رسالة من شواظ
لا ميديا
لا ميديا
كانت الرسالة الشعرية ظهيرة للرسالة السماوية القرآنية، فنسمع صوت النبي الكريم يكاد يستنصر شاعر الإسلام الأول قائلاً: "اهجهم ومعك روح القدس"، وروح القدس هو النازل برسالة السماء: "القرآن الكريم"، فإذن شعر الموقف يظاهر رسالة القرآن، ولعل من البديهي أن نعد الشعراء الأوائل، حسان بن ثابت وعبدالله بن رواحة وكعب بن مالك، كانوا سهاماً مصمية مزقت كثيراً من ستور الشرك، بما في هذه الأشعار من تفسير للقيم الجديدة التي تبنتها السماء. أحب أن أشير إلى أن الثورة اليمنية المباركة، والتي ابتدأت من الأربعينيات والخمسينيات حتى اليوم، اتخذت الشعر وسيلة لنصرة القيم الإيمانية التي ظهرت ظهوراً كبيراً على قيم الظلم والطاغوت ومصادرة الأفكار الحرة والمشاعر الإنسانية.
تموضعْ وحاذر أن تعيد التموضعا
وراءً وإن أضحى اللفيف ممزعا
ولا تخذل الإخونج بعد رجائهم
فإنّ قفا "الإصلاح" ترجو "التجمعا"
لعنت قطيعاً ما تقدم خطوةً
على غرة إلا تقهقر أربعا
تعملق حتى ظنه الفسلُ مارداً
تقزم حتى عاد كالأصل ضفدعا
وظن الخونج النصر جمعاً فبددت
يدُ الله مثنى جمعهم في الوغى معا
يدٌ بابن بدرٍ سدد الله رميها
فأصمى بها حلف النفاق وأوجعا
ألَان لها الفولاذ سرداً مقدَّراً
وأودع أسرار الصناعات أجمعا
وشقَّ حسينُ البدر كالبدر ليلها
فكان أبو جبريل للفجر مطلعا
صلاح الدكــاك
لعلنا قد أشرنا قبل إلى أن فتية من الشعراء الشبان يتقدمون مسيرة الثورة من أول ثورة يمنية حتى الثورة الحالية يبشرون بقيمها الجديدة المنتصرة ويدعون بالحكمة والموعظة الحسنة أو يقذفون بصواريخهم باتجاه الكبر المتغطرس والأنانية المقيتة. ونحب أيضاً أن نذكر القارئ الكريم بأن في لغة النقد الأدبي ما يسمى "الواقعية الفنية" و"الواقعية الفيزيائية التاريخية"، صلة كبرى يمثلها هؤلاء الشبان الجدد، ومن بينهم الشاعر الفتي الشاب صلاح الدكاك، والذي أوردنا له آخر طلقة أعلاه.
حاول ما يسمى مندوب الاحتلال الإماراتي أن يهرب كما المرة الأولى هروباً مشيناً بعد أن أحاطت به استدراجات السماء. وإذ نعبر عن أن مواقف هذا المسكين لن تستطع أن تنقذه مصطلحات جديدة يطلقها بعض الآثمين المنهزمين، كمصطلح "الانسحاب التكتيكي" وكمصطلح "التموضع"، فكان أن انسحب بجيشه المهزوم من المنطقة الساحلية باتجاه شبوة فسجل هذا الواقع، بجانبيه الفني والتاريخي، الشاعر صلاح الدكاك، بصور ملأى بالسخرية والهزء، بعد أن حاول أن يجمع هذا الهارب بين إجابة دعوة المحتل وعميله الذي يعتبر سطراً أسود في الصفحة الوطنية البيضاء، والمقصود بذلك: "التجمع اليمني للإصلاح"، الذي خرق كل القواعد الحزبية على مستوى الإيمان وعلى مستوى الكفر بعد أن أمل هذا الحزب بـ"العمالقة" الأقزام الذين استنهضوه لاحتلال "شبوة"، وهنا نجد هذه النيران (نيران صلاح) تلتهم هذا الـ"تعملق" المكذوب وتسخر منه سخرية بالغة:
تموضعْ وحاذر أن تعيد التموضعا
وراءً وإن أضحى اللفيف ممزعا
ولا تخذل الإخونج بعد رجائهم
فإن قفا "الإصلاح" ترجو "التجمعا"
وتبلغ السخرية مداها:
تعملق حتى ظنه الفسلُ مارداً
تقزم حتى عاد كالأصل ضفدعا
فهذا المارد (المزعوم) ليس إلا ضفدعاً جفت من حوله المياه.
للناقد الكبير "ريتشاردز" -صاحب كتاب "أسس النقد الأدبي"- مقولة: "إننا بحاجة لمن يذكرنا بالمبادئ الهامة". والمبدأ المهم الذي نستدعيه هنا أن من الحمق أن يعتبر الضفدع نفسه عملاقاً مارداً، كما أن من الحمق أن يعتمد الكائن هذا الضفدع سنداً لإنقاذه من العذاب. فالإخوان -من باب استنهاض الهمم مهما كانت فاترة وبئيسة- قد لاذوا بالمسكين "تارق" سليل الأسرة العفاشية العميلة، ظناً منهم أنه قادر على دحر القيم الوطنية، وأبرزها الاستقلال الذي تحقق في محافظة شبوة، فجاء بقضه وقضيضه لاحتلال شبوة، غير أنه مني بانكسار خيب آماله وآمال اللائذين به.
