«يكسر زجاج القصر» للشاعر علي عمر
يحيى اليازلي
يحيى اليازلي
علي عمر المشدلي شاعر مبدع من محافظة البيضاء. يكتب القصيدة بالعامية. مناهض للعدوان. كتب قصائد في الحب والوطن والحكمة والسجال والمناسبات. لديه وعي سياسي وثوري ووطني وديني عال، لكنه غير مهتم بجمع قصائده في كتاب، وهذا راجع لتواضعه واعتقاده أنه لم يقدم بعد ما يرضي طموحه وجمهوره. حريص على تقديم أعماله بصورة ناضجة. شاعر مقل ومطلع، ناشط على مواقع التواصل الاجتماعي، وحاضر في الفعاليات المناهضة للعدوان على اليمن.
ابتدأ علي عمر قصيدته بالسلام كما هو عرف معظم شعراء اليمن الشعبيين. هذا السلام المتعارف عليه لا بد أن يبرز خلاله الأسلوب الخاص بالشاعر، وهو وصف السلام، والذي نلمسه في قوله:
«سلامي على الأبطال ما ترخي السحب
على الكل يتقسم ويوصل لموقعه»!
فالتميز لدى الشاعر نراه في تصويره كم وغزارة السلام بالمزن الذي تجود به السحب. وجمالية الصورة تكمن في وصفها بإرخاء يدها كناية عن الكرم، يقال فلان رخيّ اليد، بمعنى كريم. ولبلاغة أكثر قالها بصيغة الجمع (السحب) والأجمل أن الغيث الذي يرسله عبر السحب خص به أبطال المواقع.
العرف الذي يتبعه معظم الشعراء الشعبيين وخاصة شعراء الزا مل في شيئين: البدع بالسلام وقلنا إن تميز كل شاعر فيه يظهر من خلال تصويره كيفية السلام، والختم بالصلاة على النبي وفيه أيضا مجال ليتميز الشاعر..
وطبعا ليس الشاعر ملزما بالبدع بالسلام ولا بالختم بالصلاة، ولكن هذا الأمر خاضع لرغبته. لذلك هو في قصيدة أخرى يختم بالصلاة، مطلعها:
«يا رب عبدك توجه اليك متضايق
سالك تعينه وتبعد عنه الضيقة»
ويختمها بقوله:
«والختم صلوا عدد ما يبرق البارق
على النبي ذي نشر دينه لتطبيقه»!
وهي قصيدة ذات مدخل ديني، لكن في طياتها مواضيع كثيرة، في الحكمة والفضائل والسياسية ونقد الفساد ومقت خيانة الوطن ورفض الظلم، والتحريض لمواجهة الغزو، وفيها يقول في الجانب الوطني:
من صغر سني وقلبي لليمن عاشق
واكره عدو الوطن ذي جا لتمزيقه
ملعون ملعون من يوقف معه مارق
بان المخبا وما يسعى لتحقيقه
مهد الحضارة يصبح خصمها غارق
مكتوب واهل الكتب قاموا بتوثيقه. 
اختصر قضايا كثيرة في القصيدة، وسنلاحظ في هذه الثلاثة الأبيات حشد عدد من المواضيع، منها التحفيز لمواجهة العدوان، واستثارة الحمية القبلية، وحث الضمير الإنساني، والتمسك بعرى الانتماء للوطن. واستدعى فيها التاريخ وذاكرة الطفولة ومشاعر الحب وهاجس الكرامة.
عودا على بدء، فالسلام موجه كما يصور الشاعر في البيت الثاني من القصيدة التي مطلعها «سلامي على الأبطال»، إلى المقاتل اليمني الذي اضطر للتموقع في متراسه الحربي وتوجيه السلاح في وجه المعتدين الذين قدموا غزاة يريدون استلابه أرضه وهويته. هنا تتحقق جدلية الحرب من أجل السلام. ومن هنا ينطلق الشاعر في وصف أسرار اعتزازه بالجندي اليمني المدافع عن وطنه. ثم في درامية شعرية ينقل إلينا مشاهد ملتهبة من المعارك التي دارت وتدور بين المقاتل اليمني وقوات ومرتزقة العدوان، فيتم هزيمتهم ودحرهم ودك مواقعهم فيعودوا مذلولين. الشاعر علي عمر بارع في وصف المشاهد الحربية وفي سرد أحداثها بأسلوب درامي شعري بديع، وبقدرة عالية على الانتقال بين مشاهد تلك البطولات، بخفة شاعر:
«ويا كاتب التاريخ سجل في الكتب
بطولات للأنصار مني موقعة»!
هنا تجلت العزة بكل معانيها في نكران الألم وإظهار ملامح ملاحم الانتصارات، وراح يسردها بشعرية عالية، بما يميز أسلوبه الذي يؤكد قدرة الشعر الشعبي على احتواء جنس الأدب السردي،
«نهار اللقا في عين والمرتزق حنب
وعبد الإماراتي حرق في المدرعة»!
مشهد لمعركة شرسة استطاعت عين الشاعر التقاطه بهذه الكيفية البديعة التي تصف وقوع المرتزقة التابعين للعدوان في مآزق حربية كثيرة لم يكن لهم من بد سوى الاستسلام أو المواجهة، في حين أن فرصة نجاتهم في المواجهات ضئيلة وهذه إحدى محارقهم في أجواف مدرعاتهم.
