|
كما لو أنَّ الحرب في بداياتها، كثّـف تحالف العدوان الأمريكيّ السعوديّ غاراته الجوية، وبشكل هستيريّ، على الأحياء السكنية والأعيان المدنية في العاصمة صنعاء، من مطار صنعاء الدولي المدني إلى جسر السبعين وما حوله من المستشفيات وسجن الأسرى، وُصُـولاً إلى شارع الزبيري، الأكثر اكتظاظاً بالمدنيين والمنشآت المدنيّة، والحيّ الليبي في مديريّة معين.
وقد انتهج هذه المرة أُسلُـوب العدوّ الإسرائيلي، من خلال إعلانه المسبق عن الهدف وتحذيراته ومزاعمه بأنَّ هذه الأعيان المدنية تستخدم لـ”أغراض عسكرية” أَو “تخزن فيها أسلحة عسكرية”، وتوّج تصعيده بجريمة مروعة بحق أسرة فقيرة في المحويت، متسبّباً باستشهاد وإصابة 10 أشخاص من أسرة واحدة، الأمر الَّذي وضع التحالف موضع تندّر كثير من الناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي، الذين نشروا صور الأطفال بوصفها مخازن السلاح المزعومة سعوديّاً وأمريكياً!
وفي ظلِّ موجة التَّصعيد الأخيرة، هناك من يطرح بقوة فرضيّة لجوء النظام السعوديّ مؤخّراً إلى استئجار خبراء عسكريين إسرائيليين لإدارة غرف عملياته في المملكة ضدّ اليمن واليمنيين. وما يدفع إلى طرح هذه الفرضيّة هو أنَّ النظام السعوديّ عمد مؤخّراً، وبشكل غير مسبوق منذ 7 سنوات، إلى بعث “رسائل تحذيريّة” وبثّ “دعايات مضلّلة”، لاستهداف الأحياء السكنيّة والأعيان المدنيّة في العاصمة صنعاء، تماماً كما كان العدوّ الإسرائيليّ يعمل في حروبه العدوانية ضد لبنان وغزة.
وبعيدًا عن الفرضيات، أعلنت صنعاء سابقًا امتلاكها معلومات تؤكّـد شراكة العدوّ الإسرائيلي مباشرة في العدوان على اليمن، وتحدَّث الإسرائيليون صراحةً عن أنَّ مصلحتهم تكمن في انتصار “التحالف العربي”، وأنَّ فشله يعني خسارتهم، وتحدّثوا عن مصالح مشتركة ومخاوف مشتركة.
وفي كُـلّ الأحوال، إنَّ موجة التصعيد الأخيرة تعبّر عن حالة الإحباط والتخبّط واليأس التي وصل إليها تحالف العدوان، مدفوعاً بفشله الميداني في مأرب وغيرها من الجبهات، وفشل خياراته العسكرية وغير العسكرية في الضّغط على صنعاء للجلوس إلى طاولة المفاوضات تحت السقوف السياسية المطروحة أمريكياً وسعوديّاً، ما لم يبادر أولاً إلى رفع الحصار ووقف العدوان وسحب القوات الأجنبيّة.
بموازاة التّصعيد العسكريّ لتحالف العدوان، مارست الأمم المتحدة، وبضوء أخضر من واشنطن، عدداً من الضغوط على صنعاء من بوابة الملف الإنساني. تمثّلت هذه الضغوط بإعلان برنامج الغذاء العالمي خفض المساعدات بنسبة تتجاوز 60 %، فيما هدّد برنامج الصحة العالمي بقطع منحة الديزل عن القطاع الصحّي. وتزامن مع تلك الضغوط استمرار القرصنة البحرية لتحالف العدوان على سفن المشتقّات النفطية، ومنعها من الوصول إلى ميناء الحديدة. كُـلّ تلك الضغوط يضبط إيقاعها مايسترو أمريكي واحد، لدفع صنعاء إلى القبول بمقاربات واشنطن والرياض، وأوّلها تجميد العمليات العسكرية باتّجاه آخر معاقل التحالف في المدينة وما تبقّى من وادي عبيدة.
