|
كثيرة هي البطولات الدعائية لتحالف العدوان في اليمن، وقليلة هي مشاركات المخابرات السعودية في المهمات الأمنية ذات الأبعاد العسكرية والسياسية أو في حل القضايا المستعصية والشائكة داخل وخارج الديار، لكن في الحقيقة أن صدى تلك المشاركات رغم قلّتها إلا أنها عمت الأرجاء، وصمّت آذان العالم شرقًا وغربًا.
فما من مهمة قام بها جهاز أمن المملكة المخابراتي أو نفذها إلا ويعجز عن فك طلاسمها وتتبع خيوطها وملابساتها أشهر المحققين في العالم، ولو كانوا بخبرة "شيرلوك هولمز" و"فيكتور بوراكوف"، وحتى "سينشي كودو" أشهر محققي عالم الانمي يقف مذهولًا ومنبهرًا من براعة التخطيط السعودي وحرفية التنفيذ التي لا تترك وراءها أي بصمات تقود إلى الحقيقة. لا برادة من حديد وختم قنبلة أمريكية، ولا عظمًا أو قطعة لحم من خاشقجي داخل أدراج مكاتب القنصلية.
الناطق باسم تحالف العدوان تركي المالكي أو "تركي موري" بنسخته السعودية المطورة -يستحق أن يطلق عليه بعد أن جانب صلب تخصصه العسكري وابتعد مسافات عن الحقائق والوقائع الميدانية- تحول إلى مؤد سخيف لسلسلة من العروض الدعائية والمسرحيات الهزلية بشأن ما ادعاه ويدعيه أنها اختراقات أمنية لبلاده في صفوف من أسماهم "الحوثيين" وقياداتهم من الصف الأول خلال هذه المرحلة.
وفي أول عروضه على أعتاب العام الثامن من العدوان ألقى المدعي السعودي بفيديو مفبرك سيئ في الإعداد والإخراج، زاعمًا أنه لقيادي في حزب الله يمارس مهام تدريب "الحوثيين" وتفخيخ المسيرات في صنعاء بالإضافة إلى التوجيه والتحريض على القتال وتهديد الملاحة الدولية، وفي معرض الاستدلال شعار حزب الله في جهاز لابتوب ولهجة لبنانية لمخبر أنكرها جميع اللبنانيين وكل من يهوى الأغاني اللبنانية.
ورغم ركاكة ورداءة ما ظهر في مؤتمر الفضيحة الأول والذي وصف بالأهم منذ انطلاقة "عاصفة الوهم" السعودية عاد "تركي موري" ليستعرض ما ادعاه أنه مشهد لورشة تجميع الصواريخ في ميناء الحديدة ليتبين سريعًا أنه مشهد تم اجتزاؤه من فيلم أمريكي "Severe Clear" نشر في 2009 ويستكشف الفيلم حملة المارينز الأمريكي إلى بغداد أثناء غزو العراق، وقدم للرأي العام على أنه إنجاز استخباراتي لتحالف يريد تعويض خسائره وهزائمه الميدانية المذلة بهذه الانتصارات الاستخبارية المصطنعة والمثيرة للسخرية.
وتحت ضغط الفضيحة وانتشارها كالنار في الهشيم في مواقع التواصل الاجتماعي وفي مختلف وسائل الإعلام أقر الناطق المأزوم بالفبركة والتلفيق، وبمنتهى الوقاحة والتبجح قال إنه هامش خطأ، على اعتبار أن الأموال التي تصرف لإعداد وتجهيز أو سرقة واجتزاء مثل هذه الأفلام الرخيصة هي ذاتها الضامنة ليخرج جمهور مملكة ال سعود ومريدوها ليهللوا ويباركوا ما يسمونه الجرأة وشجاعة الاعتراف كما سبق وأن تعاطوا مع جريمة الصالة الكبرى عندما أقر التحالف بارتكابها بعد أيام من الإنكار.
وهذا الاسفاف يذكرنا بقصة حاكم وصف بأنه متسلط وفاجر وكان يحظى ببطانة سوء تأمره بالشر وترغبه فيه وتزين له الباطل وتلبسه عليه دون أن ينصحه أحد ويذكره بعيوبه وأخطائه أو يأمره بمعروف وينهاه عن منكر.
وذات مرة خرج هذا الحاكم للصيد مع بعض حاشيته وحين وصل إلى الغابة أخذ بندقيته وأطلق رصاصة على طائر يحلق في السماء فأخطأ هدفه؛ والتفت الى أصحابه وهم يتهامسون فاحمر وجهه وانتفخت أوداجه من الغضب، وبدلًا من أن يقولوا له "أخطأت هذه المره أيها الحاكم وحاول مرة أخرى" صاحوا وبأعلى صوتهم خوفًا منه وطمعًا في أمواله "لا اله الا الله يا مولانا.. لأول مره نشاهد طائرًا يطير بجناحيه وهو ميت"، وهذا هو دين المطبلين وديدنهم.
