|
على نحو يكشف بوضوح، انسلاخ ما يسمى بمجلس الأمن الدولي عن دوره في ضبط العلاقات بين الدول وحماية القوانين الدولية الإنسانية من الانتهاكات، ظهر البيان الأخير للمجلس منحازا بصورة “مقززة” تُعرّي ارتهان أعضائه الدائمين والدوريين لرغبات قوى التحالف العدواني من عربان الصحراء.
فما إن طلبت الإمارات عقد جلسة لمجلس الأمن إثر وجعها من عملية “إعصار اليمن” التي استهدفتها الاثنين 17 من يناير الجاري، حتى انكشف زيف المكيال الدولي، وظهر المجلس مكشوفا من أي سواتر وأي شعارات إنسانية وحقوقية، إذ تداعى بعين واحدة ليضع بيانه غير الإنساني وغير الأخلاقي، مستندا في صياغة مضمونه على ما جاء في عريضة المندوبة الإماراتية التي تقدمت بالطلب، متعاميا عما شهدته ولا تزال تشهده كل الجغرافيا اليمنية من المجازر بحق المدنيين، منذ سنوات.
الخلل الذي يبدو أنه قد استحكم ببنية المنظمة الدولية بعد استحكام السيطرة عليها من قبل النفوذ المالي الخليجي، بدا واضحا في تلك الحيثيات الإماراتية التي بنى عليها إدانته للعملية اليمنية في عمق الدويلة، فهل علم الأعضاء “الموقرون” في مجلس الأمن أنه بينما كانوا يمارسون “العصف الذهني” للخروج بهذا البيان الكسيح، كانت لا تزال هناك جثث تحت أنقاض “سجن الاحتياط” في صعدة، وتحت أنقاض مبنى الاتصالات في الحديدة بسبب غارات الإمارات والسعودية؟
ثم هل راعى المجلس مجموعة الثوابت التي تؤكد عليها الأعراف والقوانين الدولية الإنسانية، بحق اليمن في الدفاع عن نفسه وهو يتعرض لإبادة البشر والحجر طيلة سبع سنوات؟ هل راعى انتهاكات دول التحالف للقوانين الدولية وحقوق الإنسان في هجماتها ضد المدنيين والأعيان المدنية؟ وهل راعى ما صار اليه اليمنيون بسبب الحصار الجائر لسفن الأدوية والمشتقات النفطية؟
تعمدت طائرات العدوان ضرب الاتصالات في الحديدة فقطعت الانترنت وعزلت اليمن عن العالم، ثم واصلت هوايتها في النظر إلى دماء الأبرياء تروي تراب وأحجار أنقاض المنازل التي كانت تأويهم.. مجلس الأمن هل يعلم؟
هكذا اعتمدت الإمارات منهجية التضليلَ وتزييفَ الحقائقَ للوصول إلى غاياتها، وهكذا تماهى المجلس مع ذلك دون أن يقف لحظة للتحري في صدقية الشكوى، وأخضع بيانه للمنطق المتوحش في مراعاة مصالحه على حساب مجتمع بأسره، وقراءة البيان على هذا النحو لا يبدو متجنيا، فما يعانيه اليمنيون من قصف وحصار أمر قد شهد به القاصي والداني.
تناغَم مجلس الأمن للأسف مع ما ادعته المندوبة الإماراتية في طلبها لعقد الجلسة من حديث حول أن العملية تمثل خطوة لنشر الإرهاب والفوضى، وأنها تمثل تهديداً للسلم والأمن الدوليين، وأنكر على اليمنيين حقهم في الدفاع عن أنفسهم، ليجلي بذلك الغبار عمَّا ما اذا كان جادًّا في تحقيق سلام شامل وعادل أم لا بشأن القضية اليمنية، بل وكشف عن حقيقة نظرته لهذه المغامرة التي تقودها دول النفط، فاستمرارها يعني مزيداً من المكاسب تجنيه هذه المنظمات الدولية مقابل تقديم المواقف المنحازة ولو على حساب الثوابت والمعايير التي تأسست عليها هذه المنظمات.
الشعب اليمني هو في حالة دفاع ضد معتد سخّر إمكانياته من أجل تدمير حاضر ومستقبل أمة بلا أدنى سبب، وتعامي مجلس الأمن كما الأمم المتحدة عن هذه الحقيقة لا تشرعن أي إجراءات منحرفة، وليس هناك هدف يعطي الشرعية لقتل المدنيين وتدمير المنازل وتشريد الملايين، ليس هناك هدف يعطي الشرعية لتدمير مستقبل أطفال قصفت الغارات مدارسهم ثم حرمتهم حتى من مساحة آمنة يلعبون فيها ويمارسون هواياتهم بلعب كرة “الشراب”، ليس هناك هدف يعطي الشرعية لنهب أموال وثروات مجتمع، ويدعه يعيش دوامة الأزمات اليومية.
يبدو أنه سيكون المجلس بحاجة لوقت طويل، والكثير من الجهد لترميم الصدع الذي شابه من تغييبه للمعايير الموضوعية الإنسانية والأخلاقية في إطلاق الأحكام، حين يعي أن قادة عربان الشر لا يفقهون ولا يعقلون، تصوروا أن القوةَ المالية والعتادَ العسكري قادرَان على إنجاح مغامرتهم في اليمن، فوجدوا أنفسهم كلما طالتهم صواريخ اليمنيين زادوا في العويل واستجدوا تأييدا دوليا يخفف عنهم شعورهم بالخزي من فداحة ظنهم الآثم.
في الثلاثاء 25 يناير-كانون الثاني 2022 07:18:21 م