|
كثـير من الدراسات الاقتصادية أوصت بضرورة تأهيل وتحديث وتطوير بعض المناطق اليمنية لما لذلك من مكاسب اقتصادية ومالية عظيمة، ومن بين تلك المناطق جزيرتا سقطرى وميون بشكل خاص والساحل الغربي بشكل عام، وذلك لعدة اعتبارات أهمها: الموقع الاستراتيجي والثروة، وكان ذلك سيكون كفيلاً بتغيير حياة كل اليمنيين ونقلهم من رأس قائمة أفقر شعوب العالم إلى أغناهم، لكن تحديث وتطوير وتأهيل مضيق باب المندب والجزر والساحل الغربي لا يصب في مصلحة الكيان الصهيوني، لأن البحر الأحمر هو المنفذ البحري الوحيد للكيان، وتمر منه سفنه التجارية وبوارجه الحربية، ويخشى الكيان تكرار ما حدث في حرب أكتوبر 73 عندما أغلق اليمن مضيق باب المندب أمام بوارج الكيان وكان ذلك سبباً رئيسياً لهزيمته، وبالتالي يرى الكيان أن من مصلحته ضرورة بقاء مضيق المندب وجزيرة ميون (بريم) والمناطق المجاورة للمضيق والمطلة على خط الملاحة الدولي مناطق مهملة ومهمشة جداً بحيث لا يلتفت إليها أحد ولا تنتعش بالحياة ولا تشهد أي تطور.
كما أن انتعاش وتطور المنطقة لا يناسب السعودية أيضاً لعدة أسباب أهمها وجود حوض تهامة النفطي ضمن مساحة كبير في الساحل الغربي، وبدء استكشاف وإنتاج النفط في الحوض ينهي أطماع السعودية في الاستحواذ على نفط تهامة، أما بالنسبة لسقطرى فالأطماع كانت أمريكية بريطانية باعتبارها المنطقة الوحيدة التي تشرف على ملتقى بحر العرب بالمحيط الهندي، وقد قيل عنها في وصف أهمية موقعها بأن من يسيطر عليها يمتلك مفاتيح البحار السبعة، إلى جانب ما فيها من مؤهلات جعلتها تحصل على المركز الأول في تصنيف عالمي لأجمل وأغرب المناطق الطبيعية عالمياً.
فاستجاب رأس النظام السابق وزبانيته لتوجيهات السعودية والإمارات ومن خلفهما أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني ورمى بكل الدراسات الاقتصادية عرض الحائط، بل إن الاستجابة كانت أكثر من اللازم وفوق ما هو مطلوب، فالعبد نفذ أكثر مما طُلب منه وذلك تعبيراً عن الطاعة العمياء لمن أوصلوه إلى الكرسي وعملوا على تمديد فترة حكمه حتى أصبحت مقاس حذاء وليست فترة حكم.
فقام بتدمير تلك المناطق حيث كانت ولاتزال سقطرى المحافظة الوحيدة التي لا يوجد فيها مخطط وتخطيط حضري، كما تم دفن نفايات نووية وكيميائية في أماكن متعددة من الساحل الغربي، وهذا ما يفسر انتشار التشوهات الخلقية والأمراض المصاحبة للنفايات في تلك المناطق، إلى جانب أضرار الأسلحة المحرمة التي يستخدمها العدوان منذ سبعة أعوام، بالإضافة إلى عملية تهجير لسكان جزيرة ميون، وترك المجال للضباط والمتنفذين للاستحواذ على أغلب أراضي مديرية باب المندب (ذوباب)، وساد البناء العشوائي في المديرية التي افتقرت إلى البنية التحتية وأدنى مقومات النهوض، بل إنها تعرضت لعدة إجراءات تدميرية وكارثية جعلتها أسوأ المناطق اليمنية بدلاً من جعلها أجمل المناطق وأكثرها رقياً وترتيباً وتنظيماً.
