قصف مطار صنعاء: الرد المفصلي قادم
شارل أبي نادر
شارل أبي نادر

لم يأت قصف العدوان السعودي لمطار صنعاء، مؤخرًا، خارج سياق مسلسل الاعتداءات الاجرامية المتواصلة على اليمن وشعبه وعلى كافة منشآته، والتي طبعت مسار هذه الحرب طيلة السنوات السبع الماضية ونيف، فهو اعتداء (تقليدي)، أصبح عاديًا وروتينيًا من ضمن هذه الاعتداءات، وقصف مطار صنعاء ليس هو أول اعتداء مخالف للقوانين الدولية ولقانوني الحرب والدولي الانساني، فهذه القوانين في اليمن أصبحت منسيّة أو بالأحرى غير موجودة في قاموس المجتمع الدولي، حيث الأخير أيضًا تعود عليها في اليمن. وربما يتعجب مسؤولو الأمم المتحدة ومؤسساتها المعنية اذا مر يوم واحد على اليمن من دون اعتداء سعودي، يخالف هذه القوانين الأممية، والتي من المفترض أن تكون هذه المؤسسات مؤتمنة على احترامها والالتزام بها.

الجديد في الموضوع والذي يمكن التوقف عنده، هو أن قصف مطار صنعاء وإخراجه عمدًا من الخدمة الجوية، أخرج فعاليات منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المرتبطة بها، من نطاق العمل الانساني لناحية الحاجات الطبية أو الإغاثية الأكثر إلحاحًا، والتي كانت تؤمن ولو بشكل جزئي الحد الأدنى من هذه الحاجات الضرورية، فلماذا تم استهداف الدور الأخير والوحيد الذي كانت تلعبه الأمم المتحدة في اليمن؟ ولماذا سارعت السعودية الى إخراج المطار من الخدمة في هذا الوقت بالذات؟

ربما أشار مستشار المجلس السياسي الأعلى في اليمن الشيخ محمد مفتاح، الى بعض هذه الأسباب التي دفعت بالسعودية الى تدمير مطار صنعاء، بعد أن اعتبر أن "النظام السعودي يتوج جرائمه البشعة وحربه الشاملة بجريمة إخراج مطار صنعاء من الجاهزية، وأن تهديد العدوان للمنظمات الإنسانية من التواجد في المطار هو بغرض تضييق الحصار على شعبنا"، مضيفًا إن "استهداف المطار يأتي لتضييق كل وسائل الأمل لدى المرضى والجرحى من اليمنيين لتلقي العلاج في الخارج"، لافتًا الى أن "النظام السعودي بهذه الجريمة يتحدى كل الأعراف والقوانين الدولية ويعلن وفاة ما يسمى بالقانون الدولي والأمم المتحدة". ولكن تبقى هناك أسباب أخرى، يمكن وضعها ضمن العناوين التالية:

 في الواقع، لا يوجد أية صدقية أو صحة للسبب الذي وضعته السعودية لتبرير استهداف مطار صنعاء، حين اعتبرت أن أنصار الله يستعملونه لنشر وتجهيز قواعد لاطلاق الصورايخ الباليستية والطائرات المسيّرة نحو العمق السعودي، فمن الناحية العسكرية والجغرافية، مطار صنعاء يبعد عن الحدود السعودية حوالي 450 كلم، ومن غير المنطقي أن تخسر وحدات الجيش واللجان الشعبية 450 كم لتقصف صواريخ وطائرات مسيرة باتجاه العمق السعودي، وبإمكانها أن تستخدم هذه الصواريخ وغيرها من مناطق حدودية في مناطق صعدة أو في مناطق أخرى من شمال غرب الجوف، وأساسًا، جاءت القيمة العسكرية لفعالية مناورة الاستهداف الاستراتيجي لوحدات الجيش واللجان الشعبية و"أنصار الله" للعمق السعودي، من أنها تُنَفَّذ انطلاقًا من قواعد عسكرية منتشرة في مناطق بعيدة شمالًا، مخبأة في مغاور وهي متحركة غير ثابتة، وتتمتع هذه القواعد بميزة المرونة، حيث تفشل أحدث القاذفات والمسيرات الغربية التي تستعملها الوحدات الجوية للتحالف في كشفها وملاحقتها واستهدافها.