«وطحنون يشحنهم وفي نارهم يشب
وجت له رجال الله في الوجه تصفعه»!
ليس لدى جنود العدوان من مواطن نصر ترفع رصيدهم في بورصة البطولات، لأنهم مجرد شحنات بشرية نارية في مهبات الإعدام سرعان ما تصبح رمادا، في ظل صفعات لافحة بأيادي الرجال.
«نسي مجزرة توشكا وبه جرح ملتهب
يدور على ضربه لابوظبي تسمعه»!
مما يؤكد عدمية أهداف الإماراتي وأنه مجرد أداة نسيانه المجازر التي يفعلها سلاح توشكا في اجتماعات قياداتهم وضباطهم التي تخطط وتتآمر وتنفذ الجرائم بحق المدنيين في اليمن، وأن توشكا قد بعثر أشلاءهم. ويذكرهم الشاعر وتحديدا طحنون كرمز لعبثية العدوان بهذا المشهد الذي أرعبهم، لكنه ينسى كالعادة لأنه مجرد أداة عديم الإحساس. والجميل في البيت صورة توشكا وهو يقوم بمجزرة في جموع المرتزقة، ويصور توشكا كجندي مكلوم الفؤاد على بلده..
توشكا بقلب إنسان ملتهب يقوم بواجبه المدمر، وفي الوقت ذاته يُهمْهِم أن يذهب ليحطم قصور ملوك النفط الزجاجية. ولاحظوا أخلاق الشاعر في الحرب، فمع طلبه إرسال توشكا إلى مدن العدوان لكنه لم يتمن له غير تنفيذ مهمة عسكرية.
«يكسر زجاج القصر ذي بان منتصب
وسلمان وقت الصدق ما عاد ينفعه»!
الزجاج ذكر في معظم قصائد الشعراء المناهضين للعدوان على اليمن، وخاصة عندما يتطرقون إلى أسماء مناطق حساسة في دول العدوان، والتي تزخر بناطحات سحاب مبنية من الزجاج في رسائل إلى الجيش والقوة المسيرة بأن يطلقوا المسيرات فتتهاوى تلك البنايات الزجاجية المترفة. وهذا الوصف مثير لمشاعر السخرية والشماتة بالعدو، ومبهج جدا لليمنيين وخاصة المدنيين الذين تعرضت منازلهم لقصف طائرات العدوان الغاشم واستشهد وجرح منهم الكثير وتدمرت مساكنهم وممتلكاتهم.
يكسر زجاج القصر
سلامي على الأبطال ما ترخي السحب
على الكل يتقسم ويوصل لموقعه
ومن واجبي سلم على كل مستلب
يوجه سلاحه لا دخل غزو يردعه
يدافع عن ارضه وبالله محتسب
على الله متوكل مع الحق يدفعه
ولا بد للغازي يغادر وينسحب
ومن شل حق الناس بالغصب رجعه
ويا كاتب التاريخ سجل في الكتب
بطولات للأنصار مني موقعة
نهار اللقا في عين والمرتزق حنب
وعبد الإماراتي حرق في المدرعة
وطحنون يشحنهم وفي نارهم يشب
وجت له رجال الله في الوجه تصفعه
نسي مجزرة توشكا وبه جرح ملتهب
يدور على ضربة لابوظبي تسمعه
يكسر زجاج القصر ذي بان منتصب
وسلمان وقت الصدق ما عاد ينفعه
ولا ينفعه صهيون اذا شعبنا غضب
معانا تثور الأرض والخصم نصرعه
ولولا الخون معنا مطية لمن ركب
يشدوا على ظهره حمولة ويطلعه
هم الداء والبلوى وهم خصرنا الرطب
على ظهرهم جانا التحالف بمدفعه
يبا يسرق الرمان والبن والعنب
وثروات مدفونة كثيرة موزعة
وأصبح بعون الله خسران ما كسب
ومن جا بلا ناموس يده مقطعة
ولو صفنا واحد وأرض اليمن نحب
وقمنا على الغازي في اسبوع نقلعه
ولا عاد بايبقى على الأرض مغتصب
وسارق سقطرى بانصده ونمنعه
ومن يعشق الحرية من نهرها شرب
يضحي بما يملك وراسه ومن معه
ومن هو مع العدوان يجلد وينضرب
جزا مقترف من ذنب قد كان يصنعه
ونجد الحلوبة ذي لصهيون تحتلب
نوقف لبنها ذي يمصه ويرضعه
نعوض به المظلوم ذي كان مغترب
وما هو لنا من حق لا بد تدفعه
وأرض اليمن ترجع مع الوادي الخصب
وغصبا عن امريكا نشله ونزرعه
كفى صبر يا شعبي قم ابطش بمن نهب
وإبدأ بقرن ابليس من راسه انزعه
رجال اليمن تسري وقامت بما يجب
تدوّر فريستها على شان تبلعه
وصاروخنا يعبر مع الريح ذي تهب
ودمر هدف مرصود واضح ويقمعه
ويا طايرة حني، بدا الوعد يقترب
على راس بن سلمان لا بد ننصعه!
 

* نقلا عن : لا ميديا


في الجمعة 28 يناير-كانون الثاني 2022 07:23:13 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=4831