أهالي الجزر اليمنية والساحل الغربي لم يفقدوا فرصة النهوض والنمو والتطور والاستثمار وتنمية الموارد فقط، ولكنهم فقدوا أيضاً الحياة الطبيعية، بل الأقل من طبيعية، وتحولت حياة معظمهم إلى جحيم، وهذا هو الحال نفسه مع أكثر المناطق الزاخرة بالثروة، فمثلاً محافظة الجوف تقع في المركز الثاني بعد محافظة سقطرى من بين أكثر المحافظات اليمنية افتقاراً للبنى التحتية والمشاريع التنموية، وأكثر المحافظات اليمنية التي يعاني أهلها من آفات الفقر والجوع والمرض، رغم أنها من أهم وأغنى المحافظات، وهذه النتيجة العكسية لم تأت من باب الصدفة وإنما وفق إجراءات ممنهجة ومدروسة استجابة لتوجيهات الوالي، والضحية هو الشعب.
لم يكن ما سبق شرحه إلا جزئية بسيطة من نتيجة واحدة من بين نتائج تبعية وخيانة النظام السابق، ولأن أحرار اليمن رفضوا استمرار التبعية ومآلاتها الكارثية التي مازلنا نعيشها حتى اليوم قام تحالف الشر والظلام العالمي بالاعتداء على اليمن.
الشعب يدفع ثمن خيانة النظام
لم تكن السعودية تصرف مرتبات شهرية لمئات الشخصيات اليمنية بدءاً برأس النظام السابق وانتهاء بأصغر شيخ عميل مرتزق، عبثاً، كل شيء كان بمقابل، لكن الثمن الذي دفعه الشعب بسبب هذه الخيانة والعمالة كان غالياً جداً، وتمكن حثالة المجتمع (المدرجة أسماؤهم في كشوفات اللجنة الخاصة) من تنفيذ المهام المطلوبة منهم بشكل دقيق وعلى أكمل وجه، كما أن تلك المبالغ لم تكن المبالغ الوحيدة التي رمتها السعودية للخونة وبائعي الوطن، فهناك مكافآت وهبات استثنائية بحسب المطلوب زماناً ومكاناً، لقد كانت الثروة هي الهدف الأول بما فيها الثروة البشرية.
فمثلاً، لم يكن من المسموح إنجاز أي استكشافات نفطية وغازية في بعض الأماكن، وبالذات على طول الشريط الحدودي اليمني السعودي بعمق أو بعرض 150 كيلومتراً بما فيها الحدود البحرية، وذلك لسببين:
1 ـ طمعاً في الاستيلاء على تلك الثروات بأنواعها (نفطية، غازية، معدنية، مائية... إلخ).
2 ـ حتى لا نستخرج ثرواتنا وننهض ويستمر فقرنا وعوزنا واحتياجنا للسعودية ويستمر انتظارنا للمساعدات والمعونات والهبات التي لا تعد حتى 1% مما ينهبه الناهبون من ثروات اليمن.
لم يكن هذا هو الطلب الوحيد لبني سعود مقابل دفع مرتبات أعضاء اللجنة الخاصة لأكثر من أربعين عاماً، فقد كانت الثروة البشرية أيضاً مستهدفة، فكان مصير كل الأحرار والشرفاء من المبدعين والمفكرين والمخترعين محصوراً ما بين مخفي قسراً أو مجنون أو مهاجر أو مكافح يعاني بشكل مستمر بسبب الحرب التي شنها النظام السابق ضدهم إرضاءً لأربابهم وتنفيذاً لتوجيهات الوالي، وفي المقابل تم انتقاء أرذل القوم ليكونوا هم النخبة المسؤولة عن هذا الوطن، باستثناء الشرفاء ممن فرضتهم الظروف والتحالفات.
وكانت التعيينات تعرض على السعودية قبل صدور القرارات، وهم من ينتقون ويختارون حكومتنا وأعضاءها ويوافقون عليها، وغالباً كان يتم فرض كثير من الأسماء، ويعلم الجميع أن نفوذ السفير السعودي داخل اليمن كان أقوى بكثير جداً من نفوذ رئيس الوزراء وكبار القادة، ولعل موضوع قيام السفير السعودي بتهريب الجنرال العجوز علي محسن الأحمر بزي زوجته خير دليل على ذلك.
