|
لن أجد أحداً أكثر أنانيةً وانتهازيةً من أولئك الذين يجيدون التسويق لأنفسهم، فيحظون بالقبول عند الناس الذين يقبلون على كل ما يطرحه هؤلاء المزيفون دون أدنى ترددٍ أو إحجام، لا لشيء إلا لأنهم استطاعوا الحصول على ثقة الجمهور نتيجة الحملة الدعائية التي عملت على الترويج لهم ومكنتهم من حيازة الصدارة المطلقة في الواقع كله، شأنهم شأن الكثير من السلع التي مكنتها الدعاية الإعلامية من غزو جميع البيوت مع أنها تحمل في طياتها الموت والهلاك المحتوم لجميع من يسعون لاقتنائها ويبذلون كل ما بوسعهم للحصول عليها ظناً منهم أن كل ما قيل عن تلك السلع في مضمار الدعاية والإعلام صحيحٌ لا شك فيه.
إنها كارثة العصر وطامّته الكبرى التي باتت تجتاح الواقع كله، ولاسيما واقع الفكر والثقافة والكلمة، فما أكثر العابرين اليوم على جسور الأفكار إلى ضفاف مطامعهم الشخصية على حساب تراجع الوعي بالقضية وانكفاء الدور الرسالي للكلمة بمختلف سبل عرضها وبشتى وسائل تقديمها وإيصالها إلى الجمهور، لأنك ستجد نفسك أمام مجموعة من الممثلين في غالبية ما تسمع وتقرأ وتشاهد، وما إن تتاح لك فرصة التعرف على هؤلاء الذين حظوا باحترام الناس ومحبتهم حتى تفاجأ بالحقيقة المرة، إذ لم يكونوا يوماً بحجم ما قالوه، ولم يكونوا مطلقاً على قناعةٍ بكل ما يطرحونه للناس، لكونهم جاؤوا من خارج دائرة المعتصمين بحبل الله الذين يلتزمون بالوحي كنظام فكري ويتابعون خطوات القيادة الربانية التي تقدم لهم الأسلوب العملي لما اشتمله الكتاب الكريم من مفاهيم وتوجيهات وخطط وبرامج عملية في مختلف المجالات، وإنما جاءت بهم الصدفة وصعدوا على أكتاف الصادقين في لحظة غفلة، فكانوا الصادرين بغير نهج باسم النهج وكانوا المعبرين عن الثورة وليسوا بالثوار.
مع ذلك سيبقى هؤلاء المزيفون في مواقعهم، لأن الموسومين بالفشل والمعروفين بالعجز بأمس الحاجة إليهم، فبفضلهم يصبح الفشل نجاحاً والعجز حنكة واقتداراً، وهم أيضاً على درجة عالية من الخواء الفكري والعجز عن قراءة الواقع والأحداث بالمستوى الذي يجعلهم لا يصطدمون بأحد ولا يثيرون انزعاج أحدٍ أو سخطه تجاههم، ولكن يكفي أن نعرفهم لكي نعمل على وقاية أنفسنا من سمومهم ونحاول تحذير من حولنا من الوقوع في حبائلهم، ولعمري ليس ذلك أبداً بالسهل اليسير، فالدرب إلى مثل هكذا توجه شائكٌ وطويل.
* نقلا عن : لا ميديا
في الجمعة 10 ديسمبر-كانون الأول 2021 09:47:01 م