«إسرائيل» على شفا حفرة من النار
صلاح الدكّاك
صلاح الدكّاك
خطاب جمعة الفاتحة الرسالية اليمانية
مقاربة الألفة الإيمانية كموثق ديني عابر لمرحلية المحاور
إذا كانت جمعة رجب هي فاتحة يمن الإيمان والحكمة، فإن خطاب سيد الثورة والجهاد، السيد القائد عبدالملك الحوثي، في مناسبتها العظيمة عشية أمس الأول، كان بمثابة فاتحة أخرى على مستوى النهوض اليماني الرسالي المديد بالدعوة المحمدية من فجر بزوغها إلى لحظة انبعاثها الفتي الراهن، نهجاً ومشروعاً بالمسيرة القرآنية.
وهي لحظة انبعاث عاد معها اليمن ليشغل موقعه الريادي بجدارة في قلب قضايا الأمة بتعقيدات واقعها اليوم وخذلان أبنائها لها وائتمار أنظمة وقوى النفاق والتبعية عليها وسفور توجهاتها الممنهجة الرامية لتصفية هذه القضايا الكبرى الجامعة ومحوها بالقول والفعل من وجدان الأمة وثنايا كتاب ربها، تماهياً -بالمطلق- مع مشروع أعدائها القديم الجديد، مجسداً في راهن الصراع بكيان العدو الصهيوني وأمريكا.
إنه مفترق تمايز شديد الجلاء بين الخبيث والطيب، بموجب موثق الله الذي واثق به الرعيل الأول من المؤمنين، وفي صدارتهم اليمنيون لحظة اعتناقهم الإسلام وإقرارهم بـ”السمع والطاعة” استمراراً في كل مؤمن حتى النشور.. تمايز يقرأ سيد الثورة والجهاد مفهومه قرآنياً بفيصل “الاستمرارية الإيمانية والثبات والعطاء غير المنقطع” الذي يفرز الإيمان الموصول بالله خالق الزمان والمكان، عن الإيمان المرهون ظرفياً بمجريات زمنية وحسابات مادية، مضيئاً بجلاء أسباب انحراف كثيرين عن الجادة الإيمانية انزلاقاً في حضيض نقيضها مع الاحتفاظ بقشرة إسلام طقوسي مفرغة من جوهرها الرسالي.
ولكن ما هو هذا الجوهر الذي مثَّل تغييبه بوابة واسعة لاجتياح قوى النفاق ساحة الإسلام بدءاً من مجتمع المدينة المنورة في عصر التنزيل وحياة الرسول الأعظم، واستمراراً في مجتمعات الأمة الراهنة التي تكتظ دُورها ومساجدها ومنشآتها التعليمية والخدمية بمصاحف “القرآن الكريم” وبراويز مذهبة وملونة لآيات مجتزأة منه، وأخرى محفورة على الحجارة في مداخل وواجهات البيوت؟!... أمة تَهدر فيها كلمات الأذان وحناجر المصلين من مكبرات الصوت وشاشات التلفزة والإذاعة بامتداد جغرافيا المليار ونصف المليار مسلم!
هذا الجوهر الذي أضحت بتغييبه ساحة الإسلام عرضة لاختراق قوى النفاق، وتحول إلى قشور دين كسيح وتحولت معه الأمة إلى شتات منفرط العرى عديم الفاعلية، يتجلَّى في خطاب سيد الثورة والجهاد من خلال سلسلة من العناوين القرآنية المتآزرة معنى وسياقاً دلالياً محكماً بكونه -أي الجوهر- جملة مقتضيات الموثق الإيماني الذي واثق الله به المؤمنين، في شموليتها وتكاملها ووجوب العمل بها كواحدية لزومية غير مجزأة.
وفي محور هذه الواحدية يورد أبو جبريل مفهوم “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، ويضعه قرآنياً في جادة صراع قوى الإيمان وموالاة المؤمنين مع معسكر الصهيونية الأمريكية والموالين لها من أنظمة وسلطات وقوى النفاق “العربي الإسلامي”. وهو مفهوم لم يكن هذا المعسكر قادراً على تحقيق اختراقه الواسع لفضاء الأمة الإسلامية معتقداً ونهجاً، إلا بإفراغه من دلالته القرآنية الرسالية عبر الانحطاط به إلى درك قشوري وتنصيب عصا بتروهابية على سدة سلطة “أمر بمعروف” هو نهي عنه، و”نهي عن منكر” هو تكريس له.. سلطة تذبح المسلمين من الوريد إلى الوريد باعتبارهم مشركين ومرتدين وروافض، وتمجد العبودية للأمريكان والصهاينة ومنشار الملك وحمار الحاكم بأمر واشنطن، باعتبارها جوهر عبودية الله والإيمان به.
إن “التطبيع” مع العدو الصهيوني كمنكر قرآني هو “المعروف” ذاته في دين البتروإسلام، وبينما تصفق المنابر بامتداد الأمة للمطبعين وقوى التصهين، فإن المنابر ذاتها تصنف المعادين من أبناء الأمة للكيان الصهيوني والهيمنة الأمريكية، في خانة “العداء للإسلام والارتداد عنه” وتصفق بالحماسة نفسها للعدوان عليهم أفراداً وحركات وشعوباً.