باختصار شديد، لم يكن لنا من الأمر شيء، ولم يكن لنا من الدولة أكثر من العلم والنشيد الجمهوري، وعندما ثرنا وقلنا لا للتبعية وطالبنا بالحرية والاستقلال بقيادة السيد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي (سلام الله عليه)، اعتدى علينا تحالف الشر والظلام العالمي، والمعتدون هم أنفسهم من اللصوص الذين كنا نتبعهم بذلك الشكل المهين والقبيح والمجحف.
طمس ومحو تاريخ اليمن الحضاري
لو أن أحد الأجانب قرأ الشيء اليسير عن تاريخ وحضارة اليمن لظن أن عدد المتاحف اليمنية يزيد عن عدد أقسام الشرطة، وذلك لاستعراض شيء من مهد الحضارات اليمانية والتاريخ الضارب في الجذور عبر قرون من الزمن، بينما الحقيقة والواقع مختلف جداً.
لم ولن يصدق أحد أن لدينا في العاصمة صنعاء متحفاً واحداً، وكل ما بداخله بعض الأدوات الخاصة بأئمة اليمن السابقين والعملات القديمة. عند دخوله تشعر بأنك دخلت متحفاً خاصاً ببلد لا يتجاوز عمره 100 عام كأبعد تقدير، وليس بلداً يعرف تاريخياً بأنه أصل العرب ومهد الحضارات.
الواقع يقول إن ما حدث ليس ناتج العشوائية والإهمال واللامبالاة، وإنما مخطط مدروس بعناية، فمن لا يملكون حضارة ولا تراثاً لديهم غير سروال المؤسس (السعودية)، ومن لا حضارة لهم باعتبارهم دولة حديثة المنشأ (الإمارات)، ومن يشعرون بالنقص لعدم امتلاكهم معلماً أثرياً واحداً (قطر) وغيرها من الدول جميعهم سعوا بكل جهد في إطارين:
الأول: تغييب وطمس الحضارة اليمنية والإبقاء عليها دفينة، وعدم استحداث أية استكشافات أثرية. والثاني: شراء وتهريب كل ما تم العثور عليه.
وبالنسبة لاستمرار طمس ودفن كل المعالم الأثرية في اليمن كان ذلك يتم من خلال منع حدوث أي استكشافات أثرية. وأعتقد أن آخر بعثة استكشافات أثرية كانت قبل أكثر من ستة عقود، فكيف يمكن أن يحدث هذا لبلد يعتقد العلماء وفق كثير من الشواهد والادلة أنه "بداية الخلق والأرض والحياة".
لم يتطلب الأمر أكثر من توجيه للحاكم والحكومة ليقولوا سمعاً وطاعة، بل إنهم عاقبوا كل من يحاول البحث عن آثارنا ومعالمنا، وكانت المتاجرة بالآثار تعتبر من كبرى الجرائم، لكن مع ذلك كان جائزاً وليس مخالفاً أبداً للقانون ما دامت المتاجرة تتم بين اليمنيين! ومن المفارقات العجيبة أن السلطة التي جعلت من الأمر جريمة كانت هي نفسها الراعية لعمليات تهريب الآثار وبيعها لدول أوروبية وعربية، ومن يلقون عليه القبض أثناء بيعه قطعة من الآثار يدخلونه دهاليز سجن الأمن السياسي ويعذبونه حتى الجنون أو الموت ولا يفرجون عنه إلا بشق الأنفس، بينما هذا هو العقاب الطبيعي الذي كان يجب أن يناله كل بائعي ومهربي الآثار للخارج، مع العلم أن عمليات بيع وشراء الآثار كانت مسموحة لكبار القوم، حتى أن أحدهم جمع أثمن وأغلى وأجمل القطع الأثرية في منزله الخاص، بينما الخطوات الصحيحة واللازمة كانت في جمع كل القطع وشرائها من أصحابها وملاكها بثمن مجز غير بخس وإيداعها في المتحف، ولو أن ذلك تم لكان اليمن القبلة الأولى لجميع عشاق وهواة الآثار والمعالم التاريخية، لكننا للأسف الشديد كنا محكومين بثلة الخونة الذين لا يعنيهم الوطن بأي شكل من الأشكال، وكان الحاكم (عفاش) هو الرأس الأول في تجارة الآثار، حتى أن تقارير الرصد لمصدر ثروته تشير إلى أن المتاجرة بالآثار كانت المصدر الثاني لتلك الثروة المهولة، سواء النقدية المجمدة في بنوك سويسرا والإمارات، أو العقارات، يليه الجنرال العجوز علي محسن، ثم يليهم بعض المتنفذين وصولاً إلى أصغر تاجر ومهرب آثار.