وما بين الحفلتين، والفضيحتين كانت قضية الاستيلاء على السفينة "روابي" في المياه الإقليمية اليمنية تشغل السعودية أكثر من غيرها، لأن الأخيرة بطبيعتها لا تترك هزيمة واحدة دون أن تضع ناطقها العسكري وقنواتها الإعلامية أمام مهمة شاقة، وأشبه بالمستحيلة لتزييف الحقائق وفبركتها حتى مع عرض القوات المسلحة لمشاهد بالصوت والصورة تؤكد أن حمولة السفينة كانت عتادًا وزوارق وآليات ومدرعات عسكرية، وليست أدوات تجميل أو معدات طبية، ولا وجه للشبه طبعًا بين "انبولات" الدواء مع ذخائر أسلحة الكلاشينكوف السعودية المضبوطة.
وبما سبق يكون "المحقق السعودي" قد بلغ أعلى مراتب التهريج والتبلد وأعاد للأذهان ما سار عليه سلفه العسيري في قضية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بتركيا بتلك الصورة الداعشية وذلك الغباء الذي لم يصل إليه "سلطان" الشخصية التي جسدها الممثل هاني رمزي في فيلم "غبي منه فيه"، وكانت تلك أول وآخر مهمة للمدعو العسيري بعد توليه منصب نائب رئيس المخابرات العامة السعودية.
وفي هكذا حالات ولو قلنا إن تصنّع الغباء وارد لدى حكام آل سعود وكل من يقتفي أثرهم من مسؤولين وأبواق وأدعياء الفهم الاستراتيجي لكنا جانبنا الصواب حتى لو بدا الكثير منهم معصوبي الأعين وينقادون كالقطيع، فغباء هؤلاء فطري، ومتجذر في جيناتهم، ويجري في عروقهم مجرى الدم، وليس مكتسبًا البتة لأن الاكتساب يدفع المخطئ للتعلم وهؤلاء جميعهم ليسوا من الذين اعتبروا من دروس التاريخ في اليمن ولا استفادوا من حقائق الجغرافيا والوقائع على الأرض.
وللتذكير بخيبات التحالف وسقوط وسائل إعلامه في مستنقع التهريج والاسفاف روج الإعلام الإماراتي مطلع نوفمبر من عام 2018م، لما أسماه "عملية إنزال بطولية" لقوى العدوان بـ"جبل مران" في محافظة صعدة، وبعد عملية البحث والتدقيق تبين أن المشاهد هي لإنزال جوي قامت به القوات التركية في مناطق الأكراد، وهذا ما دفع الإعلام التركي ليسخر من تلك المزاعم والفبركات المفضوحة التي تعكس إفلاسا غير مسبوق لدى هذه القوى.
ولأنَّ محرّكَ البحثِ في "غوغل" بالمرصاد للتلفيقاتِ السعوديةِ الإماراتية، لجأ إعلام العدوان إلى عالمِ "البلاي ستيشن" لاستعارةِ مشاهدَ من لعبةِ "Medal of Honor"، وبقليل من المؤثرات الصوتية والدبلجة السعودية تم تصوير المشهد على أنه معركةٌ هوليوديةٌ للجيش السعودي في جبهات الحدود. وقبل ذلك كان ذبابُ محمد بنِ سلمانَ قد نجحوا في صناعةِ فيلمٍ دعائيٍّ يحاكي غزوَ السعوديةِ واحتلالَها لإيران.
وفي زحمةِ الإخفاقات السعودية ومشغليها لا يخفى على المتابعينَ سرقةُ قناة "إم بي سي أكشن" لبطولةِ المقاتلِ اليمنيِّ الذي أنقذَ زميلَه الجريحَ تحت أزيزِ الرصاصِ وادعاءها أنها لضابط سعودي.
كل هذا لم يكن طرفةً أو ترفيهًا بل صنيعة تحالف فقد كلَّ عواملِ القوّةِ وما تبقى من بصيص أمل لإحرازِ أيِّ انجازٍ عسكريٍّ في اليمن ليتجه بكلِّ طاقاتِه للحرب الدعائية على الطريقة الأمريكية ذاتها وينفّس عن اكتئابه ويغطي عجزه بالفبركةِ والتمثيلِ السخيف.
* المصدر : موقع العهد الإخباري
في الأربعاء 12 يناير-كانون الثاني 2022 10:15:56 م