لعنت قطيعاً ما تقدم خطوةً
على غرة إلا تقهقر أربعا
تعملق حتى ظنه الفسلُ مارداً
تقزم حتى عاد كالأصل ضفدعا
وظن الخونج النصر جمعاً فبددت...
ولسنا نريد أن نبحث بشكل محيط بما اختزله هذا النص من قيم فنية، ولا بأس أن نشير إلى بعض دلالات ما سبق كدلالات "اللفيف"، "ممزعاً"، "قطيعاً"، "الفسل"، "تعملق"... وإنما نريد أن ننصرف إلى معطى مركزي مهم يشكل جزءاً من لهب الشواظ.
بالعودة إلى مقولة "ريتشاردز" يذكرنا بما حدث بأدبية تاريخ قديم، ونعني بذلك ما حررته غزوة الأحزاب، إذ تجمعت قوى الشرك القرشية وقوى حرفت رسالة سماوية (اليهود) للإيقاع بدين الله وإخماد نوره للأبد، بعبارة ثانية إن الإخوان قد ركنوا إلى الذين "تعملقوا" ظانين وبعض الظن إثم أنهم قادرون على استئصال ثورة الاستقلال التي يقودها شعبنا اليمني بقيادة الجيش واللجان الشعبية، فخاب ظنهم وخسئوا، لننطلق لهذا المعطى الذي يعد رديفاً لمركز النص السابق الذي وقفنا عنده ليكون المعطى موطئ تحليل واقعي وفني على السواء:
وظن الخونج النصر جمعا فبددت
يد الله مثنى جمعهم في الوغى معا
ليكون الله وعبده المجاهد قائد المسيرة المنتصرة بإذن الله، عبدالملك بن بدر الدين الحوثي، قد أفشل هذا المسعى الخبيث لمصادرة استقلال القرار اليمني والوطن معاً.
وظن الخونج النصر جمعا فبددت
يد الله مثنى جمعهم في الوغى معا
يد بابن بدرٍ سدد الله رميها 
فأصمى بها حلف النفاق وأوجعا 
ولا بأس أن نشير إلى ما ذكرناه سابقاً عما تحفل به ذاكرة الشاعر صلاح الدكاك من مخزون ديني يستدعيه الموقف الفني والتاريخي معاً، وهو إشارة قرآنية تتمثل بقوله تعالى: "والله غالب على أمره"، وقوله تعالى يذكرنا بنعمة الله على نبيه داود بقوله: "وألَنا له الحديد". واستدعاء الذاكرة القرآنية يعطي للنص إيحاء ممتازاً ليكون هذا الإيحاء بمثابة ما يطلق عليه الفيزيائيون: "كل فعل له رد فعل مساوٍ له في القوة ومضاد له في الاتجاه"، فابن بدر الدين عذابٌ مهين لهذا الفجور المتكبر المتفرعن المتغطرس. أما المعطى الثاني فهو ما يحدثنا به الواقع ولا نكاد -من فرط إعجازه- نصدقه، وهو أن رصاصات الكلاشنكوف والقنابل البدائية تذيب فولاذ الـ"إبرامز" وغيرها من المدرعات المصفحة التي تعد أحدث ما أنتجته الكبرياء الأمريكية.
ألَان لها الفولاذ سرداً مقدراً
وأودع أسرار الصناعات أجمعا
إن الله لا يهدي الضالين الحائرين بعباده الذين يطلعون شموسا تبدد أستار الظلام وتمحق كبرياء الباطل، وهي سنةٌ يمُن الله بها على من يشاء من عباده في الوقت ذاته الذي هي فيه بهداية وسبيل رشاد.
وشقَّ حسينُ البدر كالبدر ليلها
فكان أبو جبريل للفجر مطلعا
فالليالي الحالكة شديدة الظلمة هنا هي مرادف لنظام متخلف ارتهن بولائه للأجنبي والعدو الأبدي، وسرعان ما شُقَّ الليلُ باهراً ومبهوراً بنور الله الذي لا يكاد أي نور يبلغ مبلغه أو يساويه في الدهشة والحبور.
إن كل القوى الوطنية اليمنية قد سجلت صفحة ناصعة في الجهاد ضد المحتل الغاصب المرتهن للصهيونية العالمية، فبينما يقف الأبطال الصناديد على شرفات الجبهات يقتلون العدو ويأسرون ويسيطرون فإن المبدعين من شباب اليمن -كصلاح الدكاك- يقفون على شرفة الجبهة التي ترمي الأعداء بسهام نافذة لا تقل عن قوة الرصاصة وبلاغ القذيفة، وهذا سببٌ من أسباب الصمود الذي لا تستطيع دولة مهما كانت قوتها أن تبلغه، وهو ما سيسجله تاريخ الإنسان المعاصر.
 

* نقلا عن : لا ميديا


في السبت 12 فبراير-شباط 2022 09:42:29 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=4911