وجدير بالذكر أن الصدفة أدت إلى اكتشاف عدة معالم، آخرها ذلك المنزل الخاص بأحد المواطنين الذي اتضح أن تحته معبداً تاريخياً، ولم يظهر ذلك نتيجة البحث والاستكشافات، وإنما نتيجة عوامل التعرية الطبيعية.
كما أن الصدفة أيضاً أدت إلى اكتشاف كثير من المعالم والآثار، لكنها سرعان ما اختفت بعد أن علمت بها الدولة وطوقت المكان قوات حكومية، وكنا نعتقد أننا سنراها لاحقاً في أحد المتاحف اليمنية، إلا أننا نتفاجأ بين الحين والآخر برؤيتها في متاحف أوروبية وعربية، وما الوعل اليمني الذي ظهر مؤخراً معروضاً في متحف قطر إلا مثال واحد لمئات الآثار والمعالم التي تم تهريبها إلى الخارج والمتاجرة بها بمعية ورعاية النظام السابق المرتهن والتابع.
وقد يتساءل البعض عن الأسباب التي أدت إلى عدم المضي نحو استكشاف الآثار في اليمن، فمسألة شراء وتهريب الآثار قد تبدو مبررة، لكن محاولات الطمس غريبة لدى من لا يعرف حقيقة الحضارات اليمنية التي تجاهلتها حتى كتب التاريخ، فالكشف عنها سيحدث ضجة كبيرة، حيث سيتضح للعالم زيف كثير من قصص التاريخ والمعلومات والمعالم المتوفرة في بعض الدولة والمنسوبة لبعض الحقب أو الشخصيات والمروية على أنها تمثل أحداثاً تاريخية معينة... "اليمن وما أدراك ما اليمن"؟!
تدمير مقصود للموانئ اليمنية
رغم الأهمية الكبرى لموانئ اليمن بحكم موقعها الاستراتيجي إلا أن الإمارات ومن خلفها بريطانيا والكيان الصهيوني لم يحتاجوا كثيراً من الجهد لتدمير الموانئ اليمنية وجعلها من أسوأ موانئ العالم، وذلك ليس لغياب حسن الإدارة فقط، وإنما لغياب الوطنية بدرجة أساسية وحضور العمالة والخيانة بشكل واضح وملموس.
والتدمير المقصود هنا هو التجميد وعدم التحديث والتطوير والتأهيل، ولهذا تقرر شركات النقل إلغاء إمكانية استخدام الموانئ اليمنية إلا كمنافذ وطرق مائية اضطرارية، رغم أنها الأقرب لكثير من الدول، وهي الخط التجاري الأنسب، لكنها موانئ غير مؤهلة، ومشاكلها كثيرة، وفيها بطء وعرقلة في الإجراءات، ورافعاتها قليلة ومتهالكة، وكل الأدوات والمعدات فيها قديمة جداً، وانتهى عمرها الافتراضي منذ زمن طويل.
وبالتالي فإنهم، أي شركات النقل أو المستوردين والمصدرين، يفضلون استخدام موانئ أخرى، وأول خياراتهم هو ميناء جبل علي كمنطقة حرة متطورة ومؤهلة لاستقبال مئات السفن ومئات الآلاف من الحاويات في وقت واحد، رغم أن اختيار موانئ أخرى غير موانئ اليمن يكلف المستوردين والمصدرين أكثر مما ينبغي في حالة كانت موانئ اليمن هي خيارهم، نظراً لموقعنا الجغرافي الهام جداً، وكوننا حلقة الوصل بين قارتي آسيا وأفريقيا، إلا أننا نفتقر إلى التقنيات الحديثة اللازمة لتشغيل موانئنا بالشكل المطلوب، رغم أن كل الدراسات التي أجريت بشأن موانئ اليمن أوصت بضرورة تحديثها وتطويرها وتأهيلها.