إن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قرآنياً مضامير فاعلية يتمظهر من خلالها لعيان الرائين اليوم، هي مضامير الكفر بالطاغوت الأمريكي الصهيوني حد الغلظة وشدة العداء قولاً وعملاً، وبالنقيض موالاة المؤمنين في إطار “الأخوَّة الإيمانية” القرآنية، حد الذلة لروابط هذه الأخوَّة، وفي هذا السياق يتآزر قوله تعالى “إنما المؤمنون إخوة” في خطاب سيد الثورة والجهاد مع قوله تعالى “كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر”، ليحقق في مجمل الموثق الإيماني مستوى “الألفة القلبية” التي أنعم الله بها على المؤمنين لحظة اعتناقهم الإسلام وتسليمهم بمضمون السمع طاعةً ونهوضاً بمقتضياته وتمايزاً عمن “لمَّا يدخل الإيمان في قلوبهم” من أعراب منافقين تمثل مشيخات البتروإسلام امتداداً منظوراً لهم قولاً وعملاً.
في الخطاب الأخير لسيد الثورة والجهاد -وكل خطاباته السالفة- لا فُصام بين العين المجتلية لآيات القرآن والعين المجتلية قرآنياً للأحداث وسيرورتها وتمظهرات مواقف الفاعلين فيها، كما لا اعتساف للنص القرآني تخديماً له بين يدي الواقع، ولا اعتساف لمجريات الواقع لتبدو متوافقة مع النص، كما فعلت ولاتزال تفعل حركات وأحزاب ونخب البتروإسلام، لدوافع موصولة بحاجة المدير التنفيذي الأمريكي إلى تجييش الأمة الإسلامية في معاركه وحروبه ضد مناوئيه وخصومه وأعدائه، منذ حقبة “الحرب الباردة” وحتى اللحظة الراهنة.
“لا حدود جغرافية مشتركة ولا خلافات سابقة ولا خصومة بين اليمن والإمارات تبرر به هذه الأخيرة عدوانها على بلدنا وشعبنا”.. هكذا يقول القائد أبو جبريل وهذا ما يشهد به الواقع...
ثم يتساءل بعد ذلك عن دوافع دويلة كالإمارات للانخراط في عدوان فاحش على اليمن، فتتمظهر الإجابة في صورة زيارة رئيس كيان العدو الصهيوني إلى “أبوظبي” بخلفياتها المديدة وكواليس إرهاصاتها التي تُوِّجت على هذا النحو الفضائحي من الحميمية المباشرة والمنظورة في مقابل شدة وفحش العداء الإماراتي ليمن ثورة أيلول الجديد المعادي عملياً للمشروع الصهيوني.
وغير بعيد فإن دوافع السعودية وكل دول التحالف في عدوانها على اليمن هي ذات دوافع الإمارات.. دوافع صهيوأمريكية محضة ويستحيل فصمها عن بعضها البعض وتأويل دافع دولة دون أخرى بـ”خلاف ثنائي” حدودي أو غيره، والقائل بخلاف ذلك ليس ساذجاً بل منخرط في موالاة الصهاينة والأمريكان.
إن شدة قوى النفاق مجتمعة ينبغي أن تقابلها اليوم ألفة إيمانية توحد مؤمني الأمة وتتجلى شدة عملية في مواجهة قوى النفاق، في خنادق الاشتباك المباشر وغير المباشر، فالمؤمن الصريح لا تعوزه الفتوى على وجوب ذلك والحاجة إليه، ولا تلتبس عليه طبيعة الصراع ودوافعه بحيث يعتقد أنه في حِلٍّ من تبعاته وبمنأى عن نيرانه.
مجدداً يقارب سيد الثورة والجهاد القائد أبو جبريل الاصطفافات المنشودة بين قوى مناهضة الاستكبار، من منطلق الواحدية الإيمانية القرآنية التي تتجاوز مرحلية المحور في علاقاتها إلى ديمومة الروابط الجامعة لأمة الإسلام كموثق ديني جوهري يتمايز من خلاله المؤمنون عن المنافقين، لا كحاجة مرحلية خاضعة لمتغيرات ظرفية توجبها وتنقضي بانقضائها.
هل بلغ العد التنازلي للحرب الإقليمية نهايته بحيث بدأت فعلياً -عقب شخوص كيان العدو الإسرائيلي رسمياً إلى واجهة الصراع المنظورة؟!
هذا وارد ومسوَّغ.. يقول خطاب “أبو جبريل” أمس الأول ذلك. ولكن الحرب الإقليمية مرهونة بـ”مساس العدو الإسرائيلي بالقدس” حد تعبير سيد المقاومة “أبو هادي”.
أجل هي كذلك مع مراعاة أن كيان العدو اختار اليوم الهروب إلى الأمام كخطوة تكتيكية لا غنى عنها في استراتيجية اجتثاث القدس والقضية الفلسطينية كلياً... هذه الخطوة تتمثل في اجتثاث قوى وحركات المقاومة والجهاد التي تؤلف طوق دفاع متقدماً عن القضية المركزية للأمة، كما أنها شرعت تغدو منطلق هجوم وشيك ومباشر على كيان العدو في فلسطين المحتلة، وتحديداً من خلال ثبوت فاعلية يدها الطائلة التي بلغت نيرانها دويلة الإمارات وقوضت “تابوهات” ومحرمات الاشتباك بجرأة واقتدار أرغمت العدو الصهيوني على مغادرة كواليس العدوان إلى خشبته بجلاء.
يحتشد معسكر الصهيوأمريكية عسكرياً في البحر الأحمر منذ نهاية الأسبوع الفائت، بينما يدفع بذراعه الناعمة الأمم المتحدة لمشاغلة صنعاء بـ”حمامة سلام” مذبوحة سلفاً؛ لن تنجيه من شفا حفرة نار يُعمِّق معسكر الواحدية الإيمانية قعرها اليوم لتكون قيامة ناجزة له ولأدواته من قوى النفاق.
هكذا تكلم سيد الثورة والجهاد..
 

* نقلا عن : لا ميديا


في السبت 05 فبراير-شباط 2022 10:48:08 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=4875