرت سلبا على الخصوصية والطابع والنكهة المتفردة التي يتميز بها التراث الثقافي اليمني.
ويتابع القول: لقد شكل الزامل اليمني نقطة التحول في هذا الجانب بعد أن تحول إلى ثقافة وسلوك ومنهج، يوجه رسائل، يحل مشاكل، يعالج قضايا، يرسخ مفاهيم وقيم، وينسف ويعري أخرى، انتصر للأرض والإنسان والسيادة والشرف والكرامة، واستطاع أن يعيد للهوية الثقافية اليمنية بريقها وألقها المتوهج جمالا وإبداعا.
ويؤكد أن الزامل قد استهوى الجميع وجذب نحوه الكبار والصغار، ربطهم بالأرض اليمنية، وزرع في داخلهم روح البذل والجود والعطاء والتضحية والفداء في سبيل الله من أجل الدفاع عن البلاد والذود عن حماها وحماية مكتسباتها وثرواتها ومقدراتها.
* نقلا عن : الثورةنت
في الأربعاء 15 سبتمبر-أيلول 2021 10:34:05 م