نحن حتى لم نستثمر مضيق باب المندب رغم أنه أهم مفتاح من بين ثلاثة مفاتيح تتحكم بالملاحة البحرية الدولية (هرمز، باب المندب، السويس)، ويعتبر أهم مخنق مائي عالمياً، ولم يكن يحتاج الأمر لأكثر من تشييد وبناء ميناء "سيرفس" يقدم الخدمات للسفن المارة، وهذا كان كفيلاً بتوفير إيرادات مهولة للدولة قد تصل بحسب تقديرات الخبراء إلى 300 مليار دولار سنوياً، ولكم أن تتخيلوا ما الذي ضاع علينا، ولماذا؟
اقرؤوا عن ميناءي المخا وعدن وتاريخهما، وكيف كانا يعملان ومن كان يستخدمهما، وستصابون بالدهشة، لأن العجلة سارت إلى الوراء بدلاً من المضي قُدماً، واستغلال هذه النعمة العظيمة لتنمية الموارد المالية والنهوض بالوطن.
يذكر أن الدراسات تقول بأن إيرادات ميناء عدن في حال تم تشغيله بالشكل المطلوب ستصل إلى 75 مليار دولار سنوياً، وإيرادات ميناء الحديدة والصليف 40 مليار دولار سنوياً.
فهل عرفتم الآن ما الذي كانت تفعله التبعية؟! وكيف كان ينعكس ذلك على حياة المواطنين؟! وكيف كان يفترض أن نحيا ونعيش؟!
مع العلم أن تدمير الموانئ لا يعد إلا جزءاً من مآلات وتبعات التبعية المجحفة.
تحجيم النشاط الزراعي بحجة الجفاف
لطالما سمعنا أن اليمن من البلدان المهددة بالجفاف. وبغض النظر عن صحة ذلك فإن من الواضح أن الغرض من وضع اسم اليمن في قائمة الدول المهددة بالجفاف هو تحجيم النشاط الزراعي حتى لا نأكل مما نزرع، وبالتالي لا نصل إلى الاكتفاء الذاتي زراعياً وتستمر حاجتنا للدول المصدرة للقمح والمعنية بتوفيره.
وهذا الاحتياج هو أحد أسباب استمرار التبعية، فمن يتحكم بالأمن الغذائي لأي دولة يتحكم بسياستها ومواقفها وتوجهاتها، حتى لو تم إزالة الخونة واستبعادهم من السلطة، ولهذا لا يمكن لأي دولة أن تستقل وتتحرر من التبعية ما لم تكتف غذائياً، إلا إن كان لديها من الموارد ما يمكنها من المقايضة والتبادل التجاري.
وبالنسبة لليمن فهو بلد يملك كل مقومات النهوض، لكن كانت مصيبته الوحيدة هي الخيانة والتبعية، ومن خلالها جاءت كل المصائب التي كانت سبباً في إفقار وتجهيل الشعب لعقود.
ففي مجال الزراعة لدينا الأساسيات والمقومات المطلوبة للنهوض، وهي ليست كفيلة فقط بجعلنا نصل إلى الاكتفاء الذاتي، وإنما لنصبح سلة غذائية للعالم من حولنا.
لدينا مناخ وطقس متعدد ومتنوع (مناطق حارة ومناطق باردة وأخرى معتدلة ومناطق متقلبة المناخ)، وذلك كافٍ لزراعة كل أنواع المزروعات على مدار العام. لدينا أرض خصبة جداً، وأمطار غزيرة تهطل موسمياً إلا في بعض السنوات العجاف، ولدينا أكبر حوض مائي في "الشرق الأوسط" وهو حوض حضرموت، ولدينا غيرها الكثير... لكننا للأسف الشديد لم نستثمر هذه المزايا النادرة، بل إن النظام السابق عمل عكس ما يُفترض تماماً.
