|
لم يدرك عرب الصحراء أن اليمن ظل عصيا على كل مشاريع الاستعمار منذ دقيانوس إلى زمن البعير والناقة والصحراء، كما لم يدرك قادة الخليج حجم الكارثة التي تنتظرهم إذا ما استمروا في عدوانهم وحصارهم لهذا البلد العزيز والكريم والشهم، قد أرسل أهل اليمن رسائلهم التحذيرية الأولى ثم الثانية وها هي الثالثة قد قرعت أبوابهم ولكنهم قوم لا يعقلون .
لم يكن الكثير من الناس يدرك حقيقة أمر الإمارات حتى جاءتهم رسائل أهل اليمن، فكشفت عنهم الغطاء فبصرهم اليوم حديد، إذْ عرفوا أن النهضة التي عليها الإمارات لم تكن بسبب رؤية محمد بن راشد ولا بسبب التنظير الذي يخالف السياق العام والواقع، بل بسبب التماهي الكلي مع المشروع الصهيوني، حيث كانت الإمارات جزء لا يتجزأ من المشروع الصهيوني الذي ظل يبحث عن منطقة آمنة في المنطقة العربية حتى تكون محور الارتكاز للمركزية الاقتصادية في المنطقة العربية برمتها، فهم على إدراك تام بحالة التوتر الذي لم ولن يستقر في فلسطين، ولذلك بحثوا عن مكان آمن يكون بؤرة التحكم في الاقتصاد فكانت الإمارات وتحديدا إمارة أبو ظبي ودبي هما الإطار الجغرافي الذي وجدت الصهيونية ضالتها فيهما .
ظل الشائع أن هناك نهضة حضارية في الإمارات ولم يفكر أحد لماذا تلك النهضة في دبي وأبو ظبي دون باقي الإمارات الأربع الأخرى ؟ اليوم يكشف الإعصار اليمني الأول والثاني والثالث عن الحقيقة بكل جلاء ووضوح، فلم يعد الأمر سرا بعد أن كشف الإعصار الحجاب وفضح الهالة التي كانت تحجب الرؤية .
الإمارات كانت جزءاً مفصليا من المشروع الصهيوني، فهم يسعون من خلال فرض الاحتلال على أرض فلسطين إلى مركزية سياسية وعسكرية وكانوا على علم أن فلسطين لن تكون آمنة بسبب الاضطراب وعدم الاستقرار وحركة المقاومة الإسلامية التي تعمل على استعادة الأرض والخروج من مشروع الاحتلال الصهيوني، فكانت الإمارات هي البديل الآمن للمشروع الصهيوني الذي يتخذ من الزي العربي جدارا يستر ما وراءه من أهداف ونوايا، ولذلك سارعوا بكل قدراتهم وإمكانياتهم إلى تعطيل المشاريع الاقتصادية التي تهدد دبي، ووقفوا ضدها فتحركوا في القرن الأفريقي وفي عدن، أي على ضفتي البحر الأحمر فكان النشاط الصهيوني متوازيا مع النشاط الإماراتي أو الذي يتخذ من الإمارات وجها بديلا حتى لا ينكشف الغطاء، وظل الأمر على ذلك المنوال حتى أخذ التطبيع مساره في الخارطة العربية، فوجدت الصهيونية قدرا من الاطمئنان بعد أن حدث الانقسام في الصف العربي كي تجاهر بالنوايا وتعلن عن نفسها بكل وضوح وعلانية، ففي كل مكان تتواجد فيه الإمارات في اليمن نجد إسرائيل بعد سويعات تعلن عن تواجدها فيه .
اليوم الصهيونية تعمل جاهدة على تنمية مشروع الانهيار القيمي والأخلاقي عن طريق التطبيقات الاجتماعية والسينما والفنون والآداب ومن خلال السيطرة على الموجهات الثقافية في المنطقة العربية من خلال استنساخ البرامج العالمية التفاعلية في العالم والترويج في الوسط الاجتماعي والثقافي العربي، وهذه الاستراتيجية بدأتها منذ وقت مبكر حتى وصلت غايتها اليوم في إحداث حالة الانقسام في الرأي العام العربي وفي تفكيك عرى الوحدة العربية، وفي التحكم بمساراتها، فالمهرجانات الفنية والثقافية ومشاريع الترفيه ومهرجانات الفنون في عموم العواصم العربية تهدف كلها إلى غايات وأهداف واحدة وذات تواشج، تتمثل تلك الأهداف في خلق جيل رخو خال من قيم الشهامة والرجولة، وساذج، ونماذج ذلك أكثر وضوحا في المجتمع العراقي الذي وقع تحت طائلة الاستهداف منذ سقوط بغداد عام 2003م، حيث نشطت الصهيونية عن طريق غطاء الاحتلال الأمريكي للعراق في حركة الاغتيالات للعلماء، وأصحاب الفكر والرأي، وتماهت الجماعات الإرهابية في تنفيذ الأجندات الصهيونية في اغتيال رموز التنوير والحرية والاستقلال، فكان من نتائج ذلك ما نشاهده اليوم في منصات التواصل الاجتماعي من ميوعة وحفلات للناشئة يندى لها الجبين، ومثل ذلك كان يحدث في دبي وأبو ظبي وهو اليوم يسير بخطى الواثق في المجتمع السعودي .
لم تكن مصر بعيدة عن هذا النشاط، فقد ظهرت عدة مؤشرات في الزمن الماضي لكن هذا النشاط كان أكثر وضوحا بعد مهرجان الجونة السينمائي وهو اليوم يثير سؤالا في الوسط الفني والثقافي المصري بعد فيلم ” أصدقاء ولا أعز ” وبعد تنبه نقابة المهن الموسيقية لموجة الغناء الهابط الذي يجد رواجا منقطع النظير في منصات التواصل الاجتماعي ويستهدف من خلاله جيل الناشئة في عموم الوطن العربي، والعجيب أن الجوهري والرصين لا يجد تفاعلا في حين نرى رواجا لكل ما هو هابط وضد القيم الإسلامية والأخلاق العربية.
المعركة مع الصهيونية العالمية عميقة ولن تقف عند حدود النشاط العسكري وفرض ثنائية الهيمنة والخضوع على المجتمعات العربية والإسلامية، وعلى الحكومات، وتحقيق المركزية السياسية والاقتصادية، بل تتجاوز ذلك إلى التأثير على البناء الثقافي وتعطيل القدرات الذهنية والأخلاقية وتسطيح الوعي العربي حتى يتقبل جيل الناشئة القضايا كمسلمات غير قابلة للنقاش .
نحن أمام حالة عصية نشبت أظفارها منذ عقود طويلة من الاستهداف والسياسات الاستراتيجية، ولا بد من تكثيف الجهود حتى نتمكن من المقاومة ومن القدرة على التحكم في مقاليد المستقبل، ولن ننجح في ذلك إلا ببذل الجهود المضاعفة في التحرك على مختلف المستويات الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والحضارية، بحيث نخلق البدائل التي تحفظ التوازن للمجتمع في عالم متموج وغير مستقر.
في الجمعة 04 فبراير-شباط 2022 07:04:11 م