من هنا، لا يركن هذا التبرير الى أي منطق عسكري أو إلى أي منطق علمي، مثله مثل كل التبريرات التي طالما ساقتها السعودية في اعتداءاتها على اليمن، انما حقيقة الموضوع هي أن الأمر مرتبط بالضغط الميداني، وبمحاولة خلق نقطة ضغط على الجيش واللجان اليمنية، بحيث اعتبر العدوان (مخطئًا طبعًا)، انها قد تؤثر في تخفيف اندفاعة الهجوم على مأرب، خاصة أن فقد العدوان ومرتزقته أية وسيلة لتخفيف هذه الاندفاعة، والتي هي عمليًا ربما أصبحت قاب قوسين من نهايتها، حيث لا تعطي قيادة عمليات الجيش واللجان أية معطيات دقيقة حول التطورات الميدانية الّا بعد اكتمالها، واستهداف مطار صنعاء بهذه الوحشية، في محاولة لافقاد حكومة صنعاء المعبر الانساني الأخير، قد يكون مؤشرًا دقيقًا على قرب اكتمال هذه الاندفاعة نحو مأرب.

ما يمكن ربطه أيضًا مع قصف المطار بهدف الضغط لتخفيف الاندفاعة نحو مأرب، يتعلق بمحاولة ديبلوماسية دولية، طُرح خلالها مؤخرًا اقتراح لوقف اطلاق النار في مأرب، عبر بيان صدر عن الولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة والسعودية، وكأن الأطراف المذكورة هي أطراف محايدة وغير منخرطة في العدوان على اليمن، وتطرح مبادرة سلمية بكل "روح انسانية"، في الوقت الذي تشكل فيه هذه الاطراف مثلث العدوان على اليمن بامتياز، بين المنفذ وهو التحالف السعودي، والداعم بالأسلحة والقدرات والتجهيزات، وهو الطرف الأميركي، والأمم المتحدة الساكت الأكبر عن العدوان والمتواطىء معه.

انطلاقًا من هذه المعطيات، وخاصة الميدانية حول الإحراج الذي تسببه معركة مأرب للتحالف ولداعميه، أصبح واضحًا أن الجيش واللجان الشعبية و"أنصار الله"، لن يتأثروا بتاتًا بأي اعتداء وحشي، مثل عملية تدمير مطار صنعاء أو غيرها، بغية تخفيف ضغوطهم في الميدان بشكل عام أو في معركة تحرير مأرب بشكل خاص، وكما عودونا في معركة الدفاع والصمود ضد العدوان منذ بداياته، بأن كل المحاولات الخسيسية من العدوان، في استهداف المنشآت والأعيان المدنية اليمنية، وكل عمليات تشديد الحصار، كانوا دائمًا يواجهونها باصرار أكبر وبعزيمة أوسع في الميدان، وكانت دائمًا تأتي نتائجها تقدمًا وانتصارات وتحريرا، ومن غير المستبعد القول: "كما بدأ العدوان عام 2015 على اليمن - والذي اسماه الاخير "عاصفة الحزم" - باستهداف المطارات اليمنية وبإخراجها من الخدمة، قد يشكّل الرد اليمني المرتقب على استهداف وتدمير مطار صنعاء اليوم، تداعيات وأحداثا غير محسوبة من السعودية، لا في المكان ولا في التوقيت ولا في مستوى القوة والتأثير، وقد تكون نقطة مفصلية نحو فرض نهاية الحرب على اليمن".

 

* نقلا عن :موقع العهد الإخباري


في الخميس 23 ديسمبر-كانون الأول 2021 06:42:02 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=4665