"لربما قبل آذان الصبح" .. حكايات عن قاسم سليماني
الجبهة الثقافية
الجبهة الثقافية

يعتذر المؤلف من الشهيد قاسم سليماني عن حيله هو وصديقه سلمان كي لا يتم منعهما من الاشتراك في الحرب بسبب صغر سنهما.

بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لاستشهاد الفريق قاسم سليماني أصدرت دار المعارف الإسلامية الثقافية في لبنان، إصدارها الجديد من سلسلة سادة القافلة بعنوان “لربما قبل آذان الصبح” للكاتب والباحث الإيراني “أحمد يوسف زاده” وهو أحد من الفتية المحررين الثلاثة والعشرين الذين أسروا في سجون صدام حسين أثناء الحرب الإيرانية – العراقية، والذي استطاع أن يفلت من نظرات الحاج قاسم عندما كان يُنزل من كان صغير السن من القافلة. وقد سبق للكاتب أن ألف كتاب “أولئك ثلاثة وعشرون فتى” يروي فيه تجربة هؤلاء الشباب.

تذكرنا هذه الرواية “لربما قبل آذان الصبح” بما حدث مع الكاتبة الصحافية البيلاروسية سفيتلانا أليكسييفيتش الحائزة على جائزة نوبل في الآداب عندما اعتبر فوزها توسيعاً لمفهوم الأدب المتجاوز للأشكال التقليدية، كالشعر والقصة والرواية والمسرحية، حيث وُصفِت كتاباتها بأنها أقرب للتقريرية أو السردية الصحافية أو الوثائقية. وأرجعت سارة دانيوس الأمينة العامة الدائمة للأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، التي تمنح الجائزة، سبب فوز أليكسييفيتش إلى “أن الكاتبة طرقت دروباً أدبية جديدة”.

يروي الكتاب قصصاً معبرةً عن الحاج قاسم وأحداثاً شهدها الكاتب وعايشها على فتراتِ من الزمن وبمناسبات مختلفة ولا سيما أنه إبن “كرمان” مسقط رأس الشهيد سليماني.

يهدي الكاتب كتابه إلى رجلين شهمين : إبن كرمان الشهيد حسين بور جعفري الذي استشهد مع القائد سليماني ودفن إلى جانبه ورافقه على مدى سنوات طويلة حتى لقب بكاتم أسراره وصندوقه الأسود، وإلى صديقه الراحل محمد صالحي الذي كان أحد أولئك الفتيان ال 23.

يبدأ المؤلف كتابه بأنه ارتأى أن يوجه خطابه فيه إلى سليماني بشكل مباشر لأنه يظنه لا يزال حياً. فيبدأ الكاتب بسرد أول قصة بطريقة مشوقة عن القائد سليماني، في بدايات عام 1982، عندما كان الكاتب صغيراً وهو في عام ال16 سنة، يجسد عشق الشباب الإيراني للجهاد رغم أنهم في عمر الأحداث، فكان عليه أن يدبّر خطة تجعله يتخطى صغر سنه للذهاب إلى الجبهة، فيذكر ما كان حدث بينه وبين سليماني ويقول له: “كنت قرأتها بنفسك في كتاب “أولئك ثلاثة وعشرون فتى”. كنتُ قد قدمت من قريتي في كرمان لألتحق بالجبهة، وأجتمع التعبويون في ملعب كرة القدم أي مكان إرسال القوات للجبهة. أتيت ومشيت بين القوات وعاينت كل واحد منا، وتفحصتهم جيداً، كنت تتقدم ناحيتنا مع عدد من قوات الحرس فاضطرب قلبي، أردت أن تنتقي القوات، لتخرج العناصر صغيري السن، وتقول لهم: “تفضلوا أنتم واذهبوا إلى الثكنة، ليستعان بكم في الدفعات اللاحقة”.

ويتابع رواية قصته لسليماني: كلما اقتربت ازداد وجيب قلبي وكنت أقول في نفسي: “من الظلم أن يخرجني قاسم سليماني من الصف ويسحبني من بين الشباب ويبقي المشاركة في العمليات حسرة في قلبي، ومن هو حتى يقرر عني بأن أحارب أم لا؟ فلم سمحوا لي منذ اليوم الأول أن أدخل ثكنة القدس؟ وأخضع للتدريبات العسكرية إن لم يكن مقرراً أن أُرسل للجبهة؟ فبأي حق كان مسؤول التدريب زنكي اَبادي يطلق صفارته عند الثالثة فجراً ويضطرنا إلى الإستعداد خلال 4 دقائق بعتادنا كله؟ وإن كنت لا أزال طفلا فلما علمنا “شيخ بهائي” فك كل انواع الأسلحة؟ وبأي حق كان السيد دمغاني يتشدد في حقل الرماية؟ ولماذا السيد مهرابي يرغمنا على المشي عند الساعة الواحدة ظهراً في الصحاري بحثاُ عن خرطوشة خاملة في تلك الصحراء ويهددنا إن لم نعثر عليها فسنحرم من وجبة الغداء التي لم تكن سوى بضع حبات تمر؟”.

ويتابع قصته: وصلت بالقرب مني وكنتُ على حافة الهاوية، أردتُ أن تعلم أني قصير القامة قليلاً، فكنت أقصر من الاَخرين بمقدار واضح فبدوت كسن مكسورة وسط صف من أسنان المشط السليمة.الأمر صعب حاولت أن أرفع نفسي استعنت بحقيبة ظهري لخداعك وتحقيق مرادي كان علي أن أضعها في مسيرك، كما لعبت الخوذة دوراً هاماً.

