|
اتضح بعد أعوام سبعة من العدوان لمن كان يخامره الشك وتداخل نفسه الريبة أن اليمن ماتزال هي اليمن، فاليمن في ذاكرة التاريخ التي كانت تأبى الضيم وتأبى أن تأكل بثدييها – كما كان عرب الصحراء من عرب بادية نجد يفعلون – في غابر الأيام وسوالف الدهر, وأن البلد التي تحدث عنها الرومان في قديم الزمان وسالف الأوان وعجزوا عن غزوها في زمن دقيانوس- الذي ما يزال مرتبطا في الذاكرة الشعبية منذ زمنه إلى اليوم كرمز للاستحالة- ماتزال هي كما كانت عليه لم يتغير فيها شيء بل أصبحت أكثر قوة وبأسا من ذي قبل .
لقد تأكد اليوم لعرب نجد والصحراء أن مقبرة الأناضول ومقبرة الغزاة ماتزال مقبرة لكليهما، فقد ولت تركيا مع أتباعها الذين كانوا مطايا لها بعد فبراير 2012م، فنشط مراد علمدار في صنعاء وما جاورها وشكل مسدس كاتم الصوت وصفقات السلاح في زمن سلطة المبادرة حراكا سياسيا وعسكريا نشطا ذهب الكثير ضحايا له، لكنه باء بالفشل والخسران المبين، ثم جاء عرب الصحراء بعدهم عام 2015م وتحالفوا مع كبريات الدول في العالم وخاضوا حربا ضروسا، واستخدموا كل أنواع الأسلحة وكل التقنيات الحديثة، وظنوا أن الحرب في اليمن ليست أكثر من نزهة في البر، ولكن كانت النتائج صادمة لهم وقاهرة، وها هم يجرون أذيال الخيبة والخسران، وها نحن نسمع عويلهم في كل مكان .
ضجت السعودية ومن شايعها بسبب كلمات صدرت من جورج قرداحي الإعلامي المعروف، حين قال لهم فشلتم في اليمن، عودوا، فالحرب بعد كل هذا الزمن أصبحت حربا عبثية، لقد خسرتم، وفقدتم مكانتكم وسمعتكم، فصدرت البيانات المنددة بالرأي تطالب لبنان وحكومته بالاعتذار عن رأي قاله شخص حر معبرا عن وجهة نظره قبل أن يصبح وزيرا، وقد هربوا إلى جورج قرداحي هروب من يدس رأسه في التراب ويترك باقي جسده مهددا بالخطر المحدق من حوله .
اليمن اليوم قالت للعالم إن تاريخها لم يكن تاريخا مزيفا، ولا مضللا، ولم يكذب فقد صدق التنجيم والكتب، ولذلك أصبح من المعيب الاستمرار في الحرب، ومن المعيب السكوت على إهدار مقدرات الأمة في حرب لا تخدم إلا عدو الأمة، وعدو الأمة هو من زرع أسرة آل سعود في قلب الأمة حتى ينال من الأمة ويتحكم في مقاليدها وفي مصائرها، وقد آن للأمة أن تصحو من سباتها بعدما تدنست مقدساتها بزيارات لأفواج من سياح إسرائيليين إلى المدينة المنورة وقد طردهم رسول الإسلام منها قبل أربعة عشر قرنا من الزمان، كما أن ما يحدث من هيئة الترفيه في جدة والرياض انحلال أخلاقي وتفسخ قيمي، واستهداف للدين في عمقه، فالأثر المترتب على حفلات ومهرجانات الرياض وجدة سيمتد أثره إلى بقاع شتى من ديار المسلمين، ولذلك فأسرة آل سعود التي جاء بها المستعمر البريطاني إلى الحكم، تشكل خطرا محدقا ولا بد للمسلمين أن يعوا هذا الخطر قبل أن يتسع خرقه ويتعذر الرتق والرقع على الأمة وقد تصبح لقمة سائغة لفم المستعمر ولليهود .
في جدة أضحت المرأة حرة في اختيار من تحب أن ترقص معه، وهي حرة في لبس ما تريد، وليست مطالبة بالاحتشام، ومثل هذا الاستهداف لا يعني انفتاحا بل يعني الهدم للبنية الأخلاقية، وتيها وضياعا لن يجعلنا في مربعات الأمان، وحين تصاب الأمة بالتيه قد تغرق غرقا لا نحمد عقباه، ولذلك فقد أضحى من الواجب الوقوف أمام هذه الحماقات قبل أن نقيم على الإسلام وأمته مأتما وعويلا .
ليست جدة وحدها من تعمل على الهدم القيمي والأخلاقي بل تصاحبها دبي منذ زمن، فقد أصبحت بؤرة للفساد العالمي، وأضحت مكانا للموبقات كلها، ومن تابع مهرجان الجونة السينمائي بمصر يدرك أن الأمة مهددة بخطر محدق ومدروس يستهدفها في دينها وثقافتها وفنونها وأخلاقها استهدافا مدروسا بعناية، فالتضافر في التأثير وفي الأثر لم يكن بمحض الصدفة بل وفق استراتيجيات تعرف من أين تبدأ ؟ وماذا تريد ؟ .
لا يظن ظان أن حركة الموت التي تقوم بها أذرع الاستخبارات في الوطن العربي “القاعدة وداعش ” تنفصل عن الحركة المماثلة لها في هدم المثاليات وهدم الرموز وفي حركة الانحلال الأخلاقي وشيوع الفساد بل كل ذلك يصب في بوتقة استراتيجية واحدة وهي فكرة التعجيل بخروج المخلص الذي سيحكم العالم ويخلص الناس من الشرور، ومعتقدهم لا يخرج إلا إذا شاع الفساد وفسدت أحوال الناس وكثر القتل وساد الخوف والهلع، وهو الأمر الذي يحاولون صناعته في واقع حال أمة العرب تسريعا بخروج مخلصهم.
ولذلك ما قام به طيران العدوان على مدى سبعة أعوام مضت كان يهدف لتلك الغايات القتل لمجرد القتل، استهدف الأسواق والصالات والمصانع والمدارس واستهدف الحجر والشجر والبشر في كل بقعة من بقاع اليمن، وظل اليمن وأهل اليمن يقاومون حركته التدميرية ويسطرون الملاحم الأسطورية في جبين الدهر حتى لان الدهر لهم واعترف لهم بما كان عليه تاريخهم من القوة والعزة والبأس الشديد .
لا أرى غير اليمن اليوم من يقاوم مشروع التدمير للأمة، وهي تقف وحدها، لكن الحق يبدأ صغيرا ثم ينتهي بزئير ملئه نقم، هذا الاضطراد والاستمرار واجتراح البطولات وذلك الانكسار في صفوف أهل الباطل يشير إلى الفئة التي هي على حق وتسطر الملاحم وتنتصر، والى الفئة التي تكالب العالم معها حتى تنتصر فلم يكن زخرف الباطل بقادر على الوقوف أمام بأس الحق.. ولله عاقبة الأمور .
في الجمعة 29 أكتوبر-تشرين الأول 2021 07:25:16 م