فمثلاً، تم الإذعان للتوجيهات الأمريكية الصهيونية بالحد من زراعة القمح بذريعة عدم استنزاف المياه الجوفية، وذلك بناء على ما سُمي وقتها بـ"التوصيات"، بينما كانت توجيهات وليست توصيات، لأنه في الوقت الذي تم فيه تحجيم زراعة القمح تم تشجيع زراعة شجرة القات، وهي أكثر شجرة تستنزف المياه الجوفية، وبالتالي من الواضح أن الهدف كان تخفيض نسبة زراعة القمح إلى أقل نسبة ممكنة، بل واستنزاف المياه الجوفية التي كان يمكن الحفاظ عليها فعلياً من خلال الحد من زراعة القات واتخاذ عدة إجراءات، أهمها: تشييد مشاريع تسهم في الاستفادة من مياه الأمطار وتعميم تقنية الري الحديثة ومنع حفر الآبار بشكل عشوائي وغيرها من الإجراءات.
وما يزيد الصورة وضوحاً كان إنشاء مؤسسات مهمتها دعم استيراد الحبوب، وذلك لأن التوجه نحو الاستيراد كان توجهاً حكومياً. ومن الملاحظ خلال العقود الماضية أن أغلب الأراضي الزراعية تحولت إلى أراضٍ قاحلة ومبانٍ سكنية. ولكم أن تتخيلوا على سبيل المثال لا الحصر أن قمح الجوف مصنف من أجود أنواع القمح عالمياً، وتؤكد الدراسات أن زراعة نصف مليون هكتار بالقمح في الجوف سيجعل اليمن يصل إلى الاكتفاء الذاتي، بينما إن أردنا الوصول إلى الاكتفاء الذاتي بزراعة القمح في محافظات أخرى، فإن ذلك سيتطلب زراعة مليون هكتار في مأرب وصعدة وتهامة وذمار، وهذا يعني أن نوعية وجودة وحجم حبوب قمح الجوف تتميز على حبوب القمح في أي منطقة أخرى، ومع ذلك شهدت الجوف تقليصاً كبيراً في المساحات الزراعية، وتم منع مزارعي الجوف من حفر الآبار حتى في الأماكن المتاحة حسب الدراسات، ويقول أهالي الجوف بأن هناك 16 محطة تضخ المياه الجوفية الخاصة بمحافظة الجوف إلى السعودية، بمعنى أن السعودية تسرق حتى مياهنا الجوفية.
إذن، لم يكن منع حفر الآبار في الجوف للحد من الزراعة فقط، وإنما لأجل أن تتمكن السعودية من نهبها، وهذا ما تفعله أيضاً مع المخزون الغازي والنفطي والثروة المعدنية في الجوف، بينما في المحافظات التي تشتهر بزراعة القات حفروا الكثير من الآبار وبشكل عشوائي في ظل غياب تام للدولة.
كما لاحظنا أيضاً غياب الدور الحكومي في التنسيق والترتيب والإدارة بما يكفل أولاً: جودة المحصول، وثانياً: التسويق الداخلي والخارجي بالشكل المطلوب.
كما لم نلاحظ أن الدولة اتخذت أية إجراءات لتشجيع الفلاحين ودعمهم، وحتى بنك التسليف التعاوني الزراعي كان غارقاً في نشاطات مالية بعيدة كل البعد عن اسمه ومهامه الأساسية التي أنشئ لأجلها، وكليات الزراعة في كل الجامعات كانت الأكثر إهمالاً وتهميشاً من بين كل الكليات، وجميع خريجيها ذهبوا للعمل في غير مجالهم الدراسي سعياً منهم وراء لقمة العيش، لأنه لم يكن هناك حاجة لهم في ظل الحرب المتعمدة على القطاع الزراعي رغم كل ما يملكه وطننا من مؤهلات أنعم الله بها علينا، لكن لا يمكن لأي نهوض أن يتم في ظل غياب الوطنية والنزاهة لدى الحاكم وزبانيته.
* نقلا عن : لا ميديا
في السبت 05 فبراير-شباط 2022 09:04:44 م