ويقول الكاتب لسليماني في قصته هذه: بتنفيذ هذه الخطة حللت مشكلة طولي ومشكلة شواربي، فبقي اسمي في اللائحة النهائية للموفدين إلى الجبهة. وينهي الكاتب قصته هذه بأنه عندما علا صوت المبعدين وكان بعضهم أكبر مني سناً، أدركت أني حققت إنجازاً وشعرت براحة بال.

ويكمل المؤلف سرد قصته بالتوجه إلى سليماني: كان “سليمان زادخوش” أحد المبعدين عندما حل به ما حل لم يعد يكترث بأي شيء، علا صوته عليك وهو يذرف الدموع قائلاً: سيد سليماني أريد أن أعلم ما شأنك أنت حتى تمنعنا من الذهاب للحرب دفاعاً عن ديننا وبلدنا؟ من الخساسة أن لا تسمح لنا بالذهاب بعد أن تلقينا تلك التدريبات”، حتى أنهيت كلامك معه: “عندما يقع صغار السن في أسر العراقيين يجبرونهم على القول بأنهم أرسلوا للحرب رغماً عنهم”. وأجابك سلمان بجرأة: “العكس صحيح فالصغار أكثر شجاعة من الكبار، حتى أولئك الذين يكثر ادعاؤهم يصابون بالذعر في وقت العمليات”.

ويتوجه الكاتب إلى سليماني ليعاود تذكيره بتلك الحادثة بقوله”: لم يكن لديك وقت لمجادلة سلمان فتركت المسكين حيراناً بعينين دامعتين في الملعب الأخضر لكنك لم تلاحظ كيف ذهب سلمان إلى محطة القطار واختبأ تحت المقاعد ووصل معنا إلى الأهواز”.

يختم المؤلف قصته بالإعتذار للقائد سليماني عن حيله هو وصديقه سلمان بقوله: اعذرنا يا حاج إذا لم ننصت لكلامك ولم ننصت لأوامرك. طبعاً لقد تلقينا عقوبتنا، فكما توقعت وقعنا في الأسر وذقنا الأمرين في التعذيبات. لكننا لم نقل يوماً أنهم أرسلونا رغماً عنا إلى الجبهة.

يحكي لنا الكاتب فرحته عندما أرسل له الشهيد سليماني رسالة يتحدث فيه عن كتاب “أولئك ثلاثة وعشرون فتى”. فيخاطبه سليماني: “عزيزي أحمد، لقد دفعني تقريظ قائدنا العزيز أي (المرشد السيد علي الخامنئي) ومديحه لقراء كتابك، وقد غبطتك على مقامك ومنزلتك بعد أن أنهيت قراءته، وتحسرت لكوني لا أمتلك في كتاب أعمالي ليلة من تلك الليالي والأيام، أكون عالقاً في ذلك القفص”، أي في الأسر. ويضيف: “يا ليت سفراء بلدنا الذين يعيشون في قصور مجلّلة يرون هؤلاء السفراء الذين سجنوا في القفص ويتعلمون منهم كيفية السفارة”. “إني أفتخر لكوني من كرمان، لكون هذه المدينة تحتوي جواهر كأمثال هولاء الأسرى المحررين الذين خلقوا عظمة من الأسر”.

هناك محبة لا توصف من قبل الشعب الإيراني للشهيد سليماني. حيث يقول المؤلف عن تلك المشاهد: كنا نتسابق لتقبيل وجهك. ويقول إن سليماني حتى أنه لم يغفل عن حياتنا الشخصية وكان يمدنا بالنصائح فيما يتعلق بأمور حياتنا. ويضيف: كان الأمر عجيباً بالنسبة إلي، بأن يقدم قائد عسكري النصائح لجنوده الأسرى المحررين، كاستشاري خبير في العلاقات الأسرية.

ويذكر الكاتب حكايتين تجسّدان مدى هذه المحبة. ففي عام 1997 شاع خبر مفاده أن سليماني سيرحل من كرمان، فانعكس هذا الخبر حزناً على الجرحى والمجاهدين والأسرى المحررين.

الحكاية الأولى أن شخصاً عجوزاً كان في إحدى الاجتماعات العامة وتقدم نحو سليماني ودموعه تنهمر قائلاً له بلهجته الكرمانية: تريد أن ترحل؟ فأجابه سليماني وهو يضغط على يديه بكل محبة بعد أن عانقه: “فديتك نفسي أنا جندي والجندي يذهب أينما يأمره قائده”. فتقبل العجور الفكرة وبقي يبكي بين يدي سليماني.

الحكاية الثانية أن الشهيد سليماني بعد إشاعة خبر الرحيل: أرسلت غزل وداعك مع رسالة شكوى إلى إحدى الصحف المحلية من دون أن أذكر اسمي وعنواني لتنشر فيها، فسمعت لاحقاً انه عندما وصلتك الصحيفة، قلت والبسمة الخجلة المعهودة تزيّن ثغرك: “إما مسعود حسينتشاري فعل هذا إما أحمد يوسف زاده”.

* نقلا عن : الميادين نت – محمد علي فقيه


في الأربعاء 19 يناير-كانون الثاني 2022 10:41:39 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=4806