|
قال ابن خلدون في مقدمته أن الأمم يغلب عليها طبائع الحيوانات التي تأكل لحومها، فهو يرى تميز الأتراك بالخيلاء كونهم يأكلون لحوم خيولهم، وعرب الصحراء بالحقد لكونهم يأكلون لحوم الإبل، ولعل هذا المذهب دال على صدقه ما تقوم به دويلة الإمارات وعرب نجد في اليمن، فالذي حدث بعد عاصفة اليمن الأولى والثانية كشف تلك الطبائع بصورة فيها من البشاعة والحقد ما فيها، فحين أعلن وزير الصحة في مؤتمر صحفي بيان جرائم العدوان في صعدة وخاصة الجريمة الأخيرة في الاحتجاز المؤقت الذي أودى بحياة ما يقرب من مئة شخص، لم تمنع طبيعة الحقد من تنفيذهم لغارات على وزارة الصحة ومركز الأطراف، كما مارس غواية الحقد الدفين على مئات الأحياء السكنية في صنعاء وعموم الجغرافيا الوطنية اليمنية .
ما حدث خلال سوالف الأيام من تصعيد عسكري ومن نشاط دبلوماسي لدولة الإمارات كانت الإمارات في غنى عنه لأنها ببساطة دولة من زجاج ولا تملك قدرة على مناطحة أهل اليمن، لكن غرور المال جعلها تنساق وراء آراء اليهود الذين سارعوا إلى بسط سيطرتهم الأمنية والعسكرية على الإمارات بحجة المساعدة في حماية أمن الإمارات وبشكل معلن بعد أن كان ذلك يتم بصور سرية تحفظ للإمارات ماء الوجه أمام الرأي العام الإسلامي والعربي .
اليوم كشفت إسرائيل عن تواجدها في الإمارات وكشفت أمريكا عن تواجدها في الإمارات وأصبح الأمر ظاهرا للناس بعد أن مارس الإعلام التضليل، ومثل ذلك عزز من الموقف اليمني المقاوم للمشاريع الاستخبارية الذي تقوم به أمريكا وإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط وفي الخليج، كما أفصح الواقع عن نفسه بدون مراء أو جدل، فالسعودية لم تكن إلا بريطانيا وأمريكا والإمارات لم تكن إلا إسرائيل، فالقتال الذي يخوضه أهل اليمن كما هو في شعارهم ضد أمريكا وإسرائيل وليس ضد أحد سواهم، فالعقال النجدي يستر في تجاعيده أمريكا وبريطانيا، والدشداشة الإماراتية تستر في تجاعيدها إسرائيل فهما يقاتلان من خلف جدر العباءة العربية لعرب الصحراء .
لقد أصبحت المعركة واضحة الأبعاد والأهداف اليوم، وهي أكثر وضوحا بعد عاصفتي اليمن الأولى والثانية على السعودية والإمارات، كدولتين تمارسان القتل والتجويع للشعب اليمن منذ عقد من الزمان أو أكثر، وتنتهكان حقوق الإنسان في المناطق الواقعة تحت سيطرتهما في جنوب اليمن .
من المؤسف حقاً أن يصبح العرب أدوات في يد الصهيوني والأمريكي في تنفيذ أجنداته واستراتيجياته في الصراع الدولي الجديد الذي يسعى إلى إعادة التموضع ورسم خارطة المصالح الجديدة في عالم متغير ومتحرك فرض واقعا جديدا وأفرز قوى جديدة ناشئة تنافس النظام العالمي القديم على مصالحه التي ألفها خلال أكثر من ثلاثة عقود من الزمان .
الصهيونية العالمية لها مصالحها وهي ترى أنها مسؤولة عن إدارة العالم وترى في نفسها صفوة الخلق ويذهب معتقدها الثقافي أنها شعب الله المختار وهي في انتظار مخلصها الذي سوف يظهر حتى يخلص العالم من الشر، وترى – وفق معتقدها – أن المخلص لن يظهر حتى يشيع القتل وتسيل الدماء ويكثر الهرج والمرج ولذلك تساهم في تنمية الصراعات البينية وتسعى إلى إحداث موجة قتل كبيرة وهي من خلال الطيران الإماراتي والسعودي ترتكب الموبقات وتستهدف الأحياء السكنية والتجمعات حتى تبلغ غاياتها – وفق معتقدها – وتعجل من ظهور المخلص الذي سوف يحكم العالم ويخلصه من الشرور .
هذا التواشج والتلازم بين المعتقدات الصهيونية وبين طبائع عرب الصحراء لم يكن عبثاً بل كان وفق دراسات نفسية وأنثروبولوجية وسيكولوجية واجتماعية وثقافية، فمن خلال المعرفة تستطيع الصهيونية الوصول لأهدافها بكل سلاسة ويسر ذلك لأنهم قوم يقرأون، فالثابت أنهم يحرصون على اقتناء كل مطبوع في العالم وعند العرب بالذات، ومعرض القاهرة يشهد إقبالا كبيرا من خلال حرص الصهيونية على اقتناء كل عنوان جديد تلوكه المطابع، حتى أصبح معروفا عند دور النشر العربية أن الرواج في معرض القاهرة الدولي للكتاب لا يكون إلا للعناوين الجديدة فتحرص تلكم الدور على الإعلان المسبق والاستعداد لمعرض لقاهرة الدولي للكتاب وتختار الموضوعات بنية مسبقة أو بتخطيط وتعاون مشترك بين الموساد وبينها حتى تتمكن من خلال المعرفة والقياسات العلمية أن تصنع استراتيجياتها ومواقفها بما يحقق لها الغايات والأهداف، في حين يذهب العرب إلى الغباء والجهل وتسطيح الوعي من خلال التطبيقات الاجتماعية التي أصبحت وبالاً نجني ثماره جهلاً وتبعية وتعويماً للمصطلحات .
لقد كتبنا كثيراً عن أهمية المعركة الثقافية فهي لا تقل شأناً عن العسكرية، فالمعرفة هي من أصبحت تدير العالم، وقد ساهم المستوى الحضاري الجديد في توفير المعلومات والاجتهاد في توظيف المعرفة، فهو المحك الذي يقاس عليه نجاح المعركة من عدمها، فالخيار العسكري لم يعد إلا خيارا بديلا في عالم أصبح كوناً مفتوحاً على كل الخيارات .
ولذلك ندعو إلى استنفار كل الطاقات المعرفية والثقافية وتوفير الإمكانات وصناعة الاستراتيجيات حتى نتمكن من التحكم بالمسارات وبمقاليد الحاضر والمستقبل وبدونهما سوف نفقد بوصلة الاتجاه .
في الجمعة 28 يناير-كانون الثاني 2022 07:16:00 م