صنعاء في أبهى زينتها
رشيد الحداد
رشيد الحداد
خلال الأيام الأولى لهذا العدوان الأرعن تأخرت في منطقة الحصبة حتى العاشرة مساءً. لم تكن حينها الكثير من السيارات تجول الشوارع، بسبب انعدام المشتقات النفطية، باستثناء بعض الدراجات النارية، التي تجوب شوارع مفجوعة تخلو من المارة. وباعتباري ابن منطقة ريفية فإن سواد الليل الحالك أمر مألوف لدي، فقد عشت سنوات وأنا استضيء بفانوس يعمل بمادة القاز، وحتى عندما كنت أدرس بالثانوية كنت أقطع ساعة فجر كل يوم قبل أن يتبين الخيط الأبيض من الأسود سيراً على الأقدام لكي أصل إلى مدرستي قبل أن تبدأ الحصة الأولى.
أتذكر ليلتها أني استقللت دراجة نارية، بينما كان طيران العدوان يحلق في أجواء هذه المدينة العتيقة، وتتناوب أسراب الطائرات المعادية، فما إن يغادر سرب بعد أن يفرغ حمولته من الصواريخ المدمرة، يصل آخر ليشن هجمات مسعورة. كنت نوعاً ما مرعوباً من الراجع أكثر من الغارات الإجرامية، فـ"للراجع قصة مرعبة" الله لا أعاد الراجع.
المهم، قطعت الدراجة النارية التي استقللتها عدداً من الشوارع ابتداء من شارع التلفزيون ثم شارع مازدا وشارع القاهرة وجولة مذبح حتى القرب من شملان. شعرت بحالة رعب وأنا أشاهد شوارع في العاصمة كانت الحركة تدب فيها حتى الصباح دون توقف، أضحت مهجورة حتى من الكلاب التي كانت حينها قلة قبل أن تتكاثر وأصبحت أعدادها اليوم تنافس أعداد سكان صنعاء. حينها كان الخوف والموت يتربصان بسكان المدينة وزائريها جميعاً بفعل القصف الهمجي لطيران العدوان. وكان الظلام دامساً ومخيفاً يخيم على كل شوارع العاصمة وأحيائها السكنية.
اليوم أشاهد مدينة المدائن صنعاء آمنة ومتوهجة جميلة متلألئة تزينها الأنوار من كل حدب وصوب ابتهاجاً بمولد رسول الله، شوارعها النظيفة مكتظة بالسيارات، الحركة التجارية في أسواقها تعيش أجواء عيدية رغم الركود الاقتصادي، فنادقها ومنتدياتها وبساتينها ومتنفساتها وساحاتها استقبلت الكثير من المواطنين من داخل صنعاء وخارجها، مساجدها ومدارسها وجامعاتها والمباني الحكومية منورة...
عدت ليلة أمس الأول الأحد من رأس منطقة عصر، وكنت أود أن أبقى أستمتع بمشاهد حية لصنعة الله صنعاء التي ترتدي أبهى وأزهى الحلل ابتهاجاً بمولد خاتم الأنبياء والمرسلين وخير خلق الله. ولولا أن البرد داهمني لبقيت حتى الصباح، كما هو حال المئات من سكان هذه المدينة العتيقة، الذين ظلوا صامدين تحت ضربات البرد في كافة مرتفعات صنعاء وفي شوارعها وميادينها، يعيشون أجواء محمدية رغم البرد ولسعاته، فجمال صنعاء في هذه الليالي بجمال النبي. أتمنى أن تتوشح هذه المدينة الضاربة جذورها في عمق التأريخ بالسلام عما قريب!
* نقلا عن : لا ميديا

في الأربعاء 20 أكتوبر-تشرين الأول 2021 07:12:19 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=4395