أمام هذا التّصعيد، لم يتبدَّل موقف صنعاء، ولم يتراجع سقفها السياسيّ والعسكريّ، بل ربما زادها اندفاعاً وحماسة، ففي غضون موجة التصعيد الأخيرة، تمكّنت طلائع صنعاء من حصد مكاسب ميدانية جديدة بتحرير أكثر من 1200 كم2 في اليتمة في محافظة الجوف، ضمن عملية “فجر الصّحراء” التي أعلنها المتحدث باسم القوات المسلحة العميد يحيى سريع، إلى جانب مكاسب ميدانية جديدة في مأرب في ما وراء البلق الشرقي، ولسان حالها يقول إنَّ التصعيد سيشكّل دافعاً للحسم، وبشكل أسرع مما يتوقعه تحالف العدوان، وإنّ العمليات الاستراتيجية لن تتوقف عن استهداف العمق السعوديّ ما دام التصعيد والعدوان والحصار مُستمرّاً.
كما جاءت عملية جيزان الأخيرة، حَيثُ أُدخلت فيها صواريخ أكثر دقةً وأكثر فاعليةً ربما لأول مرة، وطالت المنطقة الصناعية التي وصفتها القوات المسلَّحة بـ”الأهداف الحساسة جداً”، وهناك معلومات عن خسائر مادية وبشرية كبيرة، ومن المتوقع أن تكون هذه هي بداية الرد على التصعيد، وأنّ القادم أكثر إيلاماً.
على الأقل هذا ما توحي به الرسائل السياسية، إذ هدّد كبير المفاوضين اليمنيين ورئيس الوفد المفاوض، محمد عبد السلام، تحالف العدوان بـ”أسوأ العواقب” في ظل استمرار التصعيد. جاءت رسالته بعد جريمة العدوان في المحويت التي راح ضحيتها 10 مدنيين، بينهم أطفال. وقد اتّهم الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بالتواطؤ مع تحالف العدوان والصّمت عن استهداف المدنيين والأعيان المدنية.
وكان وزير الدفاع، اللواء الركن محمد ناصر العاطفي، توعّد تحالف العدوان بـ”مصير أسود ينتظرُهم، بعد أن أصبحت المنايا تحيطُ بهم من كُـلّ جانب”، مبينًا أنَّ “نيرانَ لهب محرقة أشدُّ عتواً وغضباً من نيران البراكين المتفجرة، وستلتهمُ عروشهم وتسحقُها”.
وكان تصريحه واضحًا بأن لا تراجُعَ عن مسار تحرير واستعادة ما تبقى في محافظة مأرب من أيدي المحتلّين، قائلاً: “لو اجتمعت كُـلّ قوى الأرض ضدنا، لن تثنيَ يمن الإيمان والحكمة وجيشه ولجانه عن المضي في استكمال تحرير ما تبقّى من أرضنا”.
الخلاصة الَّتي لا بدَّ منها أنَّ هذه الحفلة الجنونية والتصعيد على المدن والأحياء السكنية لن يمرّا من دون رد وردّ مزلزل، كما عوّدتنا القوات المسلحة التي لا تزال تحتفظ بكامل قوتها، وتحتفظ بمعادلة التصعيد بالتصعيد، كما أنَّ العدوان السعوديّ لن ينجح في جرِّ صنعاء إلى طاولة المفاوضات تحت سقوفه السياسية، كما يتوهم، وعليه من الآن أَو يوفر الكلفة وضريبة الردّ، فكلما زاد في غيّه وجرائمه كان الرد أكثر قسوةً وأكثر إيلاماً، وكلَّما أوغل في القتل والخراب كانت فاتورة التعويضات أكثر. وعليه أن يعتبر من العراق الذي ما زال يدفع ثمن حماقة صدام حسين في الكويت. وقد دفع حتى اليوم 52 مليار دولار. أما حربُ السنوات السبع، فلا ثمنَ لها إلا زوال نظام آل سعود من الجزيرة العربية.
في الأربعاء 29 ديسمبر-كانون الأول 2021 07:46:41 م