|
لم يعد ثمة شيءٌ من حولنا في الأعم والأغلب يتمتع بالوضوح التام، الذي يريك الواقع كما هو ويبصرك إلى ما خفي عنك بكل أمانة وحب دونما سعي في استغلالك لمصلحة هذا أو ذاك، أو تسخير فكرك وعاطفتك ومشاعرك في سبيل تحقيق أهداف أشخاص أو جماعة أو حزب، ولكن نحن في زمنٍ كل شيءٍ فيه قابلٌ للتزييف، ظاهرٌ بغير مظهره، مبنيٌ على خلاف حقيقته، مطبوعٌ بأغراض وتوجهات المتحكمين بالساحة العالمية سياسياً واقتصادياً وثقافياً وعلمياً وعسكرياً وأمنياً وفكرياً وإعلامياً، والذين استطاعوا النفاذ إلى عقول وقلوب كل الأمم وكل الشعوب والمجتمعات، وتمكنوا من توظيف كل نوازعنا ومشاعرنا واهتماماتنا وانفعالاتنا في سبيل خدمتهم ودون أي مقابل.
فكم من مأساة وقعت على شخص بعينه، أو أصابت مجتمعاً بأكمله، وعلى الرغم من قوتها وفظاعتها اللتين نستوحيهما من خلال الآثار والنتائج الكارثية التي خلفتها تلك المأساة أو الواقعة التي قد تتحول على إثرها حياة أسرة أو مجتمع أو فرد إلى جحيم، ومع ذلك نمر عليها مرور الكرام، وسرعان ما نتناساها ولربما أغلقنا ملفها وطوينا صفحتها إلى الأبد، بسبب أنها لم تكن ذات أولوية لدى إعلام العولمة، ولم تحظ بشيء من الاهتمام من قبل شبكات الإعلام البترودولارية، وهناك قضايا وأمور فيها من الاستخفاف والسذاجة الشيء الكثير، ومع ذلك تنعم بالتغطية الإعلامية الكبرى التي تتحول تلك القضية أو الواقعة على إثرها إلى قضية رأي عام، وتصبح شغل الناس الشاغل مهما كانت صغيرة وبسيطة، فهذا لا يهم وإنما المهم أن المخرج على مستوى الساحة العالمية هو فقط المعني في تحديد ما الذي يجب للناس أن يلتفوا حوله ويتعاطفوا معه، وما الذي يجب عليهم السكوت عنه والانصراف إلى سواه.
لقد بتنا نشهد من الأحداث والوقائع التي تكشف لنا من خلال ردة فعل مجتمعاتنا العربية والإسلامية أن هذه المجتمعات لم تعد ملك نفسها، ولم تعد قادرةً على معرفة ما لها وما عليها، إلا مَن رحم ربي، فها نحن تركنا شعوباً بكاملها، رجالاً ونساءً، شيوخاً وشباباً وأطفالاً، يذبحون من الوريد إلى الوريد، وذهبنا لندس رؤوسنا في جب ريان في أقاصي المغرب العربي، أليست كارثةً، أن يفقد الشارع العربي سمعه وبصره وعاطفته ومشاعره، ويصبح لا يرى ولا يسمع ولا يشعر ولا يحس بشيء ولا يتخذ موقفاً من شيء ولا يمتلك القدرة على التعبير عنه إلا بما يتيحه له الإعلام الإمبريالي المتصهين وبناءً على ما يرضاه هو، وانسجاماً مع رغبته؟ لقد بات الشارع العربي مستعمراً حتى في فكره ومشاعره ناهيك عن استعمار أرضه واستغلال مقدراته، واحتلال النفوس هو الأشد خطراً والأكثر ضرراً من احتلال الأرض.
* نقلا عن : لا ميديا
في السبت 12 فبراير-شباط 2022 09:39:42 م